القصة: سُئل أحد أصفياء حبيب العادلي لما لم نسمع ابدا عن أي محاولة من حبيب “بيه” للاستلاء على الحكم في مصر رغم قوته وتحكمه في مفاصل الدولة فأجاب ان الامر يعود الى ان حبيب يسيطر الداخلية وبالتالي على الحزب الوطني ومن سيطر على الحزب سيطر على الرئاسة وبالتالي فقد أصبح هو الرئيس الفعلي بغض النظر عن الأسماء.
المقال: مما لا يقبل أي مجال للشك حسب حديث الاروقة خلال الفترة الحالية ان الرئيس عزيز سيتخلى عن الرئاسة، مكتفيا بفترتيه الدستوريتين، وان الحديث عن تعديل دستوري هو مجرد ضرب من الخيال، أو ورقة للضغط على بعض أطراف المشهد من أصحاب الهجرات السياسية الموسمية، حتى تظل متمسكة بولائها للرئيس شخصيا، لتبقى للرئيس مكانته وقوته الشعبية حيثما حل، في بلد اعتاد سياسيوه مولات الأشخاص بدلا من الأحزاب والرؤى السياسية.
ومن المفروغ منه أيضا، ان تصريح الرئيس بمغادرة الرئاسة والبقاء في المشهد السياسي، وإعادة هيكلة الحزب الحاكم وحملة انتسابه الحالية، رشحت الرئيس لقيادته في المرحلة القادمة لدى الكثيرين، بل ان البعض عزا ذلك للريس شخصيا، كما نقل عن أحد السياسيين في حديث له خلال اجتماع يسوق للانتساب للحزب.
وإذا كان هكذا فان موريتانيا الآن مقدمة على فترة جديدة بدأت معالمها تتضح شيئا فشيئا، فالرئيس القادم والذي ترجح المصادر انه سيكون من رفاق الحالي في المؤسسة العسكرية، اذ لا يوجد بديل له في المعارضة الحالية ولا المولات المدنية – من الناحية الواقعية -لن يكون هذا الرئيس أوسع الرؤساء الموريتانيين صلاحيات، كما لن يكون القائد الفذ الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، اذ ان تقاسم النفوذ بينه وبين رئاسة الحزب امر حتمي، فالمعطيات المتوفرة تبين ان رحيل الرئيس عن الرئاسة لن يكون بعيدا، وان فاعليته في الشأن الوطني لن تنقص برحيله من القصر الرمادي، بل ان تخلصه من ضغوط البروتوكولية الرئاسية سيبين ما خلف الأكمة بشكل اوضح.
ان سيطرة الرئيس عزيز على كل مفاصل الحكم في البلاد امر واقعي، ويزداد يوما بعد يوم، فالشبكة المصرفية حديثة المنشأ في البلاد والتي تسيطر على غالبية الحركة النقدية، وتدار في معظمها من قبل مناصريه، ستوفر له الامن المالي، وورقة الضغط امام أي منافس له في القرار.
كما ان الولاء الشخصي لجل قادة المؤسسة العسكرية له، سيشكل له غطاءات ذاتية، هذا بالإضافة الى سيطرة المقربين منه على معظم مفاصل الاعلام الخصوصي، وزد على ذلك الحديث عن شراء مقربين منه لإحدى القنوات التليفزيونية الخاصة وإعادة هيكلتها من جديد حتى تكون واجهته الإعلامية في المستقبل.
اما الزعامات القبلية والدينية فهم أصحاب رهانات وتغلل شبكاتهم في المجتمع وانتشار المحسوبين عليهم في المؤسسات السيادية والأمنية تهياهم في العادة لأخذ صفه، فطالما راهن هؤلاء على الفرس الكاسب.
ومن خلال هذه المعطيات التي تعد توضح ان أبرز مقومات الحكم في البلاد قد سيطر الرئيس الحالي عليها بأسلوب شخصي يرحل معه حيثما رحل نستشرف انه لن يبقى امام الرئيس القادم سوى طريقين الأولى هي الصدام وهذا مستبعد كي لا يقع في المستنقع الذي غرق فيه حكم سيدي ولد الشيخ عبد الله، والطريق الثاني هو الدمج والشراكة، وقد تعلمنا من مناورات عزيز خلال العشرية الأخيرة ان ما تحت يد “العزيز” لا يقبل القسمة على اثنين، وبالتالي فإن مؤسسة الرئاسة خلال المرحلة القادمة ستكون رهنا لما يصاغ في غرف الحزب الحاكم.
وطبعا هذا لا يعني بالضبط اننا امام حالة “ابوتين مدفيدف” جديدة، بقدر ما يعني ان الولاء السياسي للحزب في المرحلة القادمة سيكون أبرز من الولاء للرئيس والحكومة، والمناصب الحزبية ستكون أكثر مردودية من المناصب الحكومية والامتيازات الحربية ستكون أهم من نظيرتها الحكومية، إذا ان الحزب سيكون طريقا للتعيين وللمكافئة وللامتيازات، مما يجعلنا امام وضعية اشبه بالحزب الوطني في مصر مبارك منها بحزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحالي.
تلك الوضعية التي حتى وإن كانت أكثر ديمقراطية من الناحية الصورية، حيث ان “الزعيم” سيكون له شركاء في القرار إلا ان تحديات جديدة ستقف في طريق التكنوقراط، حيث ان الولاء السياسي سيكون اهم من المعرفي، وبالتالي فان غياب اهل الخبرة سيحد من نمو البلد كما ان طابور المنادين بعدم المساوات والتهميش سيزداد طولا على طوله، إضافة الى ان فرص الأحزاب المعارضة في نيل ثقة الشارع ستعود محدودة أكثر من أي وقت مضى.
للعبرة: سئل أحد رجال الظل في إحدى الدول الكبرى لما رفضت طلب الرئيس لتولي احدى الوزارات فأجاب، إذا كانت كل الوزارات تعمل حسب آرائي واستشرافاتي فلم أرضى بواحدة إذا…؟!