في عام 1957 اختيرت منطقة نواكشوط الساحلية لتُنقل إليها العاصمة الموريتانية من مدينة سان لويس السنغالية والتي كانت حينها عاصمة للمستعمرت الفرنسية في غرب افريقيا والتي كانت موريتانيا من ضمنها في تلك الفترة، لتصبح عاصمة للدولة الموريتانية الجديدة، بعد وضع حجرها الأساس رسميا في الـ5 مارس 1958 من قبل الرئيس الراحل المختار ولد داداه والرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول
لتتحول نواكشوط من قرية صغيرة وسط صحراءٍ موحشةٍ، تفتقر للمياه الجوفية الصالحة للشرب، وتعاني نقصا حادا في مياه الأمطار، إلى أهم المدن الموريتانية، كعاصمة سياسية للدولة الناشئة، ولم يكن نقل العاصمة الموريتانية إلي نواكشوط قرارا إستراتيجيا بقدر ماهو قرار سياسي كما لم يخْل أيضا إختيار الموقع من نزعة جهوية، ويحضي موقع مدينة نواكشوط الجغرافي بمناخ معتدل اعتبره المؤسسون مكانا مناسبا لإقامة أصحاب القرار السياسي واستضافة البعثات الدبلماسية الأجنبية، ولم تؤسس مدينة نواكشوط كعاصمة لدولة بقدر ماهي حديقة أو منتجع للطبقة البرجوازية من المجتمع، وقد كان أكثر المؤسسين تشاؤما يتوقع ارتفاع أعداد سكان المدينة إلي 40 ألف نسمة في غضون 20 عاما، يكون جلهم من المثقفين وأصحاب الرأي وعوائل العمال والموظفين،
لكن موجات الجفاف التي ضربت البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ونجم عنها نفوق الكثير من المواشي وجفاف العديد من المزارع أدت إلي تدفق مئات أسر المنمين والمزارعين المسحوقين إقتصاديا باتجاه العاصمة الوليدة بحثًا عن حياة أفضل، وهو ما ضاعف بشكل كبير وسريع أعداد السكان، حيث فاقت كل التوقعات وأربكت كل الحسابات، إذ قفزت من 2،000 نسمة عام 1958 إلي 20،000 عام 1969 ومنها إلي 134،704 عام 1977 ومنها إلي 325،393 عام 1988 ومنها إلي 558،195 عام 2000 ومنها إلي 958،399 عام 2013، ووفقًا لبعض التقديرات فقد تجاوز العدد أكثر من 2 مليون نسمة، والعدد مرشح للزيادة،
وتعد العاصمة الموريتانية نواكشوط هي أكبر المدن الموريتانية وأكثرها كثافة سكانية ولاتزال حتي اليوم تترنح في مخلفات أخطاء المؤسسين وتدفع أثمان إهما الحكام المفسدين وترزح تحت وطأة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المستفحلة والبداوة المتأصِلة في المواطنين وأعباء المهاجرين القادمين من الداخل، بالإضافة إلي المقيمين في المدينة من أصول وعرقيات مختلفة، إذ تسكن مدينة نواكشوط جاليات كبيرة من عرقيات وديانات مختلفة، ما بين العرب والأفارقة والأوروبيين والآسيويين المقيمين في المدينة، والسياح الزائرين وعمال الشركات الأجنبية التي تستثمر في موريتانيا، وتعاني مدينة نواكشوط منذ تأسيسها إلي اليوم من عدة مشاكل وأزمات لا تزال عصية علي الحل، منها ماهو ناجم عن طابع البداوة السائد في المجتمع الموريتاني، ومنها ماهو ناجم عن الارتفاع الكبير لنسب سكان المدينة والأعباء المضاعفة علي الخدمات والطلب المتزايد عليها والإستغلال المجحف لها، وفي كل الحالات فالإهمال هو كان سيد الموقف، وتعاني مدينة نواكشوط منذ تأسيسها من عدة مشاكل وأزمات تمخر عباب مختلف المجالات والقطاعات،
فعلي مستوي العمران تتمير المرفلوجية الحضرية لمدينة نواكشوط بالغموض والأرتباك تما كما في المدن القديمة حيث تتمركز فيها المباني السكنية حول المساجد والأسواق والأماكن العامة التي يرتادها الجميع، وهو ما يحول الطرق والشوارع المؤدية إلي المراكز العمومية إلي طرُق مسدودة، بالإضافة إلي انتشار الأحياء العشوائية وأحياء الصفيح التي تشوه مظاهر العاصمة الموريتانية نواكشوط التي تعاني من عدم التجانس بين مبانيها، إذ ليس فيها حي سكني من نوع ولا من حجم واحد، إذ تجد الكوخ أو العريش الصغير يقع بجانب العمارة الشاهقة في مظهر مقزز حقيقة لا يمكن أن يكون إلا في نواكشوط، كما تعاني أيضا مدينة نواكشوط من غياب شبه كامل لشبكات الصرف الصحي بسبب الإهمال وسوء التسيير واللا مبالاة وعشوائية توسع المدينة وفوضويته، وقد وقعت الحكومة الموريتانية عقدا يستمر لمدة 5 سنوات مع شركة غزوبا غروب الصينية لتوسيع شبكة الصرف الصحي لتشمل جميع أحياء العاصمة نواكشوط بقيمة 199 مليون دولار، ولم يتم حتي الآن التغلب علي المشكل، إذ لاتتجاوز نسب الأحياء المزودة بالصرف الصحي في نواكشوط 20% من المدينة، وهو ما يؤدي إلي حدوث كارثة طبيعية في العاصمة نواكشوط، مع بداية كل فصل خريف وتهاطل الأمطار، كما أيضا تمتلك نواكشوط شبكة طرق داخلية بطول 250 كلم منها طرق سريعة بطول 50 كلم فقط، بالإضافة إلي جامعة واحدة ومطار دولي شبه الوحيد في البلد وليس بذالك القدر ولا المستوي،
وأما علي مستوي الخدمدات فتعاني مدينة نواطشوط منذ تأسيسها سنة 1960 من أزمة انعدام المياه إذ كانت المدينة تلبي حاجيات سكانها من المياه عن طريق بحيرة اديني الجوفية التي تبعد 60 كلم شرق المدينة، لكن نظرًا لتضاعف أعداد السكان وازدياد الضغط على بحيرة اديني الجوفية لم تعد هذه الأخيرة كافية لتلبية احتياجات السكان من المياه الصالحة للشرب مما أدى إلى ازمة مياه حادة في السنوات الأخيرة 2005 - 2006، وتم اجراء عدة دراسات لحل المشكلة وانتهى الأمر بالحكومة الموريتانية إلى تبني مشروع أفطوط الساحلي الذي يهدف إلى تلبية حاجيات مدينة نواكشوط من المياه حتى أفق 2030 عن طريق سحب مياه نهر السينغال الواقع 200 كلم جنوب مدينة نواكشوط، وتم تدشين المشروع سنة 2010 معلنا القضاء على أزمة العطش في نواكشوط نهائيا، وقد كلف المشروع حوالي 750 مليون دولار، ولم يقض علي الأزمة بشكل نهائي إذ لاتزال المدينة تشهد انقطاعات للمياه بين الفينة والأخري،
والكهرباء أيضا إذ تعتمد مدينة نواكشوط على محطات تعمل بالفيول والديزل الثقيل لتوليد الكهرباء وتقدر الطاقة الاجمالية المتوفرة في المدينة سنة 2011 ب 120 ميغاوات ويقدر الطلب حينها بـ 100 ميغاوات ويرتفع إلى 140 ميغاوات في الصيف كما تولت شركة بتروناس الماليزية صفقة بإنشاء محطة كهرباء بقدرة 700 ميغاوات تعمل بالغاز لتلبية حاجيات مدينة نواكشوط والقرى المجاورة لها علي أن يتم تدشينها سنة 2014 تزامنا مع أشغال تطوير حقل بندا للغاز ويهدف هذا المشروع إلى توفير الكهرباء بأسعار زهيدة لأغراض منزلية وصناعية، ومع ذالك كله لاتزال نواكشوط تشهد حتي الآن انقطاعات متكررة للكهرباء بين الفينة والأخري، والغريب في الأمر والمثير للسخرية أن الحكومة الموريتانية تدعي تصدير الكهرباء للجارتين السنغال ومالي وهي في الوقت نفسه عاجزة عن تلبية حاجيات سكان العاصمة نواكشوط من الكهرباء،
والتعليم هو الآخر والذي تتذيل موريتانيا في مؤشر جودته التصنيفات الدولية إذ تقبع في المرتبة ما قبل الأخيرة عالميا، ومدينة نواكشوط هي موطن جامعة نواكشوط، الوحيدة في موريتانيا، وقد تأسست هذه الجامعة في عام 1981 ويبلغ عدد طلاب الجامعة حوالي 8,000 طالب، ويعاني التعليم في موريتانيا بصفة عامة من مشاكل عديدة لعل أبرزها قطع المنح التعليمية في الخارج وانعدام قاعات جامعة لاستيعاب الطلبة القابعين في السجن الإدادي "باكلوريا" الذي تجعله السلطات الموريتانية سدا بين التعليمين الثانوي والجامعي، أو سجنا بالأحري يقبع فيه ما يقار الـ 50 ألف طالب يذهب جلهم منه إلي الشارع، وأما المحظوظون منهم الذين يستطيعون العبور من التعليم الثانوي إلي العالي والجامعي سيجدون أنفسهم أمام تحديات جديدة لاتقل صعوبة عن الباكلوريا وما قبله، تبدأ بالنقل والسكن ولا تنتهي حتي عند التخرخ، وتشهد نواكشوط بين الفينة والأخري إضرابات واحتجاجات متكررة للطلبة والأساتذة والمعلمين،
وقطاع الصحة أو الطب هو الآخر يئن تحت المشاكل والأزمات، إذ تحتضن العاصمة الموريتانية نواكشوط عدة مستشفيات منها مركز الاستطباب الوطني، ومستشفى الشيخ زايد، ومستشفى الصداقة، ومستشفى السرطان، ومستشفي الأمومة والطفولة، والمركز الوطني لأمراض القلب، والمستشفي العسكري، ومستشفي العيون، بالإضافة إلي العديد من العيادات الخصوصية، وتضم كوادر طبية لابأس بها، لكنها ومع ذالك كله لاتزال حتي الآن عاجزة عن تلبية حاجيات المواطنين الصحية، إذ يتوافدون وبشكل شبه يومي علي تونس والسنغال وغيرهم من عواصم العالم بغية العلاج، بسبب افتقار المستشفيات الوطنية إلي المعدات الطبية والتقنيات الحديثة، بالإضافة إلي انتشار الأدوية الزورة، والأوضاع المزرية لعمال الصحة، إذ يخوضون هذه الأيام إضرابات إحتجاجا علي سوء ظروف عملهم وتدني الخدمات الصحية منذ أسبوع ولم يتلقوا حتي الآن ردا من الجهات المسؤولة والمعنية، وفي كل الحالات فالمواطن البسيط هو الخاسر وهو الضحية،
كما تعاني أيضا مدينة نواكشوط من أزمة حادة في مجال النظافة إذ تتكدس القمامة والأوساخ في جل الأحياء الشعبة وتملؤ كل الشوارع والطرقات، ويؤدي تراكم النفايات دون معالجتها أو التخلص منها بصورة نهائية، إلى تشكيل مصدر للخطر يهدد صحة المواطنين وينعكس سلبا علي حياتهم الصحية، فأكوام القمامة تشجع على تكاثر البكتريا والجراثيم والفيروسات والقوارض مما يؤدى إلي انتشار الأمراض وتفشي الأوبئة الفتاكة ما لم يتم عزل النفايات تماما عن المواذ الاستهلاكية للمواطنين، ولم تستطع الدولة الموريتانية حتي الآن التغلب علي هذه الإشكالية رغم المحاولات المتكررة، والتعاقد بمبالغ ضخمة مع العديد من الشركات الخصوصية والعمومية لتنظيف مدينة نواكشوط، بالإضافة إلي جهود البلديات ومجموعة نواكشوط الحضرية، فهنا القمامة والإهمال والفساد واللا مبالاة يثقلان كاهل المواطنين، وينهكان كل المؤسسات، ويستنزفان كل الثروات، ويغيبان كل الخدمات،
بالإضافة إلي الأزمات الأمنية التي تعاني منها مدينة نواكشوط، وتؤرق ساكنة المدينة وتثقل كواهل الأجهزة الأمنية المنهكة، والتي لاتظهر قدرتها ولا بسالتها إلا في القمع والتكيل، ويري الكثيرون أن الأنفلات الأمني الذي تعاني منه مدينة نواكشوط ناجم عن انتشار تعاطي المخدرات والجريمة المنظمة وضعف السيطة الأمنية علي المدينة الناجم عن كثرة السكان وعدم يقظة الأجهزة الأمنية وتهاونها في أداء المهام الموكلة إليها بالإضافة إلي انتشار الفساد والرشوة بين أفرادها، وهي عوامل من بين أخري أرغمت السلطات الإدارية علي تقسيم مدينة نواكشوط إداريا إلي ثلاثة ولايات، بغية تقريب الخدمات من المواطنين وتقسيم الأدوار بين المسؤولين وتخفيف الضغوط والأعباء علي الأجهزة الأمنية، لكنها لم تأتي أكلها حتي الآن إذ لاتكاد تمضي ليلة من ليالي مدينة نواكشوط بلا جريمة قتل أو سطو أو اغتصاب،
وأما المشاكل الإجتماعية في موريتانيا عموما ومدينة نواكشوط خصوصا فحدث ولا حرج، إذ تعاني مدينة نواكشوط من مشاكل إجتماعية عديدة لعل أبرزها انتشار الأمية، والفقر، وعمالة الأطفال وتسولهم، وكذا الزواج المبكر، والعنف ضد المرأة والذي تعاني منه غالبية نساء بعض شرائح المجتمع الموريتاني، وكذا أيضا إدمان المخدرات، والتسرب المدرسي، بالإضافة إلي مشكلات أخري لاتقل خطورة عن سابقاتها وتشترك معها في أنها ناجمة عن ضعف الوعي وغياب الرقابة والتنظيم واستشراء الفوضي واللا مسؤولية، بالإضافة إلي الخلفية البدوية للمواطنين، إذ لا تكاد تمر مع شارع في أحد أحياء العاصمة نواكشوط وتخلو عينك من واحد من عدة مشاهد لاتسر الناظرين، فإما قمامة مرمية علي جنبات الطريق وعلي قارعتها، أو شخص يتبول في الشارع، أو غسال أيضا يريق أوساخه في الشارع، أو ورشة لإصلاح السيارات تلوث هي الأخري محيطها وتغطي بمخلفاتها وجه البسيطة من حواليها، أو أطفال صغار في أعمار الزهور يعيشون في الشوارع بعيدون عن الدراسة يتسولون أو يعملون،
وهذ غيض من فيض مشاكل قديمة وحديثة، عمرانية وخدمية واجتماعية، تعاني منها العاصمة الموريتانية نواكشوط منذ تأسيسها قبل 6 عقود من الزمن ولاتزال ترزح تحتها حتي اليوم ولاتلوح في الأفق القريب حلول جذرية لها، بل يبدو أنها ستستمر لعد عقود أخري، وكلها تعود لأخطاء المؤسسين وتقصير وإهمال واللا مبالاة الحكام المفسدين بالإضافة طبعا إلي أعباء المهاجرين. حفظ الله موريتانيا