هل توجد فواصل بين المعارضة والموالاة ؟ / سيدى المختار علي

قديما تبرم الشاعر العبسي عنترة بن شداد من ضيف الأفق الشعري وانسداد منافذ القول أمام لغة العاطفة والوجدان الساعية للتغريد في مناطق بكر، وساحات عذراء فقال متحسرا:
هل غادر الشعراء من متردم       أم هل عرفت الدار بعد توهم ؟

ونحن بدورنا ننقل هذا الاستفهام من عوالم الإمكان " الشعر" إلى دنيا الواقع " السياسة " 

فهل تركت المعارضة والمولاة من نصيب لغيرهما في إطار الممارسة السياسية في سالف الأيام وفي شاخصها.إذا عدنا القهقرى إلى تراثنا الإسلامي وجدناه متدثرا بالسياسة غارق فيها إلى أخمص قدميه وخير دليل على ما نقول الدراسات اللاهوتية الكلامية التي وصل فيها تداخل المصالح مع المبادئ إلى جوهر العقيدة ومن ثمة نقاش مفهوم الإيمان نفسه . وفي هذا السياق نميز بين ثلاثة مدارس تشكل الخريطة السياسية آنذاك تقريبا :
1-المرجيئة وهي فرق كلامية ذهبت إلى أن الإيمان مجرد اعتقاد قلبي لا علاقة له بالعمل ، وبناء عليه فمهما اقترف المرء ( الخليفة ) من المعاصي كشرب الخمر وقتل الأبرياء" المعارضين وغيرهم" فإن ذلك لا يخرجه من الملة ولا يجيز الخروج عليه " الثورة " ما لم نر كفرا بواحا لنا عليه من الله دليل ثم إن ارتكاب الكبائر لا يحدد مصير صاحبه الأخروي تمشيا  مع القول الذائع الصيت " لا تضر مع الإيمان معصية ، ولا تنفع  مع  الكفر طاعة " . إنها الموالاة الخالصة التي تتشبث بالارتهان للواقع وتأبيده وتضحي بالعدل لصالح السلم .
2- الخوارج : العمل جزء من الإيمان ومن ارتكب كبيرة فقد خرج من الملة ، والخارج من الملة يجب قتاله وجهاده إنها المعارضة الخالصة معارضة المنازلة والمجالدة  لعلي كرم الله وجهه ، ولخلفاء بني أمية معا .
3 –المعتزلة : وهم سدنة الكلام وأربابه حاولوا التموضع في منطقة رمادية وسطى وذلك باجتراح مفهوم جديد . فمرتكب الكبيرة ليس مؤمنا صرفا ولا كافرا خالصا ، بل إنه يتقلب بين الإيمان والكفر فهو في منزلة بين المنزلتين .تلكم السياسية تصوغ وتبلور العقيدة وتفرض وصايتها عليها ، إنها المصالح تحدد رسوم وتخوم المبادئ على مقاساتها وتقرر مقامات الجنة والنار . المعتزلة ليست المعارضة الناصحة و لكنها لما تعد بعد ناطحة  { نستسمح الرئيس الدكتور جميل منصور على الاشتغال بمفاهيمه } .  وإذا عدنا إلى  واقعنا السياسي ما يزنا فيها بين :
1 –المولاة :وهي السلطة التي تتشبث بالحكم وما يدور في فلكها من أحزاب وأسماء أحزاب تتداخل وتتناص مع حزب السلطة لدرجة فقدان الهوية أحيانا و من بين أهدافها الأساسية تقاسم الكعكة والإنفراد بها دون الغرماء أو الشركاء في الوطن  . تجيد النسيب والتشبيب وتؤجج الأخيلة والقرائح في توصيف محاسن النظام وانجازاته الخالدة !
2- المعارضة : مجوعة من الأحزاب منها الطوبائ الحالم ، والواقعي البراغماتي ، ومنها اليساري الكادح ، ومنها ما يستعصي على التصنيف .تشترك في محاولة تغير النظام عبر النوايا الحسنة . لا تستغل أخطاء النظام  وسقطاته تنفق معظم جهدها في البكاء على أطلال الدستور والشيوخ والعلم والمأمورية ...بدلا من التركيز على غلاء المعيشة ، وضعف الرواتب ، وتدني الخدمات الصحية والتعليمة ...  .لا تلتحم بالجماهير ولا تنزل إلى الأحياء العشوائية على الرغم من أن هذا الأمر لا يكلف مالا ولا جهدا فزيارة المنبوذين والمهمشين  والفقراء في مواطنهم الرثة المتهالكة و الوقوف على أحوالهم عن كثب وأخذ الصور معهم قد يحقق من الريع السياسي فضلا عن الثواب عند الله مالا يقدر بثمن . ( وأثمن هنا التجربة التواصلية في هذا الإطار } .ولكن ألا توجد مقاربة ثالثة أو تركيبة بين النقيضين ولو بالمنطق الجدلي الماركسي الهيجلي ؟3 - المعارضة الوسطية " المحاورة " : مجموعة من الأحزاب منها التليد ،و الطريف ، وفيها الوليد تفاتح النظام وتناقشه ، بل وتحاوره وتخرج منتشية بما أسمته مخرجات الحوار والتي مازال معظمها عالقا .هذه المعارضة الوسطية لا تريد أن تميل كل الميل إلى النظام فهي تتعالى على مدح النظام ودندنة الموالاة ، وهي غير معجبة بحطيئة المعارضة الهجاء ولا بأساليب المقاطعة والمدابرة تلكم صورة هذه المعارضة نظريا .أما واقعيا فهي لا تتظاهر ولا تحتج ولو عبر البيانات إنها صامتة صمت القبور إنها تتأسى بفهمها لحديث الرسول الأعظم { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت }  والأغرب أن بعضها  يستقبل رأس النظام في جولاته ربما وأقول ربما يكون ذلك بغرض رفع تهمة مخاصمة الوطن أو حيازة ، بل واحتكارا  لدلالة المعارضة المسؤولة ! . ولكن ألا توجد فواصل بين المعارضة والموالاة مازالت قابلة للاستثمار بشكل أكثر جدية  وفعالية؟    

28. مارس 2018 - 23:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا