تحية الوطن والعروبة والإسلام
من أخي همة يقارع خطبا ** لا يحابي ولا يقود قبيله
منذ نعومة قناعاتي السياسية، وبالتحديد منذ نهاية سنة 1962 يوم عودتي من تونس، كان تأثري بالنهج الناصري التحرري الوحدوي الذي يجتاح الوطن العربي يومئذ كبيرا، وكنت معجبا غاية الإعجاب بالثورة الجزائرية التي عايشتها عن كثب، ومتشبثا جدا بالكيان الموريتاني الوليد. ومن أجل ذلك كله كنت ثائرا على الاستعمار الجديد المخيم
في موريتانيا وغيرها، ومشمئزا ومستاء من الحالة المزرية التي توجد فيها اللغة العربية والناطقون بها في موريتانيا، ومن هدر الإنسان الموريتاني. فالاستعمار لم يترك لنا سوى مساوئه، ولم يكن لدى السلطة الوطنية ما تسد به رمق البلاد، وتلبي به أبسط الشروط الإنسانية.
كانت أحلامنا الوردية القصوى يومئذ ما عبرت عنه هذه الأبيات التي هي - في أغلب ظني- لصديقي الشاعر والنقابي المصطفى ولد بدر الدين. وكان الشعر يومها مشكاة غاياتنا:
يا مورتان متى أراك عزيـــــزة ** يحميك جيش من بني مُرتان
ويسوس شعبك سائسون توحدوا ** لبناك مرتصــــــين كالبنيان
ويبث فـــــــيك الوعي شبان لهم ** بالدِّين ميـــزات على الشبان
إن التمسك بالقـــــديم عمايــــــة ** والإنســــياق مع الجديد تفان.
ولتغيير هذا الواقع المر أسستُ حركة القوميين العرب في موريتانيا سنة 1964 وهي الحركة التي وضعت أسس وأهداف النضال الوطني لجيل ما بعد الاستقلال. ثم بعد نكسة 1967 وانتفاضة عمال ازويرات 1968 أنشأنا الحركة الوطنية الديمقراطية الموريتانية، وحزب الكادحين، ورسمنا خطوط التحرك وطرحنا مطالب الشعب في نقاط خمس تهدف إلى تصفية الاستعمار الجديد باتفاقياته وعلاقاته المذلة - الداخلية والخارجية- واقتصاده وثقافته وعبوديته... ودعونا إلى الوحدة الوطنية حول ذلك البرنامج.
وبعد سبع عجاف قدّم فيها الشباب الموريتاني الرائع الغاليَ والنفيس لبَّتْ فصائل وطنية أساسية من النظام نداءنا وقبلت التنازل والتحالف معنا في سبيل الوطن، فحققنا معا برنامجا وطنيا ديمقراطيا واجتماعيا حرر البلاد ووضعها في طريق الوحدة والبناء والتقدم؛ فلم نجد بدورنا غضاضة في دخول حزب الشعب وممارسة النضال في إطاره جنبا إلى جنب مع حلفائنا في سبيل حماية وتوطيد وتطوير المكاسب الوطنية التي حققناها.
وجاءت مؤامرة حرب الصحراء والانقلاب الرجعي الذي تمخضت عنه، فكبونا وتهنا حينا من الدهر أعادنا إلى مربع البداية وأدهى.
ولكننا نهضنا؛ بفضل الله، وبطولة وتضحية أبنائنا البررة، وحكمة وإرادة شعبنا، وبدأنا مسيرة إعادة تأسيس موريتانيا وبنائها والنهوض بها؛ وهي مسيرة حققت - حتى الآن- معظم غاياتها من استقلال وحرية وقوة وأمن وإعمار ورحمة بالإنسان وتمكين للشعب.. وما تزال متواصلة إلى الأبد.. وها نحن مقبلون في إطارها اليوم على منعرج فريد وخطير يتمثل في تحقيق التناوب وترسيخ نهج العزة والكرامة والحرية والديمقراطية والتنمية والوحدة الوطنية.
لقد كنت من بين الـ50 شخصية وطنية الذين دعوا في رسالة موجهة لرئيس اللجنة العسكرية في فجر التسعينات إلى تصفية النظام العسكري والأخذ بالديمقراطية، وساندت الرئيس أحمد ولد داداه في ترشحه للرئاسة سنة 1992 وقيادته للمعارضة. ولكني لم أنتم إلى حزبه ولا إلى أي حزب من أحزابنا إلى حد الآن، لأني لم أجد نفسي في أي منها، ووجدت ظروف العمل السياسي غير ملائمة لإنشاء حزب حقيقي، ولا أمتهن المتاجرة بالسياسة.. فبقيتُ حزبا قائما بذاته مرابطا في خندق المحاماة يوم كانت، أدافع عن المظلومين، وأسترجع الحقوق لأصحابها؛ لا أخونهم ولا أسرقهم، وأقارع الدكتاتورية.
وعندما هلت حركة 3 أغسطس المجيدة ساندتها ودافعت عنها، وشاركت في جميع المشاورات والحوارات الوطنية التي أتاحتها؛ والتي أخذتْ بمعظم ما ورد في مقالي "حتى لا نركع مرة أخرى". ودعمتُ الرئيس أحمد ولد داداه في الاستحقاق الأول سنة 2007 وعارضت الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله لما التف حوله المفسدون. وأيدت حركة 6 أغسطس وباركت تأييد الرئيس أحمد ولد داداه لها. وعندما انضم الرئيس أحمد ولد داداه إلى "جبهة الدفاع عن الديمقراطية" الساعية إلى إرجاع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، ساندتُ قائد حركة التصحيح الرئيس محمد ولد عبد العزيز والخط الوطني الذي رسمه، ودعوت قوى التغيير إلى مساندته.
واليوم وقد بدأت تتجلى خيوط المعركة الوطنية الراهنة، وتتحدد معالم ترسيخ المسار الوطني وحماية وتطوير المكاسب وتحقيق التناوب الديمقراطي، وتجري محاولات جدية لتحصين هذا المسار بإصلاحات مهمة كان آخرها إصلاح الحزب الوطني الحاكم وفتح باب الانتساب إليه في ثوبه القشيب الجديد، لا يسعني إلا أن أظهر في الصورة الوطنية، وأضم صوتي إلى كوكبة العاملين؛ خاصة أن الظروف التي قادت إلى قيام الوحدة الوطنية والاندماج في حزب الشعب سنة 1974 هي نفس الظروف القائمة في بلادنا اليوم.
وبناء على ما تقدم، فإني أدعو كافة الوطنيين والأحرار الموريتانيين الذين يغارون على سلامة ووحدة وأمن وتقدم الوطن، ويحملون أمانة السهر على مصالح الشعب الموريتاني في أعناقهم إلى الانضمام لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الجديد، والنضال الحازم في صفوفه، من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من مصالح وأهداف وطنية، ومن أجل حماية مكاسب هذا الوطن؛ فهو الحزب الذي تحققت على يد قائده ومؤسسه الإنجازات الكبرى، وهو - على علاته- أمثل الأحزاب الوطنية، وأقربها إلى الشعب، وأكثرها استيعابا لكافة مكوناته، وأقلها ظلامية وتطرفا وعنصرية، وأقدرها على التشبث بالمصالح الوطنية والدفاع عنها، وعلى حماية الحريات العامة، وإنجاز التناوب على السلطة.
أنا أعلم أن مصالح وامتيازات كثيرة قد تضررت بسبب السياسات الوطنية في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كما أعلم أن وصوليين وانتهازيين كثيرا يتمنون الانفراد بالرجل وبحزبه واستغلالهما لمصالحهم وحرفهما عن الصراط الوطني المستقيم، ولن تروق لهؤلاء وأولئك دعوتي لانخراط الوطنيين الحقيقيين والأحرار في هذا الكشكول، لأنها تهدد مصالحهم وامتيازاتهم وتقضي على طموحاتهم.
وطبيعي كذلك، أن لا يفهمني الذين يقايضون مواقفهم بالمال والجاه، وأنهم سوف يتهمونني بما فيهم. ولكني أؤكد لهم أني لا أملك أية مصلحة خاصة في هذا الحكم. وأن منطلق دعوتي هذه هو خدمته للوطن وسيره في النهج الذي اخترته وسرت فيه منذ نهاية 1962. ولتقديم بعض الأدلة على ما أقول أذكر هنا أن هذا الحكم ضحى بي في فتنة المقال المسيء، وأني لم استفد في ظله - رغم عراقة مكتبي- سوى عقد واحد بمبلغ سبعمائة ألف أوقية قطعه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد سنة بتعليمات من فوق حسب دعوى إدارته. وقد أسندت وزارة المالية سنة 2009 إلي - مع زميلين عزيزين- ملفات ساخنة قمنا بما يجب فيها، ولم نحصل - إلى حد الآن- على أتعابنا. والأدهى من ذلك وأمر أن العدالة التي أعيش من عملي في أروقتها ما تزال شبه غائبة رغم ما بذل فيها من جهود، ولم يعد للمحامي فيها دور حيال السماسرة والمفسدين؛ الأمر الذي أفشى الظلم وعرقل التنمية وعرّض الحقوق التي أدافع عنها للضياع.
ولكن صدقوني، إن ما صلح في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز أكثر بكثير مما لا يزال ناقصا. نحن في فترة إصلاح لا فترة ثورة. ومن لم يفهم هذه الحقيقة فلن يفهم شيئا مما يجري في موريتانيا.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.