عند الحديث عن الوضعية العامة للمرأة الموريتانية ؛ فإنه يجب علينا أن نكون يقظين وعلى درجة كبيرة من المصارحة. لأن الواقع الذي تعيشه المرأة اليوم ؛ هو واقع مأساوي كبير ، يكتسب قوته و "شرعيته" من مجتمع لا يقبل بريادة ولا تقديم غير الذكور.
هذا الواقع يجد جذوره البعيدة لدى الثقافة السائدة التي تجعل من المرأة كائنا دون مستوى الرجل ، وتحصر دورها في بناء الحياة على الدوران في حلقة مفرغة من المعنى ؛
تقتصر على فُهومات الزواج الإنجاب رعاية شؤون البيت..الخ.
هذا التنميط الذي ينطوي على تتفيه للمرأة لم يعد من الملائم استمراره ؛ خصوصا في ظل مفهوم الدولة الحديثة التي تقوم على فكرة المساواة بين الرجل والمرأة ، ووضعهما معا أمام نفس الفرص بدون تمييز أو إقصاء.
إن عملية التغيير الكبير لأي مجتمع ما ، نحو الرفاه الذي يتساوى فيه كافة مواطني ذلك المجتمع بدون النظر إلى أية مراكز أخرى جندرية أو لونية أو ثقافية ، غير تلك التي يخلقها القانون ؛ هي السبيل الوحيد للخروج من كافة التصورات والتمثلات الإقصائية التي يعانيها المجتمع عموما والمرأة خصوصا.
وهنا يكون العنصر الجوهري الذي يجب التركيز عليه ؛ هو أن أي عملية تغيير يراد لها أن تأتي شاملة وقاطفة لثمار النجاح ، لا تأخذ بعين الاعتبار قضية المرأة ومركزيتها الكبيرة ، ستكون في نهاية المطاف طيفا خاطفا لن يغير شيئا في عملية سريان الواقع. لأن أي مشروع تغييري ؛ بغض النظر عن أشكاله التي قد يتخذها ، لا يملك أجندة نسوية ؛ سيكون ناقصا إن لم نقل فاشلا وبعيدا عن الثورية.
في هذا الإطار شهدت الحركة النسوية عدة تحولات في سبيل ترسيخ فكرة الاحتجاج ، وكسر حواجز الصمت ؛ كان ٱخرها حراك: حمايتي بالقانون حقي ؛ والذي انبثق كصرخة مدوية على الواقع الذي تعيشه المرأة المضطهدة من قبل المجتمع الذكوري الذي يجد سنده من طرف سلطة متحكمة في كل تفاصيل الحياة العامة للمجتمع. بالإضافة إلى تحالف سيء مع القوى الرجعية المنخرطة في جسم الدولة ، وجماعات الإسلام السياسي. هذا الحلف الذي حال دون المصادقة على مشروع قانوني ضد الجرائم القائمة على النوع ، قدم للبرلمان في يناير من السنة المنصرمة.
إن من يعتبر تحرر المرأة اليوم من كل أشكال الهيمنة الذكورية ؛ شبحا سيبتلع ، أو يُلاشي ٱخر ما تبقى من القيم "الأخلاقوية" التي يؤمن بها هذا المجتمع ، هو في الحقيقة كمن يُخيف أطفالا صغارا من "گوگوه" في الأسطورة الشعبية. لأننا قد تعودنا على مثل هذه الدعايات اليوتوبية ، كل ما خرج صوت يخالف ما هو قائم من المنظومة الرجعية. فالقيم الأخلاقية التي تأسس عليها المجتمع لا تتناسب في غالبها مع البعد الأنْسَنيِّ للإنسان ، بقدر ما تتناسب وتتماهى مع المصالح العليا للطبقة المهيمنة. وهذه تكون ذكورية بامتياز.
إن من يحاول اليوم أن يضع مسألة تحرر المرأة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ؛ كأمر يتعارض مع باقي التمثلات الطبقية الأخرى للمجتمع ، يكون كمن يرتكب فعلا تشويهيًّا مقصودا بحق المرأة وحق المجتمع. لأن النظر إلى مفهوم الجندرية مستقلا عن التموضع الطبقي ؛ خطأ فادح ، فالجندر ذاته جوهر أصيل في عملية التحليل الطبقي. فأين تقع المرأة طبقيا في سلم مجتمعنا ؟ سؤال حري بالإجابة عنه من يُقصي البعد النسوي/الجندري من مفهوم الطبقات.
إذن فإن الواقع الٱن يقول ؛ أن عملية نشر الوعي مستمرة ، وثقافة التغييب لم تعد ملائمة للعصر وهذا يتطلب مزيدا من المُرونة من طرف المجتمع في تعامله مع مستجدات الساعة. المرأة اليوم لم تعد تؤمن بالمقولات الميثولوجية ، التي رسخها المجتمع البطريركي على مدار أعوام عديدة ، فهي لم تعد فقط كما يتصورها من يريدها أن تقضي حياتها بين البيت والقبر.
المرأة اليوم تجد ذاتها كيفما شاءت هي ، لا كما يشاء المجتمع. هذه حقيقة على الجميع إدراكها والانصياع لتطبيقاتها على أرض الواقع. وعلى الطامحين جميعا للتغيير أن يدركوا حقيقةَ أنه تأريخيا ؛ لم تنجح أية مشاريع تغييرية بدون طليعة نسائية فعالة وواعية بذاتها. فلا وجود لمجتمع متحرر بدون نساء متحررات والعكس صحيح. فالجماهير في نهاية المطاف كتلة واحدة لا تتجزأ ، إما أن تكون حقيقة أو تكون سرابا.