القصة: ورد في الأسطورة الشعبية ان أحدهم جاء الى القاضي ليشهد على لصوص في حادثة سرقة وحينما سأله القاضي متى وأين حصلت السرقة أجاب لا علم لي بالوقت ولا بالمكان الذي حصلت فيه فاستغرب القاضي وأعاد السؤال متشنجا وكيف إذا رأيتهم يسرقون فأجاب لم ارهم يسرقون بل رأيتهم يقتسمون ما سرقوه.
المقال: لم يكد الشارع الموريتاني يستفيق من صدمة "مباضعة" الحوار السري بين المنتدى والاغلبية حتى صعق بإعلان حفل تأبينها في معادلة كان تبادل الأدوار بين زواياها سيصب أكثر في المصلحة العليا للبلد وينهي قرابة عقد من القطيعة السياسية –العلنية– بين ألوان الطيف السياسي الوطني.
لا يهم ان كان الحوار سريا او علنيا ولا يهم ان كان الإعلان عن فشله سريا او علنيا لكن الواقع سيكون أفضل بكثير وخيط الأمل سيبقى أطول بالتأكيد لو كان ميلاده علنيا والاعلان عن وأده سريا، عكس ما حصل في الواقع فإعلان الفشل فشل في حد ذاته بل واسوء من الفشل المبدئي خصوصا إذا كانت مادته ولدت في السر.
وقد نتفهم مبدأ السرية في الحوار خصوصا إذا كان بعد قطيعة طال امدها وحبال ود قد انصرمت من بعيد، لكن وضع السرية كشرط للحوار لن يعد مفهوما ولا مستساغا بالمرة، إذ ان تسلسل الاحداث يوضح ذلك، فما ان سربت الوثيقة حتى كان ذلك اعلانا لفشلها، مما يعد دليلا واضحا على اشتراط السرية كمبدأ له، وهو تجديف في المصطلحات الحوارية التي تعارف عليها العالم منذ الأزل.
لكن الحوار السري قد فشل وسفينة الواقع قد مخرت عباب العاصفة ومضت في امواجها المتلاطمة لذلك فان من حقنا ان نتساءل عن الربان التي خرق السفينة وفتح شراعها امام العاتيات لتجنح بها نحو محور الزوبعة بعيدا عن شاطئ النجاة، ثم لمصلحة من كان ذلك ومن الرابح منه ومن الخاسر أولا وأخيرا.
وبمنهجية مبعثرة وبعيدا عن التعريض والاشارة فان كينونة الجمهورية هي الخاسر الأكبر في ذلك وبالتالي ساكنتها من المواطنين تحت العاديين ثم العاديين ثم الطبقة العاملة تلو ذلك في منهج تصاعدي، تقل خطورته كلما اتجهنا نحو القمة أكثر فأكثر، وبالتالي فان المسئول عنه لم يراعي مصلحة البلد، مما يطرح التساؤل حول مدى وطنيته وجدارته بممارسة الشأن العام، واخلاصه في المسؤولية تجاه الوطن والمواطن.
ومادام المعروف بالحد لا يحتاج الى العد فمن الواضح للجميع ان الحوار السري كان بين طرفين هما المنتدى والاغلبية وكلاهما يريد الحوار اذ لو لم يكون هو هدفه لن يولد هذا الحوار السري أصلا، والمنتدى يتألف من فصيليه السياسي والمستقل وهذا الأخير غير مسئول عن الحوار عمليا فهو عبارة عن شخصيات ومنظمات مستقلة تتشارك مع المنتدى في معاضة الحكم القائم حاليا ويعد دورها هامشيا بالمقارنة مع الأحزاب بما لهذه الأخيرة من وزن وقواعد شعبية، لذلك فان المعطيات العملية ترجح ان تنحصر المسؤولية في الجناح السياسي للمنتدى.
وإذا كان الزعيم محمد ولد مولود تحمل مسؤولية فشل الحوار في احدى خرجاته الإعلامية، فإن جنوح الرجل المعروف للحوار وقدرته الكاريزمية على الخروج بنتائج مرضية منه، تجعل من المستبعد ان يكون هو المسئول فعلا عن ذلك، بل المرجح ان يكون ذلك التحمل ليس الا رسالة موجهة لشريك الحوار، تفيد ان وضعه الثقة فيه كان خطأ في حد ذاته، ومن فعله فعليه تحمل المسؤولية.
ومن المستبعد أيضا ان يكون أحد أعضاء أحزاب المنتدى هو المسئول عن ذلك، اذ أن ناقوس خطر تلك الأحزاب أصبح يدق باستمرار، بسبب خطورة القطيعة السياسية على احتفاظها بقواعدها الشعبية، ونتائج انتساب الحزب الحاكم أقرب شاهد على ذلك، بل المرجح ان يكون اللقاء الذي أعلن عنه بين الرئيس عزيز وزعيم تواصل جميل منصور ابان رئاسته للمنتدى، ان لم يكن مبادرة من الأخير كان مرحبا به من قبله ومن قبل كتلته، اذ أن الوضع القائم يهدد مصالحهم ويهدد بقاء احزابهم وكينونتها الفعلية.
وإذا كانت جميع الفصائل في المنتدى باستثناء ما ذكر ءانفا قد اختارت وضع الصامت – خجلا من موقفها امام الجمهور-على المرجح منذ اعلان فشل الحوار السري، فان ذلك يعد أخلاء لساحتها من المسئولية عن فشله، اذ ليس من المعقول ان يدخلوا في حوار سري يفقدهم دور الممانعة التقليدي، ثم يبخلوا عليه بوسائل تقود الى نجاحه وتحفظ لهم ماء الوجه امام الرأي العام مهما كانت تلك الوسائل مجحفة، وبالتالي فمن غير المنطقي إذا ان يكونوا هم السبب في فشله.
أما لو ذهبنا الى الفسطاط الثاني فإننا نجد الأغلبية الحاكمة، والمتألفة من أحزاب سياسية ثانوية تدعم شخص الرئيس وتتشارك الرؤية مع حزبه، لكن دورها يبقى اقل من الهامشي وفاعليتها تبقى اقل من البسيط، بالمقارنة مع حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، وحتى لو كان المحاور عن الأغلبية رئيسا لأحد تلك الأحزاب، لكنها تبقى في نظر الكثير من المراقبين مجرد أضلع هامشية في الهيكل الضخم لحزب الاتحاد الحاكم، وبالتالي فان المسئولية تبقى منطقيا منحصرة في الحزب الحاكم.
وإذا كان المراقبون يجمعون على ان الحزب الحاكم يتشكل من جناحين متصارعين، هما جناح الحكومة وجناح الحزب فان النتائج غير المنتظرة التي فاجأت الجميع وأدهشته، تلك التي حققها جناح الحزب في حملة الانتساب الأخيرة، ستحسب لرئيسه الحالي بل وتجعل منه المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة القادمة ما بعد 2019 في نظر الكثيرين، مما يعني خروجا لجناح الحكومة الحالي من حسابات اللعبة، وبالتالي انهاء لشهر العسل الذي اعلن عنه بين الطرفين خلال حملة الانتساب، ضف الى ذلك المعطيات التي تؤكد احتفاظ الرئيس عزيز برئاسة الحزب بعد خروجه من الرئاسة، مما يجعل التفرغ لكتابة المذكرات هو الخيار المتاح امام الحكومة.
لذا فإن نجاح أي حوار بين الأطراف السياسية، يعني عمليا تنظيم الاستحقاقات الرئاسية القادمة في موعدها، وبالتالي خروج جناح الحكومة من اللعبة، بعكس وضعية الخلاف القائم حاليا والتي ربما تمدد الفترة، لذلك فان اللعب على ورقة الوقت في انتظار عنصر المفاجئة، لن يكون غريبا على جناح الحكومة، والذي فقد معظم أوراقه خلال المأمورية الحالية وما امتازت به من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وامنية، افقدته ثقة غالبية الشعب وصارت تنشد التغيير أينما كان، مما يجعله امام خيارين، إما نظرية احراق المراكب، أو اللعب على ورقة الوقت في انتظار المفاجئة، وبالتالي فان سهولة الخيار الأخير تجعل منه الخيار الأمثل، اذ ان الخيار الأول نوع من الانتحار السياسي وفقدان ثقة الرئيس والشعب معا.
وإذا كانت آليات الصراع بين أطراف الحزب الحاكم خلال الفترة الماضية قد انحصرت في حرب الوثائق المسربة، فان الضربات الموجهة لجناح الحزب، كالضربة التي وجهت لأحد أبرز مقربيه على سبيل المثال لا الحصر، والذي كان يدير احدى أمهات الاعلام العمومي، كانت عبارة عن وثيقة سربت لوسيلة إعلامية مخصوصة، وهي نفسها التي نشرت وثيقة الحوار السري بين الأطراف السياسية.
ومن خلال المعطيات التي ذكرت وهي السلاح المستخدم في الحادثة وهو الوثيقة، ودواعيها وهي كسب الوقت في انتظار المفاجئة، وهدفها وهو القضاء على الخصم، والوسيلة وهي المؤسسة الإعلامية المخصوصة، يمكن ان نخمن بطريقة منطقية من هو المسئول عن فشل الحوار السري بين المنتدى والاغلبية.
للعبرة: عثر على جثة أحد الزمارين بعد وفاته بعدة أيام وتبين اثناء التشريح انه ظل يحرك أصابعه لفترة زمنية بعد وفاته لأنها تعودت ان تتحرك تلقائيا اثناء عزف المزمار فضربوا به المثل (يموت الزمار وأصابعه تلعب).