ليسامحني القارئ, فموضوع البحث أبعث علي القشعريرة منه علي الإسعاد ذلك أن تصرف البعض جعل أمة تواجه وطأة الفقر رغم المقدرات ما جعل الكتابة عن الآفة صادمة ومكدرة.
فان آنت لم تصادف جمالا أدبيا هنا فلأن الطيش في المال العام كبت العواطف وأسهم في أن يكون المكتوب هكذا لكن المعول عليه أن تنجح الحملة في النهاية وليبعث ذلك الأمل في كتابا بات متفائلة .
قد نحتاج إلي ملء عديد الصفحات لتحديد المقصود بالفساد الذي عند سماع أي له يظن أنه يفقهه إذ هو عند العامة صرف زائد بلا ضرورة.
ورغم أن تلك النظرة غير خاطئة إلا أن الذي لا يعلمه الناس بمن فيهم بعض حملة الهم العام هو أن الفساد بمعناه الواسع يمثل أكبر خطر يتحدي الأمم وذلك لأنه يصيب اقتصاداتها في المقاتل ويدفع باتجاه البوار .
وقل لمن يدعي أن الفساد ينتج عن العاطفة و الأخطاء أن الصحيح أنه جريمة مبنية علي التفكير والتخطيط والحساب .
وقد حاول دعاة الخراب إلحاق الفساد بالظواهر الاجتماعية وبالفلسفة ليلا يكون له تأثير في الحال ولتكون نظرة المجتمع إليه دون النقد أو بكيسه.
وأوجه الفساد متعددة ففيه الفساد الإداري الذي يكون طابعه العام قبول أو ابتزاز الرشوة تسهيلا للعقود أو المناقصات.
وكذلك من الفساد أن يستغل المسؤول الحكومي وظيفته العمومية فيقوم بترقية الأقارب من دون مراعاة للجدارة وهو المحسوبية.
وأما الفساد السياسي فهو مخالفة قواعد وأحكام النسق السياسي في الجمهورية والإفلات من المساءلة وهدم القيم والتهرب الضريبي وانتشار العمى .
ومن بعد تغيب المنظومة الأخلاقية فيتم اغتنام فرص الثغرات بدلا من السعي إلي سد الفراغات فلا تحترم أوقات العمل ولا الانصراف منه ويظهر التراخي والتكاسل والصد عن الواجب الخ...
ومنه الفساد الأخلاقي لدي الموظف في سلوكه وتصرفاته فيقوم بالمخل بالحياء في مكان عمله ويعطي جل وقته لأعماله الشخصية علي حساب المصلحة العامة من دون أي اعتبار للعقد الأخلاقي.
وكثيرا ما يسبب الفساد تردي توزيع الدخل والثروة وذلك من خلال استئثار المفسدين بالقدر الأكبر من منافع اقتصاد الدولة فيراكمون الأصول بصفة دائمة ولتتوسع الفجوة بينهم وباقي المجتمع .
وقبل بداية مكافحة الفساد كان الناس ينظرون إلي أكل المال العام علي أنه نوع من الشطارة وقوة الشخصية ولم يكن ذلك العمل المشين يدخل –بضم الياء-السجن لو بلغ المبلغ المفقود المليارات .
وقد فشل السفهاء في جعل الفساد ظاهرة اجتماعية أو فلسفية تنتج من تراكمات الدهر حيث الظاهرة الاجتماعية لا تعرف الزمن وتعصي علي التغلب .
ثم انه بسبب قلة الوعي المدعوم برأي نخبة مستقيلة من دورها الطلائعي سيطر علي الوعي العام الوطني فهم خاطئ مفاده أن الآمر بالصرف يفعل ما يريد في مال الله الذي آتي الناس .
وان أنت أردت الوقوف علي الظاهرة فيكفي أن تراجع معرفتك الشخصية بالأهل في البلد لتقف علي مفارقة عجيبة :موظفون بنفس الراتب ,بعضهم ابن سبيل والبعض مفاتيحه وسنداته تنوء بالعصبة أولي القوة .
نحن في غني عن التنبيه علي أن مساوئ هذا الوضع بادية فهي بالإضافة إلي عفنها تؤثر سلبا وعن عمق في الوضع الاقتصادي ولا تترك أملا في تنمية مستديمة .
ويسهل مكافحة المفسدين أن المجتمع لم يعد مستعدا للدفاع عنهم بعدما تبين أنهم يسببون الخسران ,أضف إليه أنهم يبخلون بما جمعوا من الميزانيات بأوجه شتي علي المقربين منهم حتي فأصبحوا لا تجمع بينهم مودة أو عطف ما يفقدهم التعاطف.
إنه ما إن يعم الفساد موطنا يتم تثبيط عزيمة الطبقة الكادحة الجادة فتصبح في أدائها لعملها متثاقلة فاقدة الأمل والتفاؤل.
جدير بالذكر أن رشوة الموظف لغرض الحصول على تسهيل معين، لن يتحملها رجل الأعمال، وإنما طرف ثالث قد يكون المستهلك أو الاقتصاد القومي أو كليهما معاً.
ويضر الفساد توزيع الدخل ويهشّم النسيج الاجتماعي بخلقه فقراء جدا وأثرياء بالانتفاع من موارد الدولة الأمر الذي لا محالة يزعزع ويفكك المجتمع.
وكذلك يعمل المفسدون علي تعطيل تطبيق القوانين فيلاحظ المواطنون أنها مهزوزة فيصبح عدم احترامها هو الصواب.
ولأنه لا يمكن حصر سلبيات هذا المسلك القذر هادم التنمية فقد بات لزاما علي الجميع قمة وقاعدة تضافر الجهود لمواجهته وأن لا تأخذ في أهله أية رأفة .
أدام الله عافيته علي الجميع ...