هل من أمل في نهضة البلدان العربية بعد الربيع العربي؟ / محم ولد الطيب

العدالة المفقودة والحرية المسلوبة والديمقراطية المجهضة قيم سياسية اتسم بها الواقع العربي قبيل هبوب رياح الربيع العربي وقد كانت هاجسا عميقا حرك الشعوب العربية وأخرجها عن صمتها المزمن بعد طول انتظار تحت وطأة الاستبداد والدكتاتورية التي كانت ينظر إليها على أساس أنها العنوان الأبرز المميز لحكام العرب، إلا أن المطالب كما يقال لا تدرك بالتمني والقعود وإنما بالسير الحثيث وراءها دون كلل.

كان العالم العربي كعادته يغط في سباته العميق وغفلته المعهودة وكان الحكام حينها يسرحون في أحلامهم الوردية وكأن العالم العربي يسير على بصائر سياسية مثالية تسد الطريق أما كل  احتمالات الانتفاضة والحركات  الثورية  غير أنهم كانوا غافلين عن أن القمع والظلم والاستبداد بالثروة وسوء توزيعها عوامل كافية لوحدها لحدوث الثورة، حتى أقدم  محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه احتجاجا على الأوضاع المزرية التي يعيشها بلده، لتجد الشعوب في هذه الحادثة العابرة على بساطتها ذريعة سياسة للثورة على النظام سبيلا إلى الخروج من قبضة الاستبداد المغلف بالعلمانية المتطرفة.

كانت حادثة المحرقة على بساطتها إلهاما سياسيا قويا  للشعب التونسي أيقظه من غفلته وأنار له الدرب نحو استعادة حريته المسلوبة وعبَّد له الطريق نحو مزيد من الديمقراطية ومثلما كانت الحادثة إلهاما للشعب التونسي كانت تونس بدورها فاتحة لتابوت الربيع العربي وليتها لم تفعل فقد فتحت على العالم العربي لا إراديا بابا جهنميا لم يغلق حتى الآن إذ ظنت الشعوب العربية الأخرى آنذاك أن الفرصة مواتية للتخلص من قبضة الطغاة فاندلعت الثورة تباعا في مصر وسوريا واليمن وليبيا ودبت الاضطرابات السياسة في باقي بلدان العالم العربي ،غير أن الثورات على ما يبدو كانت منطلقاتها متباينة الأسباب لكن كان لها نفس النتائج وإن اختلفت في تفاصيلها إذ أن القاسم المشترك بينها هو العدمية السياسة وغياب الحسم ولهذه الاعتبارات كان الربيع العربي جحيما اكتوت بنيرانه البلدان العربية ولازالت تدفع فاتورة نتائجه الوخيمة وخير دليل على ذلك ما نراه اليوم في سوريا حيث شرد الملايين من منازلهم وقتل الآلاف من المدنيين   فضلا عن كون سوريا قد أضحت من بعد كونها جنة ساحرة ينعم سكانها بالأمن والعافية وأيقونة الأمة العربية إلى ميدان لخوض المعارك العبثية ومسرحا لتجريب الأسلحة المحرمة دوليا وملاذا آمنا لاستفحال ظاهرة الإرهاب وباتت عودة المياه إلى مجاريها شبه مستحلية.

أما اليمن فقد كانت نتائج الربيع العربي فيه كارثية أفضت إلى تدميره بالكامل وتهجير سكانه وتخريب حضارته العريقة التي تحولت بفعل الدمار إلى أطلال بالية لم يعد يبكيها الشعراء  فضلا عن إيقاظ الفتنة الطائفية  النائمة بين اليمنيين الذين كانوا بالأمس القريب يدا بيد .

أما في ليبيا فقد حولها الربيع العربي من جماهيرية اشتراكية مستنيرة ينعم فيها المواطن بكل ما تصبو إليه نفسه، إلى أرض سائبة لا استقرار سياسي فيها ولا هناء، خصبة لتنامي الصراعات القبلية والطائفية التي اندلعت فيها ولم تخمد جذوتها بعد.

كانت تلك هي الصورة الحقيقية التي تركها الربيع العربي في الذاكرة الجماعية العربية ، إلا أن الإشكال الآن بالنسبة لنا لم يعد هو مساءلة الربيع العربي وتقييم نتائجه هل كانت سلبية على البلدان العربي أم إيجابية فقد بات هذا الأمر شبه محسوم فلم يعد هناك مجال للشك بعد الآن في خطورة الربيع العربي  وإنما المطروح هو هل يمكن للبلدان العربية أن تنهض بعد تريديها في مستنقع الربيع العربي الذي ردها إلى الوراء.

إن الاعتراف بسلبية الربيع العربي والنظر إليه من زاوية عقلانية لا من زاوية عاطفية تقض الطرف عن مثالبه وتضع نصب الأعين مستقبلا ورديا معقودا بنواصي الثورة هو الخطوة الأولى

20. أبريل 2018 - 11:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا