تمر علينا هذه الأيام ذكرى انطلاقة حركة "الإخوان المسلمون" ومن المهم مراجعة الدروس المستفادة من الانطلاقة والمنهج والنتائج.
صار من نافلة القول أن تاريخ انطلاقة الحركة الإسلامية سنة 1928 بعد سقوط الخلافة الإسلامية مباشرة وأن مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، لكن من المهم التساؤل لماذا بعد سقوط الخلافة الإسلامية مباشرة؟
في نظري المتواضع أن الشهيد حسن البنا أدرك أن بسقوط الخلافة الإسلامية - ورغم هشاشتها - تقع كوارث كبرى منها ضياع ثلث الدين كالحدود والجهاد ورسالة التعليم، فهي من صلاحيات الحاكم وحده، ومنها ضياع وحدة الأمة، وبذلك تكون فريسة سهلة أمام المستعمر والقادة أصحاب الأهواء المتعطشين إلى تقاسمها، فتقع الحروب الثنائية بين أجزاء الجسد الواحد أو الغزو الخارجي وكلهما حدث. ومنها ضياع بيت المال، فلا يبقى للفئات الهشة كاليتيم والأرملة والمطلقة والخدمات العامة إلا التسول والإهمال ودفعه هذا الإحساس الكبير ونبل النفس المتأصل إلى التفكير في الدعوة لوحدة الأمة وثقته بالله كبيرة، وذلك لأن نفسه الشريفة تأبى التثبيط ولا يعرف اليأس إليها طريقا، لكن الذي يغيب عن أذهان كثير من الناس الظروف التي نشأت في ظلها.
نشأت دعوة البنا بجهد فردي دون رعاية من جهة رسمية، وبهذا تكون الوسائل بسيطة، وفي ظل الاستعمار في فترة التخلف الذي تعيشه المجتمع، ثم ما إن تخلصت منه حتى تلقفها الاحتلال والعسكر، فكانت الهموم كثيرة وتحديد الأولويات فيها أنجع السبل، فكان التركيز على بناء الأنفس بالتزكية على رأس القائمة، فعمرت المساجد وهزمت دعوة المادة والمتع والشهوات، كما دعا لذلك صراحة في مجموع الرسائل، وذلك جهد لا يقدر بثمن.
ولم يقتصر العطاء على ذلك، بل شكلت دعوته ثورة ثقافية في نشر وتمحيص امهات الكتب من التحريف، وأعادت قراءة النصوص وتنزيلها على واقع جديد ليس الواقع الذي أصدرت فيه، وابتكرت وسائل بحسب أنواع الناس، نثرا ونظما، من الرحلات الدعوية والليالي التربوية وأناشيد للصغار تربطهم بعقيدتهم وتعطيهم البديل عن اللهو المنهي عنه شرعا، ولم تكن حركة البنا مجموعة وعاظ فقط حتى إذا انتهى الدرس تركوا الفقراء يواجهون فقرهم، بل شكلت جمعيات تستهدف كل اصناف المنكوبين متخذة من إطعام المسكين وكفالة اليتيم هدفا ومستشفيات صحية ساعدت الكثير، وشكلت بديلا عن فشل الدولة، وفيها غنى عن جمعيات التنصير شعارهم {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} حتى هتف الناس شرقا وغربا وفي عقر دار المستعمر باسم محمد صلى الله عليه وسـلم وتمسكوا بتعاليم الإسلام، وشكلوا قلعة حصينة لهوية الأمة ولغتها، فتهجاها بنو الأصفر وهم يذرفون الدموع لعمق وبلاغة نصوص الإسلام بعد اكتشاف الإعجاز العلمي.
ولم تكن حركة الإخوان تحصر الإسلام في المساجد بعد محافظتها على دور المسجد في الشأن العام، بل كان لها رأي سياسي في واقع أمتها في محاربة التبعية للمستعمر والوقوف ضد المستبد، فظلت سوح النضال تغلي ودفعوا في ذلك أنفسا زكية وعلى رأسها الشهيد حسن البنا، وصبروا على ذلك وصابروا دون استكانة ودون غلو وذلك لأن دعوتهم تحمل في داخلها بذور البقاء والنماء، وهي كما يقول الشيخ راشد الغنوشي (بتصرف) في كتاب الحركة الإسلامية ومسألة التغيير "أدركت في وقت مبكر أنها والنظام طرفا صراع على الشعب والشعب شاهد ومتابع، فاضطرت النظام إلى عنفه وأثبتت سلميتها، وذلك سر فوزها في القوس الديمقراطي بعد الربيع العربي" وكانت مدرسة لتربية أمتها على مبدإ الشورى وثقافة المؤسسية وثقافة الأحزاب السياسية وأنها لا تتنافى مع الإسلام وروحه، بل بإمكان المسلم أن يخوض كل ذلك ملتزما بدينه، فكان لها الفضل في إسقاط أنظمة كنظام بن علي ومبارك والقذافي وكانت ركن الثورة الركين بصدق افرادها وتقديمهم لمصلحة الوطن على مصالحهم الخاصة، فصارت القوة الرئيسية في الأمة الإسلامية والوطن العربي أساسا رغم تحريض الغرب واستعمال الأنظمة لها كفزاعة وجفاء الشركاء الوطنيين.