تعاني مقاطعة امبود - التي تعتبر من أهم مقاطعات ولاية كوركول من حيث الكثافة السكانية- على غرار نظيرات لها في الوطن- من فقر مدقع في جميع بلدياتها التسع، تتعاقب الأنظمة على المقاطعة نظاما يتلو نظاما، كان النظام السابق قد شخص الوضع التنموي لها وصنفها ضمن الأكثر هشاشة وفقرا، ليأتي النظام الحالي ويطلق أملا بالتنمية للمقاطعة فأطلق مجموعة من المشاريع التنموية كمشروع "سكر فم لكليته" ومشروع
"باسك2"، الذين لا زالا يعملان دون جدوى، فالأول اكتسح مساحات زراعية كانت مزارع للأرز ولم تظهر أي بادرة إنتاج حتى اليوم والثاني أشرفت مدته على نهايتها دون ظهور آثار تنموية مهمة على مستوى مقاطعتنا،ولا ندري في أي أفق يكون المدى الذي ستنعم فيه المقاطعة بالتنمية الحقيقية ، لكن الأمر الذي يحير هو تصنيف المقاطعة ضمن فقيرات الوطن رغم ما تتمتع به من أراض خصبة صالحة للزراعة المروية والمطرية ومياه سطحية وجوفية غير عميقة وأودية كبيرة وسهول صالحة للزراعة في جميع بلدياتها، فهل عجزت الأنظمة المتعاقبة عن حل مشاكل الفقر في المقاطعة والنهوض بها تنمويا؟ أم أن السكان أنفسهم لم يستجيبوا لبرامج التنمية المقدمة من طرف السلطات المعنية بالتنمية المحلية للمقاطعات؟ أم أن الخطط التنموية المقدمة غير مدروسة؟!!!
لقد كان الأمل يحدو المواطن في هذه المقاطعة عندما تم تدشين أكبر سد بها،معتقدا أنه يمكن أن يمحو آثار الفقر عن المقاطعة، والذي كان بحق يمكن أن يلعب ذلك الدور نظرا لسعة المساحة المستصلحة ووفرة المياه، ولكن لماذا فشل في ذلك؟ هل كانت البرامج المتبعة في تسييره عائقا؟ أم أن الفساد في التسيير كان سببا؟ أم أن السياسات المتبعة فيه غير سليمة؟!!! لقد بدأت الزراعة في مشروع سد فم لكليتة وازدهرت في بداية عهده نظرا للدعم الذي كان يقدم للمواطن، لكن هذا الدعم سرعان ما خف ثم جف ليجد المواطن نفسه في صعوبة بالغة، لقد فرضت السلطات آنذاك زراعة عينة واحدة "الأرز" ولم تكن هذه العينة المزروعة آنذاك مادة مهمة في السوق بالدرجة اليوم، إذ لم تكن هي المادة الأولى في الوجبات اليومية بالنسبة للسكان المحليين، فكان المنْتَج لا يجد سوقا تستقبله كما أن مشاكل التحويل(تقشير الأرز) تجعل المواطن يدفع الثمن إذ أن الخام منه لا قيمة له، و آلات التصفية(التقشير) غير متوفرة، هذا فضلا عن الضرائب والديون التي أثقلت كاهل المزارعين، حيث لم تكن القروض الموفرة للمواطن الذي لا يملك رأس مال بحجم مشاكل العمل وانتظار الإنتاج، فبددت جهود المزارعين ثلاثية الضرائب والديون والقروض فكان الإنتاج لا يفي بما عليه من مستحقات إلا بقدر.
ظل المزارعون يكابدون رغم صعوبة الحال وظروف العمل لكن الجهات الوصية لم تؤدي دورها فيما يتعلق بأعمال الصيانة التي لا غنى عنها لمثل هذا النوع من السدود والمشاريع ، فحدث أن انحسرت المياه عن بعض المزارع وطمر الطين قنوات الري الصغيرة والجداول وأخذت الأشجار في السيطرة على المزارع نظرا لهجرة الكثيرين ممن لم يستطيعوا الصمود في وجه هذه الظروف القاسية،فتحول المشروع إلى أراض مهجورة طمرها الطين واحتلتها الأشجار إلا قليلا. كان المواطن يأمل في إعادة استصلاح المشروع من جديد ليتجدد عطاؤه مع رفع الحَجْر عنه في الزراعة، وبعد أن أصبح الأرز المادة الأولى في الموائد اليومية. وأصبحت تكاليف التحويل أسهل من ذي قبل، ودخلت زراعة الخضروات على الخط.
لقد كان إنشاء سد فم لكليته والمشروع الذي صاحبه من أهم المشاريع التنموية التي تم توجيهها إلى المقاطعة وكان الأمل كبيرا في أن يتم استغلاله على الوجه الذي يجعله ينتج حجمه من المواد الزراعية المختلفة إلا أن الحَجْر(زراعة عينة واحد "الأرز") الذي مورس عليه جعل عطاءه يتدنى لأدنى مستوياته نظرا لما سلف ذكره من عوامل اعترضت سبيل المزارعين الضعفاء الذين هم جل القائمين على زراعته، ولكن الآن ومع دخول عينات أخرى من المواد الزراعية (الخضروات) وظهور عطائها وصلاحية التربة لزراعة بعضها جعل المزارعين يعودون إلى المشروع ثانية لزراعة الخضروات التي تبدو أقل تكلفة زراعية من الأرز والتي دخلت على خط الوجبات اليومية للسكان،ليجدوا الطين قد طمر الجداول المائية وقنوات الري الصغيرة واحتلت الأشجار مساحات واسعة من ألأراضي كما أن المياه قد انحسرت عن جل المساحات الزراعية، فالمستغل اليوم من أراض المشروع لا يصل إلى الثلث حسب بعض المزارعين ممن عايشوا كل فتراته.
لكن السلطات كان لها رأي آخر فقررت بدل إستصلاح المشروع الزراعي القديم إقامة مشروع آخر هو مشروع "سكر فم لكليته" فهل هو بديل عن المشروع الزراعي القديم؟ أم أنه مشروع إضافي مع الاحتفاظ بالمشروع الزراعي القديم؟ هل ستستصلح السلطات المشروع الزراعي من جديد؟ ومتى؟ وهل سيكون مشروع السكر أكثر جدوائية اقتصادية على السكان المحليين أم أن نفعه متعد إلى غيرهم؟.
أعتقد أنه كان من الأجدى استصلاح المشروع من جديد فقد يكفي من أجل استصلاحه نصف الأموال التي استخدمت من أجل إنشاء المشروع الجديد(مشروع سكر فم لكليه) الذي لم ترى بوادر إنتاجه حتى في المدى المنظور.لما يظهر من عجز فيه من حين لآخر.