قسم الطبيب والحوادث الواقعية / سيد أحمد دحان

قرأت أن الأطباء يكررون في بداية حياتهم التعليمية والمهنية قسما جميلا يحمل روح الإنسانية والمهنية والأخلاق والالتزام بالتحصيل العلمي المتواصل.

وعلى ذلك كان قسم أبوقراط الأشهر في تاريخ الطب، وقسم الطبيب  في إعلان جنيف. وقد أخذ  القسم في عالمنا العربي شكلا يكاد يكون ثابتا منذ عهد محمد علي باشا  بالصيغة التالية:

"اقَسِمُ باللهِ العَظِيمْ

أن أراقبَ اللّه في مِهنَتِي.

وأن أصُونَ حياة الإنسان في كافّةِ أدوَارهَا. في كل الظروف والأحَوال بَاذِلاً وسْعِي
في استنقاذها مِن الهَلاكِ والمرَضِ والألَم والقَلق .

وأن أَحفَظ لِلنّاسِ كَرَامَتهُم، وأسْتر عَوْرَتهُم، وأكتمَ سِرَّهُمْ .

وأن أكونَ عَلى الدوَام من وسائِل رحمة الله ، باذلا رِعَايَتي الطبية للقريب والبعيد ، للصالح والخاطئ ، والصديق والعدو .

وأن أثابر على طلب العلم ، أُسَخِره لنفعِ الإنسَان ... لا لأذَاه.

وأن أُوَقّرَ مَن عَلَّمَني ، وأُعَلّمَ مَن يَصْغرَني ، وأكون أخاً لِكُلِّ زَميلٍ في المِهنَةِ الطُبّيّة مُتعَاونِينَ عَلى البرِّ والتقوى.

وأن تكون حياتي مِصْدَاق إيمَاني في سِرّي وَعَلانيَتي ، نَقيّةً مِمّا يُشينهَا تجَاهَ الله وَرَسُولِهِ وَالمؤمِنين
والله على ما أقول شهيد"

وسأنقل هنا بعض معاناتي مع الطبيب الموريتاني التي لا تمثل إلا نموذجا مما يعانيه مواطنون كثر ليس بوسعهم التعبير عسى أن يعطيني القارئ تفسيرا لتناقض القسم الطبي عندنا وسلوك غالبية الأطباء.

الحادثة الأولى: أبي قروي عزيز يجد صعوبه في الحركة والهضم. يستنجد بكل مستويات التطبيب عندنا ليشد الرحال في النهاية إلى العاصمة. عند وصوله انواكشوط كنت حريصا على أن أنقله إلى أكثر الأخصايين شهرة، وقد زرت منهم خمسة على الأقل، يكرر كلهم ن الفحوص نفسها، ويعطي في النهاية أدوية لا تفيد ولا يدرك المريض ذلك إلا بعد رجوعه من رحلة الاستشفاء لإحساسه النفسي أنه تداوى بفضل ما دفعناه لذلك المتخصص في عيادته المشهورة.  ومع تكرار الأمر واستفحال الضعف قررنا الذهاب على نفقتنا إلى تونس. كانت النتيجة مأساة بكل ما في الكلمة من معنى. فبعد الفحوصات في عيادة خاصة يعتادها الموريتانيون يكتب الطبيب العام وصفة باسم دواء واحد. تفاجأت فلقد تعودت أن اشتري على الأقل ثلاثة أدوية لمعالجة أبسط حمى تصيب أحد أفراد العائلة. سألت الطبيب - وهو طبيب عام وغير متخصص - هل أنت إذا متأكد من المرض؟ فأجاب بثقة كاملة بالتأكيد إنه مرض عصبي معروف جدا واسمه باركنسون.  رجعت مذهولا إلى مقر السكن المؤقت وبحثت في الانترنت فوجدت الأعراض غاية في الوضوح ولا تحتاج حتى إلى طبيب عام. ومع ذلك أصررت على زيارة اخصائيين اثنين فأكدا الاستنتاج نفسه. الغريب أن كل ما بذلناه من وقت ومال في الوطن مع قامات علمية كبيرة كان لمعالجة عرض من أعراض المرض وليس المرض نفسه.

الحادثة الثانية: هي أنني استدعيت على جناح السرعة لأنقل أخا لي إلى المستشفى بسبب آلام حادة مفاجئة، نقلته إلى أقرب مستشفى فقرر الطبيب أن الأخ يحتاج إلى عملية استعجالية لاستئصال الزائدة الدودية وعلىه القيام بما يلزم من صوم لفحص الموجات فوق الصوتية سريعا. ولأن المستشفى لا يتوفر على أجهزة الفحص كان لزاما علينا أن نبحث عن عيادات تستطيع إجراءه. المفارقة أن فنيي الفحص كانوا ليلتها في مؤتمر ولم نستطع أن نجري ما طلبه الطبيب. لحسن الحظ قررت أن أمر على طبيب في مستشفى آخر ولكن تشخصيه هذه المرة كان موفقا من دون سند علمي. فقد قادته اسئلته إلى أن يستنتج أن الشاب لم يشرب طوال اليوم وقد كان عرضة لمسيلات الدموع في يوم مشهود من إضرابات الجامعة. قال الطبيب عليك بشرب الماء لا غير. هنا وقفت أمام تشخيصين متناقضين وأي خطأ في القرار قد تكون له عواقب وخيمة. قلت ما دام الفحص غير متوفر الليلة فالحل الثاني قد يكون الصواب. وكان فعلا هو الحل الموفق فحمدت الله على تجنب عملية كانت ستجرى بالصدفة في مستشفى علمت فيما بعد أنه اشتهر بعمليات الزائدة الدودية.

لا شك أن الحادثتين سطحيتان بالنسبة لحالات كثيرة سمعت بها وقابلت بعض ضحاياها. لذلك أتساءل هل فعلا أقسم أطباؤنا القسم الطبي؟ أم أنهم نسوه لأنه غاب تماما عن عالمنا حتى عن تزيين حيطان المستشفيات؟ أم أن العلة في فهم مجتمعنا للقسم باعتبار أفضل يمين في ثقافته "يمين افنيده"؟

7. أبريل 2018 - 6:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا