ليس قليلا ما أنجز في موريتانيا خلال العشرية الأخيرة ، أصبحت للبلد حالة مدنية مؤمنة وجيش محترم وجامعة جديرة بهذه التسمية ومطار دولي ومستشفيات متطورة..عن ترسيخ الديمقراطية حدث ولاحرج : تم عمل كل مايلزم لضمان شفافية الإنتخابات
حتى بات من شبه المستحيل تزويرها ، وبلغت حرية التعبير مبلغا غير مسموح به حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية ،في النفوذ والمكانة الدولية استضافت موريتانيا لأول مرة في تاريخها القمة العربية ..قمة انواكشوط التي ستذكرها كتب التاريخ بهذا الإسم كان اللافت فيها تنظيمها المحكم الذي حال دون ظهور التجاذب السياسي وتبادل التهم الذي طالما حفلت به القمم العربية وأثر سلبا على فرص نجاحها ، وتستعد البلاد هذه السنة لاحتضان أول قمة إفريقية في تاريخ أرض المرابطين وامبراطورية غانا .
في السنوات العشر الأخيرة أصبح المواطن الفقير يلمس وجود الدولة في حياته اليومية بحصوله من دكان الحي على كل مايحتاجه من أرز وزيت وسمك .... بسعر زهيد للغاية ولا يجد كبير عناء في تأمينه ، أحس المواطن أيضا بحضور الدولة من خلال إنهاء المعاناة الطويلة لسكان " الكزرات "و " الكبات " والتوزيع الواسع للقطع الأرضية عليهم ، كذلك توفير الماء والكهرباء والطرق المعبدة حتى في القرى والبلدات الصغيرة والنائية ، باختصار نستطيع القول إن الدولة أصبحت تتسع لكل مناطقها من بئر أم اغرين إلى سيلبابي ومن كرمسين إلى فصالة كما أصبحت تسع كافة أبنائها من شباب ونساء باتوا في السلطة وموقع القرار وحتى أئمة مساجد وشيوخ محاظر ومتقاعدين يتقاضون ا رواتب ويحصلون على التأمين الصحي .
لكن سؤال المرحلة الذي يطرح نفسه اليوم هو : هل يمكن الرجوع عن كل ذلك إلى عهد " السيبة " وقانون الغاب ؟
في الغابة تكون اليد العليا دائما للأقوى وبهذا العرف يصبح من حق من بيده السلطة مثلا أن يمنح نفسه من أصوات الإنتخابات ما يشاء ، وأن يحول ثروة الدولة إلى مغانم توزع على الأقربين والأصحاب والأتباع بحيث يصبح من الشائع أن تجد للشخص الواحد ثلاثة رواتب أوأربعة أو خمسة من مختلف أجهزة الدولة في وقت تتفشى فيه البطالة والفقر في المجتمع بما يفوق حدود المعقول
إن الإنقلاب على المكاسب التي تحققت للشعب – لاسيما شرائحه الضعيفة - خلال السنوات الأخيرة لا يقل في خطورته عن الإنقلاب على المادة 99 من دستور البلاد وما تنص عليه من تحديد للمأموريات الرئاسية ، وكما تم تحصين المادة الدستورية العتيدة بيمين الرئيس غداة انتخابه على عدم المساس بها ، يتعين كذلك اجتراح صيغة تطمئن المواطنين على أرزاقهم ومصالحهم ومصير ثروات بلدهم ويبقى القول الفصل في هذه المسألة لرئيس الجمهورية : محمد ولد عبدالعزيز الذي أعلن أنه لاينوي الترشح لمأمورية رئاسية ثالثة ( وهو إعلان يستحق كل الإحترام ) ، إلا أن لدى الرئيس مايكفي من الحكمة و الحرص على مصلحة البلد مايجعله يعمل سياسيا ووفق الدستور على تأمين المكتسبات من التهاوي الواحد تلو الآخر،وهو أعلن أنه لن ينسحب من المشهد السياسي ماجعل القاعدة الشعبية العريضة الملتفة حوله تنتظر توجيه البوصلة بشأن الإنتخابات القادمة ، وسيصبح فوز ذلك الخيار السياسي محتما في ضوء القراءة السياسية المتأنية للسياق السياسي الحالي وتوجهات المزاج الشعبي .