المانكو.. معالي وزيرة الزراعة / محمدو ولد البخاري عابدين

نستغل هذه السانحة أولا لتهنئة السيدة معالي وزيرة الزراعة على تكريمها بجائزة الشخصية الاقتصادية العربية في لندن مؤخرا، ونحن متأكدون من أن ذلك التكريم سيظل حافزا لها على مزيد من الجد والعمل والمثابرة في قطاعها الأساسي والحيوي.
لقد بدأت ممارسة الزراعة المروية في بلادنا، وخاصة زراعة الأرز، مع تجربة مساحة سهل " أمبورييه " بمدينة روصو سبعينات القرن الماضي من خلال المزرعة

 النموذجية التي أقامها الصينيون هناك، وكانت هي المنطلق الذي انطلقت منه وتوسعت حقول الأرز فيما بعد. وأقول دائما إنه لو كان الصينيون بدؤوا تجربتهم في هذه المساحة بزراعة محصول آخر غير الأرز لكان ذلك المحصول هو العمود الأساسي لزراعتنا المروية اليوم، فلو كانوا زرعوا القطن مثلا لكانت جل مساحاتنا اليوم مزروعة بالقطن، ولو كانوا زرعوا الذرة الصفراء أو القمح أو الشعير لكانت هذه المحاصيل هي جل زراعتنا اليوم.. ذلك أنه لم تكن لدينا، تاريخيا، زراعة مروية متوارثة، والمزارع بطبعه مجبول على ممارسة الزراعة التي وجدها ممارسة أمامه، مع الحذر والريبة من ممارسة أية زراعة لمحصول آخر لم يتمكن بعد من تقنيات زراعته وليس متأكدا من جدوائيته..
ومعروف أن هناك علم قائم بذاته يعرف بعلم الإرشاد الزراعي الذي لا يتعلق فقط بإدخال التقنيات الزراعية الجديدة وبثها بين المزارعين، لكنه يقوم أيضا بإدخال الأصناف الجديدة ذات المواصفات النوعية الجيدة والإنتاجية العالية، وبإدخال محاصيل جديدة قد تكون أقل تكاليف إنتاج وأكبر مردودية اقتصادية، لكن المزارع يبقى متوجسا من زراعتها مفضلا زراعة المحصول الذي خبر تقنيات زراعته ولم يكن يجد صعوبة في تسويقه.
ويبذل القائمون على الإرشاد الزراعي عادة جهودا كبيرة وينتظرون وقتا طويلا لإقناع المزارعين باتباع تقنيات زراعية جديدة أو زراعة محاصيل مستجدة، ويستخدمون في ذلك الكثير من وسائل الإرشاد من حملات تحسيس في أوساط المزارعين، ومن برامج إذاعية، ومشاهدات ( Démonstrations ) تقام في مساحات المزارعين لإقناعهم بجدوائية محصول معين، وفي بعض البلدان تكون المساحات الزراعية موزعة من طرف القطاع الزراعي الذي يقوم بتحديد المساحات المخصصة لكل محصول بشكل إلزامي، مع دعم المزارع طبعا ومواكبته في زراعة المحصول الجديد الملزم بزراعته إلى أن يزرعه لسنوات متتالية ويتمكن من تقنية زراعته ويطمئن لجدوائيته..
نعم، لقد بدأنا قطاعنا المروي بزراعة الأرز أساسا، وقد تطورت الاستصلاحات والمساحات المزروعة منه خلال السنوات الأخيرة، كما تطورت نوعية الإنتاج ولقي إقبالا من المستهلكين، وثبتت وجاهة قرار الدولة بالتخلي عن سياسة تسويق المنتج وما كان يتخللها من غش وتلاعب أضر بنوعية الأرز المحلي وبسمعته وتتواصل الجهود لتعزيز تلك المكاسب، فقد تضاعف عدد معامل تقشير الأرز ( نقول معامل تقشير وليس مصانع لأن الأمر هنا يتعلق بتقشير وتبييض وليس صناعة.. )، الشيء الذي مكن المزارع الجاد صاحب المنتوج الجيد من وجود شريك يتعامل معه في تقشير وتسويق منتوجه هو صاحب معمل التقشير بطريقة مربحة للطرفين.
إلا أنه لا زالت لدينا مقدرات زراعية أخرى لم يتم استغلالها بعد في مجال التنويع الزراعي الذي يعني التنويع في زراعة المحاصيل وخاصة منها تلك التي نحتاجها في غذائنا كالمحاصيل الزيتية من عباد شمس وذرة وفول سوداني، وكالمحاصيل البقولية ذات القيمة الغذائية العالية من لوبيا وعدس وبسلة وفاصوليا.. فباستثناء محصول القمح لم نقم بعد بإدخال هذه المحاصيل في منظموتنا الزراعية.
التنويع الزراعي يعني أيضا زراعة الخضروات والفواكه، وقد قطعت خطوات لا بأس بها في اعتماد استراتيجية لتوفير حاجة البلاد من الخضروات خصوصا في موسم الشتاء الملائم من حيث المناخ لزراعة أغلب أنواع الخضروات، لتبقى الحاجة لوضع آليات تمكن من زراعة وإنتاج الخضروات في فصلي الصيف والخريف اللذين لا تنجح فيهما عادة زراعة أغلب أنواع الخضروات إلا بتقنيات خاصة لا تزال غائبة عن تفكيرنا وخططنا الزراعية، وننبه دائما إلى إمكانية استغلال منطقة نواذيبو ومناخها المعتدل لتكون عاصمة لزراعة حاجة البلاد من الخضروات في هذين الفصلين ( مايو إلى نوفمبر ) حيث لا تكون مناطق البلاد الأخرى ملائمة لزراعة الخضروات، لكن مع استخدام تقنيات الري الحديثة المقتصدة للماء..
أما زراعة الفواكه فلا ينبغي أن يذهب بنا الخيال بعيدا حول إمكانية التوسع أو بالأحرى البدء في إدخالها في منظومتنا الزراعية، فنطاق ما يسمح مناخنا بزراعته من الفواكه يعتبر ضيقا ويقتصر على بعض الفواكه الاستوائية، وإن كانت الفواكه الاستوائية لا تقل أهمية عن أنواع الفواكه الأخرى التي لا تنمو أو تنتج إلا في المناخات التي تشهد فترة من الصقيع شتاء كالتفاح والبرتقال والكمثرى والمشمش والخوخ.. وإذا كنا لا نستطيع القفز على عوامل المناخ، فإن ذلك لا يمنعنا من استغلال مقدراتنا وطبيعة مناخنا في زراعة أنواع الفواكه التي تمنحها تلك المقدرات ويسمح بها ذلك المناخ..
وتعتبر فاكهة المانكو من أهم أنواع هذه الفواكه، فحتى لو كانت هذه الفاكهة تأتينا موسميا وافرة ورخيصة من بعض البلدان المجاورة جنوبا، حيث تنبت هناك أساسا في غابات طبيعية ونعتقد أنها فاكهة تافهة.. إلا أن الأمر ليس كذلك، فالمانكو فاكهة شهية ولذيذة، ومن حيث القيمة الغذائية غنية بفيتامينات " أ " و " ج " وبالألياف الجيدة لعمليات الهضم، وبمضادات الأكسدة الواقية من السرطان، وبالعديد من الأحماض الأمينية الضرورية لصحة الجسم..
إلا أنه، وبالعودة إلى ما بدأنا به من تاريخ مزارعينا مع الزراعة وتعودهم على زراعة محصول بعينه، فإنه من المستبعد أن يقبلوا على زراعة هذه الفاكهة من تلقاء أنفسهم، أولا لكون زراعتها ليست من ثقافتهم، وثانيا لكونهم بطبعهم مستعجلون ولا يفضلون إلا زراعة ما سيُدر عليهم بعد أشهر من زراعته.. والمانكو كغيره من الكثير من الفاكهة لا يبدأ الإنتاج إلا بعد أربع أو خمس سنوات من زراعته، الأمر الذي يتطلب عملية تحفيز لجر المزارعين لزراعة هذه الفاكهة، فالمثل يقول إنك عندما ترقص مع الأعمى فلا بد لك من أن تلمسه لكي يشعر بأنك تراقصه..
واقتراحنا هنا هو القيام ببرنامج لزراعة المانكو عن طريق ربط المدخلات والتسهيلات التي تقدمها الدولة لكل مزارع كالقرض والأسمدة والمبيدات المدعومة بوجود مساحة من أشجار المانكو في كل حقل أرز، نصف هكتار مثلا من هذه الأشجار بالنسبة لصاحب الخمسة هكتارات، وهكتار واحد لصاحب العشرة هكتارات، وهكتاران لصاحب العشرين هكتارا وهكذا.. بحيث لا يحصل على هذه المدخلات والتسهيلات إلا من توجد بحقله مساحة من أشجار المانكو..
فعن طريق هذا البرنامج سنحصل على مساحات كبيرة من هذه الفاكهة ونحقق بذلك عدة مزايا، فمن ناحية يتحقق للمزارع دخل سنوي إضافي يزيد من دخله أو يعوضه في حالة تدني مردوديته من محصول الأرز، ومن ناحية أخرى تفيدنا هذه الأشجار الكثيفة في حماية سهل " شمامة " من زحف الأتربة، ونحصل على إنتاج وفير من هذه الفاكهة التي تقوم عليها صناعات العصائر، ومطلوبة أيضا في الأسواق العالمية بحيث يمكن تصديرها إذا كانت جيدة ومنافسة، وكل هذا سيشكل حافزا لمستثمرين آخرين على التوسع في زراعتها بعد أن يكتشفوا قيمتها.
إلا أن هذه الخطة يجب أن تكون على أساس برنامج جيد الإعداد، له وسائله وفنيوه بحيث لا تتم إلا زراعة الأصناف جيدة المذاق والأشكال والأحجام، وتحظى بالمتابعة الفنية إلى أن تبدأ في الإنتاج، وبعدها نحن متأكدون من أن المزارع سيهتم بها بعد أن يتأكد من أنها أصبحت جزء من حقله تمده كل سنة بإنتاج إضافي وتؤمن له دخلا يعوضه في حال خسارة أو تدني محصوله من الأرز.

22. أبريل 2018 - 13:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا