الخط البياني لعلاقة المعارضة الموريتانية بالنظام / عبدالله ولد اخليفه

اتسمت علاقة النظام الموريتاني الحالي - والذي وصل السلطة في انقلاب عسكري في أغسطس 2008 قبل أن يفوز في اقتراعين رئاسيين 2009 ، 2014 رافقهما كثير من الجدل- بالمعارضة الموريتانية بالتفاهم و الصدام والحركية والتحالف، قبل أن يغلب عليها طابع الجمود المشوب بالتصعيد، وعلى اختلاف طبقات المعارضين فإنهم لم يققوا يوما على أرضية واحدة من النظام، بل ظل كل حزب أوتكتل معارض يرى الأمور من زاوية سرعان

 مايعتبرها فصيل من المعارضة تصعيدا أو مهادنة غير مبرَّرَيْن، ومع أن المعارضة الآن محاورة ومقاطعة ومابينهما تضم عشرات الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات المستقلة، فإن هذا المقال الذي يحاول تتبع الخط البياني للعلاقة بين المعارضة والنظام، يهمل عن قصد بعض الأحزاب والتشكيلات المعارضة، لاتشكيكا في معارضتها، ولابحثا في خلفيات تلك المعارضة، وإنما لقناعة راسخة بأن جل تلك الأحزاب والشخصيات المعارضة لاتعارض انطلاقا من موقف مبدئي من النظام، وإنما أملت مواقفَها ظروف لحظية ومواقف للنظام من بعضها ليس إلا، لذلك سيركز المقال على معارضة ماقبل الإنقلاب الأول أغسطس 2005، كيف أدارت علاقتها بالنظام، وأين هي الآن ؟!

التكتل .. من التحالف إلى القطيعة

دعم زعيم المعارضة ورئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد داداه انقلاب ولد عبدالعزيز على أول رئيس مدني منتخب، لكنه رفض المشاركة كحزب في حكومة الإنقلاب، وفتح نافذة سمح بموجبها لقادة حزبه بالتسلل لواذا إلى الرواق الحكومي وزراء ومسؤولين في القصر، لاحقا ساءت علاقاته بالنظام عندما اتضح زيف دعاوى الإنقلابيين كما يقول فأبرَق لقادة حزبه في السراي الحكومي بضرورة "إعادة الإنتشار"، ليتضح له لاحقا أن في آذانهم وقرا مما أبرق به إليهم، فبريق السلطة ولمعان النفوذ أخذا بسويداء قلوبهم، فحال بينهم الموج ولسان حال الزعيم :

سلام عليها ما أحبّتْ لقاءَنا
فإن كرِهَته فالسلام على أخرى

وبالفعل ولى ولد داداه شطره نحو الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية فنسقوا موقفهم السياسي و أجبروا الإنقلابيين على إلغاء أجندتهم، وأنجزوا تحت إشراف دولي اتفاق داكار الذي كان بمثابة الجسر الذي عبر منه النظام إلى شاطئ الشرعية.

فارس في عرين الإنقلاب

كان زعيم فرسان التغيير النائب البرلماني السابق صالح حننا من أوائل من استبشروا خيرا بمخاض انقلاب 2008 ورأوا في الكتيبة البرلمانية فاتحة خير تنتشلهم من الضياع، فكان ممن "نسقوا" مع الكتيبة في سعيها لحجب الثقة عن حكومة ولد الوقف، ومن أوائل من رحبوا بالإنقلاب على أول رئيس مدني منتخب بل ذهب أبعد من ذلك -خلافا للتكتل- وشارك الإنقلابيين باسم حزبه في حكومتهم الأولى، ولما أزمع الجنرال قراره بالترشح في انتخابات 6/6 وفشل في الحصول على منافس مقنع، كان لابد لولد حننا أن يترشح لإنقاذ سمعة "المنقذ"، فرشح نفسه لا لينجح وإنما ليمنح انتخابات الجنرال حدا أدنى من المصداقية، لكن الشارع المعارض والضغط الدولي أفشلا ذلك المسار، فتاه ولد حننا في عموم الموالين، قبل أن ينزعه عرق المعارضة مع بداية الربيع العربي، فيحنُّ إلى جذوره المعارِضة!

مسعود.. من المواجهة إلى الإحتضان

وقف رئيس الجمعية الوطنية السابق رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود بلخير بعزم في وجه انقلاب ولد عبدالعزيز على حليفه ولد الشيخ عبدالله، وطاف أرجاء القارة الإفريقية معبئا ضده ومطالبا باستعادة الديمقراطية وتمكين الرئيس المنتخب من سلطاته، وما إن أُنجز اتفاق داكار وتربع ولد عبدالعزيز على السلطة رئيسا منتخبا، حتى بدا وكأن الزعيم قد أرهقه النضال فآوى إلى فيء الحوار مع النظام علّه يجد فيه ماعجز عن إنجازه إلى جانب زملائه في المعارضة، وظل يتمسك بالحوار دون أن يجد ذلك صدى لدى النظام، إلى أن باغته الربيع العربي، فأشهر في وجه المعارضة بطاقة حمراء رافضا بذكاء الإنجرار خلف لعبة الشارع، فوجه شطره نحو القصر، فاحتضنه النظام زعيما محاورا وديعا، ورمزا وطنيا أليفا، ومن يومها نفض يده من المعارضة، فقيض الله للمعارضين من شباب حزبه زعيم حركة إيرا الذي يرون فيه مسعودا كامل الدسم، فورث بيرامة مسعودا !

الإسلاميون.. الإنتجاع بين النصح والنطح

في غمرة الإحتجاجات المطالبة بعودة الرئيس المنتخب - التي شهدتها موريتانيا بعد الإنقلاب - التقط الإسلاميون إشارات دالة من النظام، اعتبروها كافية للتحالف مع النظام بعد إرغامه على إنجاز حل يرضي جميع الموريتانيين لتكون الغلبة بعد ذلك لمن تفرزه صناديق الإقتراع، ولعل في مقدمة تلك الإشارات الدالة على إمكانية "التفاهم" إقدام النظام في يناير 2009 على قطع العلاقات مع إسرائيل، وهو المطلب الذي طالما نادت به الطبقة السياسية و في مقدمتها التيار الإسلامي الذي كانت جل معركته مع نظام ولد الطائع تحوم حول حمى تلك العلاقة، ولم يجد الإسلاميون - خلافا لغيرهم من أحزاب المعارضة الرافضة للانقلاب - بُدّاً من الترحيب بقطع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية وعلق رئيس حزب "تواصل" آنذاك على الحدث قائلا : (هي علاقات غير شرعية أقيمت من طرف نظام غير شرعي، ومن الطبيعي أن تكون نهايتها على يد نظام غير شرعي) في تملص واضح من أي تقارب بينهم مع النظام في تلك الفترة.
استمر الإسلاميون ضمن الجبهة في الوقوف في وجه النظام وكانوا جزءا من اتفاق داكار، لكنهم دون غيرهم من مكونات الجبهة عزفوا عن دعم مرشحها مسعود بلخير ورشحوا رئيسهم محمد جميل منصور في إشارة ضمنية على أن علاقتهم بالمعارضة ليست سمنا على عسل، وبعد فوز ولد عبدالعزيز في الإنتخابات الرئاسية وما أعقب ذلك من جدل حول التزوير القائم عمد الإسلاميون في وقت مبكر إلى الإعتراف بالنتائج وتهنئة الرئيس المنتخب ومطالبة النظام بفتح حوار مع المعارضة لاستكمال مسار داكار، لكن أيا من ذلك لم يحدث فلا المعارضة اعترفت بفوز الرئيس إلا بعد سنوات، ولا السلطة فتحت الحوار إلا بعد أن التف حبل الربيع العربي حول عنقها.

وقد كان التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ 2010 أول تحالف فعلي بين حزب "تواصل" المعارض وبين حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم إذ رشح الإسلاميون والحزب الحاكم لوائح مشتركة في مواجهة لوائح رشحتها بعض أحزاب المعارضة، ومع أن المتابعين كانوا ينتظرون أن يتخذ التحالف بين الإثنين مسارات أخرى أكثر جرأة، ربما تصل إلى مشاركة من طرف تواصل لولد عبدالعزيز في الحكم فإن الإسلاميين أطلقوا على تلك المرحلة مرحلة المعارضة الناصحة، واعتبروه تحالفا انتخابيا ينتسب لوقته، لكن الهدنة بين الطرفين ظلت غالبة إلى أن بدأت بواكير الربيع العربي، فنزع الإسلاميين عرقُ الرفض وكانوا في طليعة المطالبين بالرحيل، قبل أن ترغمهم الواقعية السياسية على المشاركة دون غيرهم من أحزاب المعارضة الراديكالية  في تشريعيات نفمبر 2013، وهي المشاركة التي اعتبرها طيف واسع من المعارضة طعنة في الظهر، وطوق نجاة لمصداقية انتخابات أحادية.
لاحقا.. طبّعَ الإسلاميون علاقاتهم برفاق الدرب، واستعادوا موقعهم داخل تكتلات المعارضة.

اليساريون.. العض على المعارضة بالنواجذ

يعرف اليساريون في العالم بقوة الشكيمة والعناد ولعل يساريي موريتانيا ليسوا بدعا من زملائهم حول العالم، فقد نجح النظام الحالي خلال العقد الأخير في جر أغلب الأحزاب والقادة التاريخيين للمعارضة الموريتانية (التكتل، حاتم، التحالف، تواصل..) إلى التحالف معه مرحليا أو مشاركته في الحكم، غير أن موقف اليساريين من النظام ظل على حاله دون تغيير يذكر منذ انقلاب 2008، ومع أن عوامل عديدة ساهمت في هذه العلاقة المتأزمة بين الطرفين، فإن البعض يرجع السبب في ذلك إلى رفض النظام لأي نوع من العلاقة مع رفاق بدر الدين، إذ تولدت لدى رأس النظام نقمة على "الكادحين" منذ أيام ولد الشيخ عبدالله الأخيرة في القصر، مَردُّها اقتناع منه بأن الرئيس ما كان له أن "يتمرد" لولا "جرعات" التشجيع التي كان اليساريون يتولون حقنه بها، وعموما يحسب لليساريين موقفهم المنسجم مع النظام والذي أخذ طيلة مأموريتيه خطا بيانيا مستقيما، فهل ينحني الخط البياني لاتحاد قوى التقدم ومن خلفه المعارضة، ويقودها إلى تفاهم مع النظام في نهاية مأموريته الأخيرة؟!

14. أبريل 2018 - 12:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا