هل بالإمكان استنساخ الدرس التونسي؟ / أحمد ولد محمدو

altملايين العرب وأهل العالم الثالث المسكون بشياطين الدكتاتوريات، ينظرون إلى ما حدث في تونس صبيحة 14 يناير الماضي، بأمل وحسرة متسائلين، متى تنتقل إلينا العدوى؟ ولماذا في تونس وليس في بلداننا، رغم أننا نعاني نفس المشاكل وفي بعض الأحيان أسوأ؟

أسئلة ربما تحتاج إلى سنوات عديدة للإجابة عليها، بعد دراسة مستفيضة لمختلف جوانب ما حدث و كيف حدث، رغم أن ما قام به ( طارق) محمد البوعزيزي، لم يكن أول حادث من نوعه على مستوى المنطقة، حيث شهدت العديد من بلدانها حالات مشابهة وإن بصيغ مختلفة، كلها احتجاجا على الظلم والتهميش والإقصاء..الذي تحول إلى عادة متأصلة في هذه الأنظمة يمارسه زبانيتها بشكل يومي كما يشرب أحدهم كأسا مترعة وهو ظمآن، أو يسحب خيط دخان من سيجارته..

شيء آخر اقترن بهذه الظاهرة التونسية، يشكل في أحد جوانبه، ما يعتقد أنه تقليد للماركة المسجلة باسم أهل الخضراء، أولاهما حفلات الشواء التي بدأت تشهدها العديد من المدن العربية، وثانيهما أماني بعض المعارضات التي تعمل جاهدة على الاستفادة بشكل فج مما حدث، متناسية أن الثورات تشبه المياه الجارية التي قال الفلاسفة إنه لا يمكن لنا أن نستحم منها مرتين!

الظواهر السالفة تحمل بشكل أو بآخر استفهاما صامتا، حول إمكانية استنساخ ما قام به أهلنا في تونس وحتى لا أقول خرجات إعلامية لا معنى لها تستهزئ بعقل المتلقي.

إن المتمعن لما حدث، يمكن أن يكتشف أن هذه الظاهرة يصعب تكرارها بالصيغة التي حدثت بها، لأن الوضع المتميز لهذا البلد يختلف عن غيره من البلدان التي تحسب نفسها مشابهة له ـ من باب التمنى على أغلب الظن ـ فما حدث في تونس اليوم أعد له منذ منتصف خمسينيات القرن المنصرم، عندما راهنت تونس على التعليم الذي شكل حجر الزاوية في نهضتها الحديثة.

لقد كان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة ـ رغم الجدل الذي تثيره بعض سياساته ـ بعيد النظر بخصوص رهانه على تعليم أهل تونس، والذي شكل فيما بعد الثروة الحقيقة لبلده، الذي يفتقر إلى ثروات طبيعية متخمة بها بعض البلدان الأخرى، وجرت عليها من الويلات أكثر مما أفادت أبناءها.

عندما بدأ "لحبيب" في رسم سياسة تعليمية اعتبر أنها هي السبيل الوحيد للتنمية في وطنه، نصحه أحد أصدقائه من الزعماء الأفارقة آنذاك، محذرا إياه من تعليم مواطنيه، لأنه يشكل خطرا مستقبليا على نظامه، لم يتردد بورقيبة في القول أنه يفضل أن يكون رئيسا لشعب متعلم، من أن يكون قائدا لأمة جاهلة، واضعا بذلك أسس ثورة تونس الحديثة والتي تنعدم فيها الأمية تقريبا، وعاطليها من حملة الشهادات الجامعية، الذين تمكنوا من انجاز ما يعجز عنه لحد الآن، أي من أبناء القارة الإفريقية التي عمل بعض قادتها جاهدا على تجهيل مواطنيه رغم أن ذلك لم يمنعه من أن يخرج من الحكم وهو صاغرا .

إضافة إلى ما سبق هنالك خصوصيات أخرى رغم ظاهرها السلبي، إلا أنها كانت عوامل حاسمة، ساعدت شباب تونس على أن يسبق غيره، مثل شغب كرة القدم الذي عرفه الشباب، والذي شكل مدرسة تدريب سهلت على الشباب في وقت لاحق التعامل مع الشرطة في الشوارع، كما كان للانترنت التي شكلت المتنفس الوحيد للشباب العاطل عن العمل رافدا أكسبهم خبرات جيدة في هذا "العفريت" العصي على التكبيل، والذي حرم النظام من أفضلية التكتم على ما يحدث، وتصويره على أنه حوادث فردية، كما كان لسياسة الحجب المنتهجة، عامل تحد جديد زاد شغف الشباب ليلعب مع النظام لعبة القط والفأر، مما صقل تجربته في الميدان وصارت صفحة 404 احد محركات البحث الأكثر زوارا في البلد.

كما كان من محاسن الصدف للشعب التونسي، ذلك العداء المستحكم، بين قناة "الجزيرة" والنظام التونسي، مما جعل ما يحدث في البلد الخبر الرئيسي في أغلب النشرات، والخبر اليومي الطازج على تمام الساعة التاسعة مساء بتوقيت غرينتش.

ان العوامل السابقة، تعتبر قمة جبل الجليد الذي يمثل بعضا ما يمكن أن نقول بأنه جزء مما وقع في تونس، وعلى الراغبين في استنساخ ما حدث، أن يضعوا بلدانهم في مثل هذه الظروف، ولهم بعد ذلك أن ينتظروا النتيجة، وعليهم أن لا يستغربوا إذا ما كشفت التفاعلات عن ظاهرة جديدة، تماما كما يحدث أحيانا لبعض الباحثين في ميدان العلوم المجردة.

ويفترض أن ينتبهوا جيدا أن الكائن البشرى لديه خصوصيات، لم يتمكن العلم الحديث من تحديد ماهيتها، من قبيل أن يعمد شاب ويحرق نفسه احتجاجا على الظلم الممارس عليه، وثورة لكرامته التي ديست من طرف الشرطية " فادية حمدي" التي صفعته دون وجه حق، ويكون ذلك سببا مباشرا لثورة تغير وجه الحياة في بلد بكامله .

في حين أنه عمد قبل سنوات شاب هندي ينحدر من فئة البراهمة ( طبقة رجال الدين الهندوس) إلى حرق نفسه احتجاجا على الدعوات المطالبة بالرفع من مستوى طبقة المنبوذين ( الفئة الدنيا في السلم الطبقي للديانة الهندوسية، والتي خلقها الرب حسب معتقدهم، لخدمة الطوائف الأعلى منها)، بالمناسبة هذه الفئة من مهامها الرئيسة تنظيف المراحيض أكرمكم الله. 

18. يناير 2011 - 14:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا