القصة: سأل أبو عقبة بن الوليد نجلَ المهرج أشعب بعد وفاته هل ترك ابوك اخوة لك لنتعرف عليهم فقد كان ابوك من حاشيتنا وقد انسنا لصحبته فأجاب بن أشعب نعم، فقد سجن الوالد من قبل والي المدينة وترك معه سلة بيض في الزنزانة وقال لن أطلق سراحك حتى يفقس البيض ولان الوالد كان توّاقا للحرية فقد احتضن البيض حتى فقس بسرعة وخرجت منه عشرات الصيصان وتفرقت في المدينة وصارت الآن بالآلاف وكلها اخوتي.
المقال: سهر القوم أصحاب الزُّقاق الآخر من جراء وقع مَدَقّ الأرقام الفلكية التي حققها الحزب الحاكم في انتسابه الحالي -قبل التمديد-واختصموا وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون، اجمع أصحاب نظرية المؤامرة منهم على ان النسب غير صحيحة وأنها نحت صوب نتائج أصوات مدينة كوبني ذائعة الصيت، بينما رفض البعض الآخر والأكثر واقعية ذلك الطرح، معللا الامر بأن اعتماد الطريقة البيومترية يقف عثرة في تلك الطريق، وان الزامية الحضور يستحيل معها حدوث تلك المهزلة، لكنه عزى الامر الى ما سماه جمع بطاقات التعريف مقابل مبالغ مالية تصرف لأصحابها من قبل السياسيين.
ولأن الرؤى قد ازدحمت في الامر كان لابد من اللجوء لملاحدة الانتماء السياسي لوضع طريقة أكثر منهجية توضح ما التبس على القوم لتكون محجة الرأي أكثر نصوعا بين يدي من يهمه الأمر.
اعتمد أحد ملاحدة الانتماء السياسي طريقة استطلاعية توضح ما التبس من حقيقة او ما يقرب منها، وهي عبارة عن عدة أسئلة يجيب عليها الجميع بشفافية وصدق وهي بالتفصيل:
هل انتسبت للحزب الحاكم؟ هل انتسب فرد من اهل بيتك؟ هل شاهدت من انتسب من اجل شخص، أو خوف على وظيفة، أو خوف على مصالح تجارية، مصالح قبلية، ضغوط عائلية، استجابة لطلب صديق، استجابة لطلب مسئول مقرب، اقتناع مطلق، مصالح حزبية متقاطعة، دافع مادي عاجل أو آجل، طمع في مركز في الحزب أو في القبيلة...؟
الغريب انه لم يسلم أحد شراك تلك الأسئلة وان الـ «لا" والامتناع عن الانتساب بحجة القناعة الشخصية كانا الغائبين الوحيدين، وبالتالي فالنتائج التي حققها انتساب الحزب كانت صحيحة بل وشفافة من الناحية الاجرائية.
التساؤل المطروح هنا إذا كان هذا حال من يحسبون عمليا على خانة النخبة المعارضة وأصحاب الرؤى والمواقف وهم من يعلنون على كل المسامع معارضتهم الشرسة للحزب الحاكم على مختلف المنابر وهم من يعرفون مالهم وما عليهم حالهم حال ابن اشعب في معرفة انتمائه لوالده، فماذا سيكون حال المواطن العادي الذي لا يهمه سوى ان يطعم عائلته او يزوج بناته شأنه شأن الصيصان؟!
ان المراهن على مواقف أي "ملطِّخ" موريتاني سواء من يلطخ الورق بحبره، أو القماش بشعاراته، او المنابر بزبَده، لهو أكبر خاسر في الكون، فجعجعة الموريتاني لا تنتج الطحين، وكلماته المنمقة وحروفه الثائرة وعناوينه العريضة لا تعبر عن مكنون شخصيته، ومعارضته المروج لها لهذا النظام او ذاك لا يحسب لها حساب، فهو انسان ميكا فيلي التكوين وغاياته لا تتعدى شخصه، ودائرته الضيقة، ولتحترق روما بعد ذلك.
ومن الناحية العملية فالكل سواء في كلا الزقاقين فهم شركاء في المصالح تتناقض تارة وتتقاطع أخرى ويبقى المواطن العادي هو الضحية غالبا في كلا الحالتين.
ولو نظرنا الى الواقع القريب لوجدنا الشواهد أكثر من ان يحصيها الكُتّاب، فهذا أكبر حزب سياسي يرحب بأغرب انقلاب، وهذا أكبر حقوقي يتحول الى سياسي تحت الطلب، وهذا أبرز مرشح يأمر مناصريه من رجال الاعمال بتمويل حملة غريمه، وهذا أبرز حزب "معارض" يستعين بغريمه "الحاكم" في حملة انتسابه ويرد عليه بالمثل في وقت الحاجة، وهذا أكبر عالم "رباني" يصدر فتاواه حسب مزاج القادة ومصالح الشركات التجارية، وهذا ألمع صحفي "محترم" يذكر أحدهم بما تشتكي الآذان من سماعه الآن، ويكتب عصماء من سيفيات ابي الطيب في مدحه حينما يقبض الثمن، أما ممارسة فعل التحول بين الاطياف فقد انتشرت حتى أصبحت لها مواسمها الخاصة.
اما انت عزيزي المواطن البسيط فلست في نظرهم الا وقودا لمحرك أهدافهم، مهما كان الزقاق الذي يصطفون فيه، وبالطبع لا يمكن ان يستغنوا عنك، رغم ان رائحتك تزكم انوفهم، لكن معرفتك بما لك وما عليك سيحول حتما دون استخدامك كمفعول ويحولك لفاعل، حيث لن يأمن السياسي ان تقاطع الجميع مولات ومعارضة، وهنا سيحترمونك ويحسبون لك ألف حساب ويخاطبون عقلك بندية وتكافؤ، ويكون التنافس على تلبية مطالبك هو وسيلتهم لجلب ثقتك، عندها ستحس أنك انسان، وتعود لكلمة "مسئول" دلالتها الحقيقية التي فقدتها مع بواكير تغير المفاهيم.
اما لو بقي الوضع على ما هو عليه فانت حر، لكن دور الضحية الذي طالما تقمصته لن يليق بشخصيتك ، وهنيئا للحزب الحاكم وهنيئا لمعارضته أيضا ببطاقتك، وهم أبرياء من أي وضع بائس ستعاني أو تشتكي منه -في نظري الشخصي-اذ ما كان لهم عليك من سلطان الا ان دعوك فاستجبت.
في المعجم السياسي قد تفرق المصالح بين رفاق النضال ويتبادلون الاتهامات والشتائم، ويموت الماضي لغير نشور، يصبح الانسان مناضلا لولائه، ويمسي فاسدا لمعارضته، لكن المصلحة الشخصية تبقى هي الركن الشديد الذي لم يفارق السياسي للحظة كي يأوي اليه.
للعبرة: مكثت الشركات البريطانية عدة سنوات في الهند بعد مقاطعتها من قبل المقاومة "الغاندية" حتى أصبح معظمها على حافة الانهيار لترحل في الأخير معلنة بذلك نهاية الاحتلال البريطاني للهند دون ان يطلق الهنود رصاصة واحدة.