حتى لا نُضَيِّع فرصة 2019 (5) / محمد الأمين ولد الفاضل

يكثر الحديث في هذه الأيام عن خيار المقاطعة والمشاركة في الاستحقاقات القادمة، وعن أيهما أنسب للمعارضة، ولأهمية هذا الموضوع فقد ارتأيتُ أن أخصص له هذه الحلقة من سلسلة "حتى لا نُضَيِّع فرصة 2019".

إن البحث عن الخيار الأنسب للمعارضة يستوجب التذكير بالنقاط التالية:

1 ـ مع أن المشاركة في أي استحقاقات هي الأصل بالنسبة لأي معارضة، إلا أنها تبقى مع ذلك مجرد اجتهاد سياسي، حالها في ذلك كحال المقاطعة، ولذا فإنه لا يمكن أن نجزم بأن خيار المقاطعة هو الأفضل، ولا أن خيار المشاركة هو الأفضل. نحن أمام قضايا سياسية اجتهادية لا يمكن التعامل معها بفتاوى جاهزة.

2 ـ تكون المقاطعة هي الخيار الأفضل إذا كانت المعارضة في وضعية تمكنها من إرباك العملية الانتخابية ولها القدرة على أن تكشف للرأي العام الوطني والدولي عدم مصداقية تلك الانتخابات. وتكون المشاركة هي الأفضل إذا كان بمقدور المعارضة انتزاع مكاسب انتخابية وسياسية معتبرة من مشاركتها تلك. وبطبيعة الحال فستبقى المقاطعة هي الخيار الأسوأ إذا لم تربك العملية الانتخابية، وستبقى المشاركة هي الخيار الأسوأ إذا لم تنتزع مكاسب انتخابية معتبرة.

3 ـ في حال عدم إجماع المعارضة على موقف موحد من المقاطعة أو المشاركة، فأن الحزب المعارض الذي يشذ باتخاذ موقف منفرد يكون هو المخطئ، ولا يهم هنا أن يكون ذلك الحزب قد شذ بالمقاطعة في حالة إجماع المعارضة على المشاركة، أو كان قد شذ بالمشاركة في حالة إجماع المعارضة على المقاطعة. إن أي حزب معارض يشذ بموقف منفرد بالمقاطعة أو بالمشاركة يكون مخطئا في كلا الحالتين.

تلكم كانت بعض النقاط التي وجب التذكير بها من قبل طرح السؤال الأهم: أيهما أنسب للمعارضة في الاستحقاقات القادمة: المشاركة أم المقاطعة؟

إن الجواب على هذا السؤال يتطلب أولا ومن قبل أي شيء آخر تحديد السلبيات أو المخاطر التي ستترتب على مشاركة المعارضة أو مقاطعتها للاستحقاقات القادمة.

أولا: سلبيات المشاركة

إن من أهم سلبيات المشاركة :

1ـ ظهور المعارضة في وضعية متناقضة، فهي ستظهر على أنها قد سلمت بالأمر الواقع وقبلت بنتائج الاستفتاء الذي كانت تصفه بالانقلاب الدستوري، وسيكون التناقض أكثر وضوحا إن هي قبلت بالمشاركة في انتخابات المجالس الجهوية. ومن تجليات هذا التناقض أن المعارضة ستتعامل مع مخرجات حوار كانت قد رفضت المشاركة فيه الشيء الذي يمنح المزيد من الوجاهة لحجة من يقول بأنه كان من الأولى بالمعارضة أن تشارك في الحوار ما دامت ستعترف أو ستتعامل مع مخرجاته.

2 ـ إن المشاركة ستمنح الشرعية للبرلمان القادم الذي سيتكون من غرفة واحدة، وسيكون بإمكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز إن فاز بثلثي البرلمان أن يجري تعديلات دستورية، خصوصا على المواد المتعلقة بطبيعة النظام السياسي، أو تلك المتعلقة بعدد المأموريات، ولن يكون بإمكان المعارضة أن تشكك في تلك التعديلات لأنها تمت طبقا لأحكام الدستور، على الأقل ظاهريا.

3 ـ إن المشاركة ستخفف من حدة الأزمة وستمنح المزيد من الشرعية للنظام الحاكم، وستمكن هذا النظام من تجاوز مرحلة صعبة ومن الظهور أمام الرأي الداخلي والخارجي بأنه نظام ديمقراطي، وبأن الاستحقاقات التي نظمها قد شاركت فيها المعارضة بكل أطيافها.

ثانيا : سلبيات المقاطعة

إن من أهم سلبيات المقاطعة:
1ـ أنها ستضعف أحزاب المعارضة أكثر، فالمقاطعة ستزيد من تجفيف الموارد المالية للأحزاب وهي الموارد المنعدمة أصلا، كما أنها ستؤدي إلى هروب المزيد المناضلين خاصة أولئك الذين كانوا يطمحون إلى وظائف حكومية أو إلى الترقية أو إلى الحصول على مقاعد انتخابية في المجالس البلدية أو في البرلمان.

2ـ ظهور المعارضة وكأنها غير موجودة، فمقاطعة الاستحقاقات البلدية والتشريعية ليست كمقاطعة الاستفتاء، فالاستفتاء يمكن للناخب أن يقاطعه، وأن يظهر مقاطعته كما حدث مع استفتاء 5 أغسطس 2017، أما الانتخابات البلدية والتشريعية فسيكون من الصعب مقاطعتها وإظهار تلك المقاطعة، ذلك أن الصراعات المحلية والتنافس بين المرشحين سيغطيان على أي مقاطعة للمعارضة، وسيجعلان تلك المقاطعة غير بادية للعيان وعديمة الجدوى على الأقل ظاهريا.

3 ـ ستؤدي المقاطعة إلى اتساع الفجوة بين الأحزاب المعارضة وجماهيرها ونخبها، فالجماهير والنخب ميالة بطبعها إلى المشاركة.

تلكم كانت هي أهم سلبيات المشاركة والمقاطعة، ويبقى السؤال : هل يمكن للمعارضة الموريتانية أن تتخذ موقفا يجنبها سلبيات المشاركة وسلبيات المقاطعة في آن واحد؟

لنطرح السؤال بطريقة أخرى : هل يمكن للمعارضة الموريتانية أن تتخذ موقفا من الاستحقاقات القادمة يمكنها من الجمع بين المكاسب الانتخابية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال المشاركة، ويمكنها في الوقت نفسه من إرباك العملية الانتخابية التي لا يمكن إرباكها في العادة إلا من خلال المقاطعة؟

إن مما يجب قوله هنا هو أن المعارضة الموريتانية قد أضاعت وقتا ثمينا كان هو الأنسب للضغط على النظام الحاكم وإجباره بالتالي على الدخول في حوار جديد وفي تقديم تنازلات جوهرية هامة من قبل الاستحقاقات القادمة. هذا الوقت الثمين، وهذه الفترة الذهبية للضغط على السلطة كان يجب أن تبدأ من مساء يوم الاستفتاء (5 أغسطس 2017)، وكان يجب أن تستمر حتى تقدم السلطة تنازلات لضمان شفافية الاستحقاقات التشريعية والرئاسية القادمة.

تلك فرصة ضاعت، وليست هي موضوعنا هنا، نحن نتحدث هنا عن وضعية المعارضة في شهر إبريل من العام 2018، عن وضعيتها الحالية، عن نقاط قوتها ونقاط ضعفها في الوقت الحالي، عن الفرص والعوائق في هذه الظرفية.

نحن نتحدث عن معارضة (تقليدية وشبابية) لم تنظم أنشطة احتجاجية ضاغطة منذ أشهر، وذلك في وقت بدأت فيه السلطة الحاكمة تعد العدة للانتخابات البرلمانية، بل وبدأت في الحديث عن اللجنة المستقلة للانتخابات، وعن آلية تشكيلها وتقاسم حكمائها بين الموالاة وما يسمى بالمعارضة المحاورة.

في ظرفية كهذه، وفي وقت ضاغط كهذا، فإنه على المعارضة الموريتانية أن تتحرك بشكل سريع في مسار من اتجاهين متعاكسين، على أن يتم تحديد البوصلة النهائية للمسار النهائي تبعا لطريقة تعامل السلطة الحاكمة مع مادة الاختبار الأولى أو الامتحان الأول الذي على المعارضة أن تقدمه الآن، ويتمثل هذا الاختبار أو الامتحان في مادة اللجنة المستقلة للانتخابات.

إن اللجنة المستقلة للانتخابات ليست كغيرها من الهيئات والمجالس ذات الصلة بالعملية الانتخابية كالمجلس الدستوري والسلطة العليا للصحافة وغيرها، فتلك المجالس والهيئات يمكن تأجيل الحديث عنها إلى حين، أما اللجنة المستقلة للانتخابات فلا بد من حسم أمرها في الوقت الحالي، ولذا فإنه على المعارضة (مجموعة السبعة) أن تتقدم بأي طريقة تراها مناسبة ـ ويمكن التفكير هنا في مؤسسة المعارضة ـ بالأسماء التي تقترحها لعضوية لجنة الحكماء، فإن تم التعامل مع مقترحها بشكل إيجابي فيكون في هذه الحالة خيار المشاركة أولى، وإن تم التعامل مع مقترحها بشكل سلبي كان خيار المقاطعة أولى، وستكون المعارضة قد كسبت بذلك حجة قوية تقدمها للرأي العام الوطني والدولي مفادها أنها سعت بكل الوسائل من أجل المشاركة في الانتخابات، ولكن النظام الحاكم لا يريدها  أن تشارك، ولا يريد تنظيم انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية، ولذلك فقد رفض التعامل مع مقترحها المتعلق بتشكيل لجنة الحكماء.

إن أي انتخابات تشرف عليها لجنة انفرد النظام ومعارضة على نهج معارضة "بيجل" بتشكيلها، لا يمكن الوثوق بنتائجها، وما حدث من تزوير وتلاعب بنتائج الاستفتاء الماضي الذي كانت قد قاطعته أغلبية الشعب الموريتاني لهو خير دليل على ذلك.

إن تعامل النظام الحاكم مع الأسماء التي سيقترحها أكبر تكتل معارض (مجموعة السبعة) سيبقى هو المحدد الفعلي للموقف الذي يجب على المعارضة أن تتخذه، فإن كان هذا التعامل إيجابيا كانت المشاركة، وإن كان سلبيا كانت المقاطعة، ولكل من الخيارين بعض الإجراءات المصاحبة التي يجب اتخاذها.

خيار المشاركة

إذا تعامل النظام الحاكم بشكل إيجابي مع الأسماء المقترحة من طرف المعارضة (مجموعة السبعة) فستكون تلك خطوة إيجابية يجب أن ترد عليها المعارضة بخطوات إيجابية، أي بالمشاركة والعمل على تهدئة الأوضاع من أجل نجاح المسار الانتخابي.

إن  مشاركة المعارضة في انتخابات تضمن الحد الأدنى من الشفافية ستمكنها من تحقيق مكاسب انتخابية وسياسية معتبرة، وستكون تلك المكاسب أهم إن دخلت المعارضة  في الانتخابات وهي تسعى إلى تحقيق مكاسب للمعارضة في مجموعها بدلا من سعي كل حزب معارض إلى تحقيق مكاسب خاصة به. وفي حالة قرر النظام أن يمارس التزوير خلال المسار الانتخابي فحينها سيكون بإمكان المعارضة أن تربك ذلك المسار من داخله، وذلك من خلال استقالة أعضائها في لجنة الحكماء، وممثليها في اللجان الجهوية ومن خلال احتجاج ممثليها في مكاتب التصويت التي سيمارس فيها التزوير على أن يصاحب كل ذلك حراك احتجاجي قوي رافض للتزوير.

خيار المقاطعة

إذا تعامل النظام الحاكم بشكل سلبي مع الأسماء المقترحة من طرف المعارضة للجنة الحكماء، فستكون تلك خطوة استفزازية وتصعيدية من النظام يجب أن ترد عليها المعارضة بخطوة تصعيدية مماثلة.

لن يكون هناك أي أمل في تحقيق أي مكاسب انتخابية هامة في استحقاقات تشرف عليها لجنة انتخابات انفردت السلطة و المعارضة المحاورة بتشكيلها، وستكون المشاركة في تلك الانتخابات عملا عبثيا لا طائل من ورائه، وفي هذه الحالة على المعارضة أن تقاطع، وعليها أن تصعد، وأن تتعامل بشكل إيجابي مع غرفة الشيوخ برئاستها الحالية، وهي الغرفة التي كانت قد قررت أن توجه تهمة الخيانة العظمى للرئيس محمد ولد عبد العزيز، على أن تبدأ من بعد ذلك في إجراءات عزله، ولم يمنعها من القيام بتلك الخطوات التصعيدية إلا رفض المعارضة لمساندة تلك الخطوات.

إن رفض السلطة لإشراك المعارضة في تشكيل لجنة الحكماء سيعني بأنه لم يعد هناك أي أمل لتنظيم انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من الشفافية، ويعني بأنه لم يعد هناك أي بصيص أمل لإحداث تغيير سلمي عن طريق صناديق الاقتراع. إن كل ذلك يستوجب من المعارضة أن تبحث عن خيار آخر للتغيير، ولن يأتي ذلك الخيار إلا من خلال مقاطعة الانتخابات، ومن خلال تأزيم الأوضاع، وتوجيه دعوات صريحة من أجل إحداث تغيير غير دستوري. هذا هو الخيار الأسوأ، ولكنه سيتحول إلى الخيار الوحيد المتاح إن قرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يفرض مسارا أحاديا يفضي إلى انتخابات مزورة.

خلاصة القول أنه على المعارضة أن تظهر الآن بأنها جاهزة لكل من المسارين. جاهزة لتهدئة الأوضاع وللمشاركة الإيجابية في الانتخابات، وجاهزة لتأزيم الأوضاع وللدعوة إلى تغيير غير دستوري، وأن النظام الحاكم هو الذي سيحدد في النهاية مسار المعارضة من خلال الطريقة التي سيعتمدها في تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.

8. أبريل 2018 - 0:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا