هل نحن فعلا في أزمة سياسية أم في أزمة دستورية .. أم في أزمة بصفة عامة إذا نظرنا إلى الزيارات الخاطفة التي يقوم بها أعضاء الحكومة داخل البلاد لتوضيح وشرح أهداف الحزب (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية)والمشاركة في حملة الانتساب ولقائهم بالناخبين هم وشاحناتهم المحملة بأطنان القمح من أجل توزيعه أو بيعه على الأصح للمستهدفين ، هذه الشاحنات التي زادت مأساة المواطن من جديد وهي تسير على طريق (الأمل)
ففي نفس اليوم الذي قام فيه السيد الوالي والي اترارزة زيارته الميدانية إلى مدينة أبي تلميت دست إحدى هذه الشاحنات سيارة من نوع مرسدس 190 بالقرب من المدينة ومات جميع من فيها من الأشخاص والسبب ..! معروف هو وجود الحفر على هذه الطريق المتهالكة، وبعد الدفن بيوم آخر اصطدمت شاحنة أخرى بسيارة نقل وكان ضحيتها خمسة أشخاص كذلك لكن لا أحد ينتبه وينبه على ذلك أو حتى يأسف عليه فالجميع غارق حتى أذنيه في بحور السياسة وطبول استقبال الوالي والعزف على أوتار أنغام غيثارة الحزب الحاكم وحملة التسجيل للباقي من الأحياء.. أما التصويت سواء عنده الأحياء أو الأموات ..!
ونظرا إلى أن هذه الأزمة متعددة الجوانب والخطابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلا أنه كان من المفروض أن يكون هناك تنبيه على هذه الطريق الفتاكة أو عمل حكومي لتدشينه أو وضع حجر أساسي على الأقل ليكون عقبة في وجه أحلام وآمال هذا الشعب ويجعله في دائرة مفرغة لا يعمل على كرامة العيش الكريم بالشكل المطلوب إلا بمبادراته وبيع ضمائره والذي يذهب ضحيتها أبرياء من هذا الشعب عن طريق نخبته ووجهائه الذين يرفعون شعار البلد نفاقا وعمائمهم طمعا في هذه الزيارة المصاحبة لكوكبة من الوزراء وأصحاب المبادرات ورجال الأعمال المهتمين بآليات السوق وميكانيزمات الاقتصاد وقيم الانفتاح وصور المنتصرين في كل المعارك الحكومية سواء تلك المتعلقة بالمأمورية المنتهية الصلاحية أو غيرها فلن تستطيع سياستنا المرتجلة مهما كان وضعها (ذات نفع عام أو خاص) أن تساهم وتنافس أو تنتصر ما دامت أسيرة ومقيدة بمسيرتها العاجزة والرافضة لأخذ أسباب التقدم والرقي الديمقراطي والتناوب السلمي على السلطة والحوار الشفاف من أجل مصلحة الجميع والذي يدعوا إلى عدم الهيمنة السياسة والدستورية والحزبية المتمثلة في حملة الانتساب للحزب الحاكم فهي في المقابل تواجه مقاومة شرسة ورفضا جامعا لكل المواطنين الشرفاء أصحاب الضمائر المخلصة للوطن والمواطن والموجودة في أغلب شبابنا اليوم المتحررة من القيود الاجتماعية والقبلية والجهوية والطائفية ...إلخ هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل والراغبين في وعي الشعب وتوجيهه الذي عاش هو الآخر وعانى من التهميش وغلاء الأسعار وفقدان العدالة وبالتالي لن يستسلم لنزوات رئيس الحزب الحاكم ومعاونيه ورغبتهم الجارفة في الديمومة الرئاسية أو حتى الملكية الأبدية ويبقى السؤال المطروح هل نحن في أزمة دستورية خانقة أو على الأصح في مأزق وطني خطير فالرئيس يعجل المخاوف ..! والحكومة تؤجل الآمال ..! بدلا من العمل على الخروج من هذه الأزمة واللجوء إلى الحوار الجاد والتأني من أجل مشاركة الجميع (معارضة و موالاة) وحتى لا تزداد شكوكنا المزمنة ويتقلص الحوار على الذات ومنطق التفاعل مع الآخرين إلى غاية الانطواء السياسي والتقوقع مع أغلبية مغمورة حرصا على مصالحها الشخصية والاستفادة من نخبة الحكم الاستبدادي – العسكري و يعلنون صراحة بأنه هو مصلحة الشعب بل يؤكدون للجمهور بأنه هو القاصر وأن الحاكم هو ولي أمرهم وعليهم الطاعة والخضوع والهتاف والتصويت لصالح (الرئيس).
ولعل ما تشهده منظومتنا بصفة عامة من تدهور لدليل على التخلف والانحطاط الذي وصله حتى لقب بالفساد والفشل وما يزيده انتعاشا هو غياب رؤية واضحة في محاربته واجتنابه واقتلاعه من الجذور وتبقى الإرادة القوية مفقودة .. وأنت أيها المواطن قدرك أن تسجل وتصوت (لا أن تأكل وتشرب) وتشيد بالمنجزات .. وما شاهدته من معجزات .. وتتغنى بالمأموريات والحكومة وبالرئيس والحزب الحاكم وكافة الأطر في هذا الوطن الذي لا يعطيك إلا القهر والفقر .. وكل خدمة يقدمها لك مسبقا مدفوعة الأجر .. ولو كانت هويتك الوطنية .. أو إعلان ميلادك داخل المستشفى أو تحت ضوء القمر .. الأدوية تباع للمرضى والمحتاجين وفاقدي البصر.. لا يهم فالشعب يعاني والخزينة امتلأت من أجل شراء أصوات البشر .. لكي ينجح (صاحب الفخامة) وينتهي الأمر .. ويعلن المجلس الدستوري نجاح القائد (بالحساب الجديد) ويتبجح ولي الأمر .. ويصفق الجمهور ويقول الإمام الله أكبر .. وتلعب الحكومة بالألعاب النارية لبداية مأمورية أخرى .. ويبقى الشعب يعاني والدولة تنهار تحت خط القهر والفقر
وفي الأخير لم يبق لي إلا الدعاء اللهم اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات