من يتأمل حالنا اليوم لا يمكنه أن يصدق بأنه حدث في هذه البلاد أي تناوب سلمي على السلطة في يوم 19 إبريل 2007، ولا يمكنه أن يصدق بأن أنظار العالم قد اتجهت إلينا في ذلك اليوم ونحن نعيش أفراح أول تناوب سلمي على السلطة.
صحيح أن الانتخابات التي أفضت إلى أول تناوب سلمي على السلطة في موريتانيا في يوم التاسع عشر من إبريل 2007
لم تسلم من بعض الأخطاء والشوائب، ولكنها شكلت في المجمل تطورا كبيرا إذا ما قورنت بما عشناه من قبل ذلك ـ وما سنعيشه من بعد ذلك ـ من مسرحيات انتخابية هزيلة، ومن
عمليات تنصيب باهتة.
تمر علينا في هذا اليوم الذكرى الحادية عشر لتنصيب أول رئيس موريتاني
أوصلته صناديق الاقتراع إلى الرئاسة، تمر علينا هذه الذكرى ونحن نعيش
أسوأ عملية انتساب في تاريخ الأحزاب الحاكمة في موريتانيا، ونعيش كذلك
تشكيل أسوأ وأسخف لجنة انتخابية عرفتها البلاد في كل تاريخها مع احترامي
الشخصي لكل أعضاء هذه اللجنة.
المفارقة العجيبة هي أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي ضمن الفوز في أي
استحقاقات قادمة، إذا ما صدقنا رقم المليون منتسب، لم يمتلك الجرأة
الكافية لأن يشكل لجنة انتخابية تتمتع بالحد الأدنى من المعايير المطلوبة
مما يعني بأنه لم يصدق كذبة المليون منتسب، ولو أنها صدق تلك الكذبة
لامتلك الجرأة لأن يشكل لجنة انتخابية توافقية وفق الحد الأدنى من
المعايير المطلوبة.
إن الطريقة التي تم بها الانتساب إلى الحزب الحاكم، والتي أوصلت
المنتسبين إلى ما يزيد على المليون، وإن الطريقة التي تم بها تشكيل
اللجنة المستقلة للانتخابات، وجعلتها لجنة من الأقارب، إن كل ذلك ليؤكد
بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي وصل إلى السلطة بخلق أزمة يعمل الآن
مع نهاية مأموريته الثانية على خلق أزمة أشد وأخطر، وإذا ما ظلت الأمور
تسير في هذا الاتجاه فإن الانتخابات القادمة ستعمق الأزمة السياسية
وستفجر أزمات جديدة سيكون من الصعب جدا الخروج منها بدون تكاليف كبيرة.
إن أي نظرة متأملة للخط البياني للمسار الديمقراطي في مقطعه الزمني الذي
يبدأ من يوم 19 إبريل 2007 وينتهي ب19 أبريل 2018 ستؤكد بأن بلادنا تسير
بسرعة جنونية إلى الوراء، وإذا ما استمر سيرنا إلى الوراء بهذه السرعة
الجنونية فإننا سنجد أنفسنا ـ لا قدر الله ـ قد عدنا وفي سنوات قليلة إلى
بلاد سائبة تتصارع فيها القبائل والأعراق والشرائح.
لم نكن نتوقع أبدا ونحن الذين عشنا انتخابات 2006، وتنصيب رئيس منتخب في
مثل هذا اليوم من العام 2007، لم نكن نتوقع أن نستيقظ مع الذكرى الحادية
عشر لذلك اليوم على لجنة انتخابية تم اختيار حكمائها على معيار القرابة،
فاختار الدكتور والأستاذ الجامعي ورئيس حزب "معارض" شقيقه، واختار الفقيه
الذي يرأس حزب الفضيلة ابن الأخت، واختار رئيس حزب المليون منتسب صهره،
واختار رئيس البلاد الأقارب والمدافعين عن التعديلات الدستورية.
هذه ليست تشكيلة لائقة بلجنة انتخابية محترمة، ولو كان حكماؤها ـ الذين
أدوا القسم يوم أمس ـ يتمتعون بشيء من الحكمة لرفضوا العضوية فيها،
ولنصحوا أقاربهم الذين اختاروهم بأن يختاروا أسماء أخرى لا تربطهم بها
أية صلة قرابة، ولا زبونية سياسية، ويتمتع أصحابها بما يلزم من خبرة ومن
كفاءة في مجال القانون والإدارة وحسن التسيير.
هذه التشكيلة لا يمكن وصفها بأنها تشكيلة للجنة انتخابية مستقلة، ويكفيها
من عدم الاستقلالية أنها أكثر تبعية من التشكيلة السابقة، والتي كان قد
وصفها رئيس التحالف الشعبي التقدمي بأنها "لجنة الفيافي ولخروطي". فبِم
سيصف رئيس التحالف الشعبي التقدمي هذه اللجنة الجديدة عندما يغضب بسبب
الأرقام الهزيلة التي سيحققها حزبه في الانتخابات القادمة، والتي ستكون
بعيدة من الشفافية إذا ما أشرفت عليها هذه اللجنة؟
ولتتأكدوا بأننا أمام عمل استفزازي وعبثي لم يحترم النصوص القانونية،
فإليكم بعض الشروط التي جاءت في المادة الثالثة من المرسوم الصادر بتاريخ
03 مايو 2012، والمحدد لإجراءات تعيين لجنة تسيير اللجنة الوطنية
المستقلة للانتخابات. هذه بعض الشروط والمعايير التي يجب أن تتوفر في
العضو في لجنة الحكماء:
ـ أن يكون مشهودا له بالكفاءة والاستقامة الأخلاقية والنزاهة الفكرية
والحياد والتجربة
ـ أن تكون لديه كفاءة ثابتة في التسيير الإداري العمومي أو الخصوصي مع أن
خبرة حقيقية في تنظيم الانتخابات مسألة مرغوب فيها.
ـ أن يكون معروفا باستقلالية التفكير وعدم التحيز والصدق و بالاستقامة الأخلاقية .
ـ أن لا يكون قد ناضل بصفة نشِطة خلال العشر سنوات الماضية ضمن حزب
سياسي أو هيئات ذات صلة أو في مجموعات صغيرة أو منظمات للمجتمع المدني
تحمل أفكارا تقوض التماسك الاجتماعي أو القيم الدينية أو الثقافية للبلد.
ـ أن لا يكون هو نفسُه أو زوجه مرتبطيْن بعلاقة قرابة من الدرجة الأولى
مع زعيم لحزب سياسي أو عضو في الحكومة
- أن لا تكون له مصالح خاصة اجتماعية أو اقتصادية مع زعيم لحزب سياسي
أو عضو في الحكومة.
حفظ الله موريتانيا..