التاريخ بين الإهمال و السمسرة / الولي سيدي هيبه

" لأن التاريخ لا يكتب بالعواطف و الأحقاد فهل يجتمع يوما في هذه البلاد  ـ التي تأبى فيها بعض الأطراف إلا تظل متعلقة بأذيال  "السيبة"و تصر على أن تخلق تاريخا موازيا يستجيب لنزواتها ـ  المعنيوُن، من الغيورين بلا اصطناع و الاختصاصيين بلا مآرب ملتوية عن حسن المقاصد، على القواعد الصحيحة و يشرعون في كتابة التاريخ بإنصاف يعيدُ لفصوله "المظلمة" و "المشرقة على حد سواء "مصداقية التناول، و مدنه القديمة

 اعتبار الصمود حتى تُستخلص العبر و الدروس المُعِينةَ على خلق "حلقة التوازن المفقودة" التي يستدعيها الحاضرُ الخائر بشدة لضرورات الانطلاق بلا عُقد استعلاء فاضح أو نقص قادح، و بلا سمسرة رخيصة، إلى غاية المستقبل الذي هو حاضر يُصنع؟"

و إن لكتابة التاريخ لمقوِّمات وشروطا في طليعتها الأمانةَ، وتحرِّي الصِّدق و الإنصاف، والبحث عن الحقائق بشجاعة و تجرد. و الغريب أن البعض من الذين يتصدون لكتابة التاريخ لا يتحلون بهذا الإنصاف ولا منهجية التدقيق، فيظهرون عندها الغرض واضحا فيما يزعمون طمعًا في مال أو إرضاءً لنزوة، فيركنون منه إلى الجانب المظلِم متشبثين بالخيوط الواهية، والروايات الملفقة للتشنيع و إرواء الأحقاد، مدعين أن ذلك تاريخا في الوقت الذي يكون فيه محض السفه والسخافة.

وبديهي أن التاريخ ليس بالأمر السهل، و أنه على الذي يتصدى له أن يتصف بالصفات التي تؤهِّله للقيام بهذا الدور الخطير، و إلا فإنه سيجني على نفسه وعلى التاريخ. ونحن في حاجة إلى مَن يكتب التاريخ بأمانة وإنصاف، وترفُّع عن السفاسف والتوافه والأغراض الدنيئة.

هذه الأيام تكشف البوابات الالكترونية النقاب عن فصل جديد من الغوص المحموم في حقبة تاريخ الاستعمار الحافلة بتناقض المشاعر تجاه فصوله و بالمساعي المتلاحقة لإثارة بعض أوجهه دون أخرى في انتقائية  تتصف بتضارب القراءات و ضعف مقومات الكتابة الموضوعية عنها ـ إلا من رحم ربك فأحاطته عناية النزاهة الفكرية ـ خيرُ دليل على تَخبط معظم هؤلاء الكتبة و تناقض مآربهم التي تبدوا مع ذلك غير عميقة المقصد و لا متعلقة بجوهر تاريخ الأمة في وحدته و تميزه، من فرط حضور الدوافع القبلية و العشائرية و الأسرية بكل ثقلها الملحمي الأسطوري؛ بل إنها المآرب القريبة الإدراك في عموم هذا التناول علما بـ :

·        محض جَليِّ ماديتها و صارخِ النفعية فيها،

·        و مصطنع المعنوي من خلال خلق شعور شبه مبتذل من "الوطنية" جديد يستجدي تاريخا لم يعرف يوما الدولة الجامعة تحت سلطة مركزية من أي نوع تكون في حضن حدود مرسومة المعالم و معروفة الحدود حتى جاء الاستعمار و استعار من "البداة" و "الغجر" تسمية "اتراب البيظان" ليسلخ منه من بعد دولة أطلق عليها اسما لاتينيا محضا "موريتانيا" لم تجر المطالبة يوما أو التعبير عن إرادة تغييره و كأنه الاعتراف لصاحبه بالفضل في ذلك من بعد تحديد الحدود و وضع إشارات الدولة الأولى من راية و نشيد و جيش، و من دفع إلى تأسيس الأحزاب عوضا عن الفوضى و منطق قوتي الحرف و السلاح على خلفية مجتمعية إقطاعية طبقية.

و لا يخلو هذا الغوص "الافتراضي" بلا بوصلة أو إحداثيات أو قوة "مرجعيات" الإجماع المزكاة من روح المغامرة التي هي طبع مكتسب لدى أهل البلد أصلا مستمدة من رحابة الفضاء و ندرة الماء و الكلأ إلا ما يكون في موسم محدود المدة يأتي في السنة على غير انتظام ثابت؛ المغامرة التي تقتضي اقتحام مجهول الأمور المعلومة "منعدمة الأهوال" و لكن "مرصودة المنافع" حيث عُلمت.

و لأنه "لا نار بدون دخان" كما يقال، فإن هذه اليقظة المفاجئة و الهبة "الغيورة" من لدن هؤلاء الفرسان من بعد أن استيقظوا من سبات عميق و أسرجوا "خيولا" أضحت منذ زمن بعيد "بغالا"، لهو أمر بالغ يدعو إلى الحيرة و الريبة الشديدة. و إنه ليثير أيضا أسئلة كثيرة و يطرح إشكالات عميقة:

·        ربَّت عليها زمنُ الدولة المركزية،

·        و ألجمت الخوض فيها التداعياتُ النفسية و الاجتماعية الجديدة التي أملتها:

§        التحولات المتسارعة،

§        خلخلة البنية الاجتماعية التي كانت هي الأخرى قائمة على تناقضات كبيرة،

§        دوافع السياسة التي لم تنضج يوما رغم مرور أزيد من سبعين عاما، و قد خلقت واقعا من التذبذب جديدا لا يسمن و لا يغني من جوع التخلف و غياب مفهوم الدولة، و من ضياع البوصلة في بحرها اللجي.

و لما أن بعض هذه الكتابات يمجد قبائل بعينها و يعقد لرموزها ممن دون سواهم لواء الصدارة، فإن البعض الآخر يخلق أبطالا وهميين باسم المقاومة دون الجهاد، و يشوه وقائع عمدا لطمس معالم الطريق إلى قراءة مجردة موضوعية و نزيهة. و هي الكتابات بهذا الشكل و قد جاءت متأخرة و مرتجلة التي:

·        تزيد، إن عاجلا أم آجلا، بلة طينة خُلو مادة التاريخ المنصف من المنهجية الفكرية المنوط بها،

·        وتضعف الأسس العلمية التي ما كان لها إلا أن تطرد بقوة الأحقيةِ شياطينَ "المس" برصيد البلد، "صالحه" في حقب و "طالحه" في أخرى، علما بأن ذلك من سنن تعاقب الحقب على مر الزمن و استمرار الخليقة.

فهل يجتمع المعنيون من الغيورين بلا اصطناع و الاختصاصيين بلا مآرب على القواعد الصحيحة و يشرعون في كتابة التاريخ بإنصاف يعيد لفصوله المظلمة و المشرقة مصداقية التناول و مدنه القديمة اعتبار الصمود حتى تُستخلص الدروس المُعِينةَ على خلق حلقة التوازن المفقودة التي يستدعيها بشدة الحاضرُ لضرورات الانطلاق بلا عُقد استعلاء فاضح أو نقص قادح، و بلا سمسرة رخيصة، إلى غاية المستقبل الذي هو حاضر يُصنع؟

26. مارس 2018 - 7:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا