لم يعد شغل الموريتانيين اليوم مقتصرا على البحث عن الغاز، أو لماذا وكيف تم رفع سعره دون سابق إنذار، وما معنى عدم توفره في المحال التجارية وعند نقاط التزويد، ومن هي الجهة المستفيدة من كل ذلك..!
بل أصبحت أسئلتهم متعدية، وأكثر أهمية وجوهرية، وتستدعي وجود أجوبة فورية وحاسمة، لما يترتب عليها من أهمية إستراتجية وأمنية،
لا يجوز ولا يمكن السكوت عنها لأي سبب كان!!
نعم، هناك ما يدعو للحيرة والتساؤل، بل والقلق.. إذ كيف لبلد لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملاين نسمه، أي ما يساوى نصف القاطنين في أقرب العواصم إلينا، ومن أقل البلدان ساكنة أن يجد صعوبة في توفير احتياجاته من مادة أساسية كالغاز، أحرى أن يدفعه الاحتياج إلى إعارة أو شراء صهاريج من دولة مجاورة أكثر ساكنة وأقل موارد؟!
وكيف لنا أن نفهم، أو نقبل أن عدم تمكن سفينة من الرسو على مناء دولة لمدة يومين كفيل بأن يهدد هذه الأمة بالزوال ويعرى ضعفها لهذا الحد؟؟
وهل من الطبيعي أن يتم استغفال كل هذا الشعب لدرجة تجعله يتقبل أن مجرد خرجة بسيطة لموظف مرتبك ومتناقض تكفي لجعله يصدق أن تشكيل خلية للبحث في أزمة هي في الأصل ليست محل اعتراف منه، يفي بالغرض ويبدد المخاوف وينضج الطعام ؟!
ثم أليس من السخرية والغباء والرعونة أن توهمنا الحكومة أنها جلبت بخيلها ورجلها على تجار الغاز لتفرضهم ببسالة وبطولة منقطعة النظير على الإذعان لقراراتها بتوفير تلك المادة وتخفيض أسعارها وأسعار أخواتها، وهي التي تستجديهم في الخفاء مد يد العون للتخفيف من ضغط الشارع، شارع،لا يهابه تجار ولا تخافه حكومة؟؟
وما معنى أن تتسابق القوى الحية والفاعلة في هذا المجتمع لحملة انتساب مضللة لحزب لا هو مقروء فيفهم، ولا محفوظ فيترك، وتولي جنبها لقضايا مصيرية وجوهرية وأكثر تأثيرا، وأخطر تداعيا في المنظورين القريب والبعيد كمسألة الغاز والجفاف، وما مسألة استبدال العملة ببعيد ؟!
ولنتقدم إلى ما وراء ذلك من تبجح بالمقاربات الأمنية والانتصارات القارية وتلك المتاخمة للحدود لنتساءل ببراءة وعفوية كبيرة ما ذا سيكون ردنا لو أن الباخرة أعترضها قراصنة في عرض البحر وأجبروها لا على العودة، بل على تفريغ حمولتها في قاع المحيط، كم سيكون حجم الخسارة والضرر المترتب على كل ذلك ؟؟ وهل سيكون بمقدورنا ساعتها أن ننتظر استقدام باخرة أخرى ونحن لا نملك احتياط يومين أحرى شهرا ؟؟
ولنا أيضا أن نتساءل ما ذا لو كنا في حالة حرب لا قدر الله، هل يمكن وقتها أن نستلف حاجياتنا من الغاز أو من الفحم ومن أين ؟!
وطبعا لن نطوي الصفحة قبل أن نسأل كيف ببلد يخونه أبناؤه من تجار في ساعة الرخاء وهم المؤتمنون عليه عند الشدائد أن يكون بأمان، وهل يجب أن نتريث حتى تحل الكارثة كي نكتفي بلطم الخدود وعض الأنامل!!
ليس من الطبيعي ولا من المستساغ أن تعيش أمة بهذا المستوى من الإهمال والتقصير وهي في زمن لم تعد الأرض تسع أحلام أهله، ولا تحقق بكل ما فيها، غاياتهم ولا تلبي طموحاتهم!!
مخجل حد البكاء عجزنا وفشلنا حتى في تحقيق أدنى متطلبات الأمان..