القصة : يحكى أن فأرا عرف بالحكمة في غابة بها أسد مغرور، و ذات مرة اجتمعت الحيوانات عند الفأر فأمر الأسد الفأر بأن يثبت مدى حكمته، فوافق و طلب منه الأمان، فأعطى الأسد الأمان للفأر. فقال الفأر للأسد أنه سيقتله خلال شهر، فضحك الأسد و قال بغرور مبالغ فيه، حسنا إذا لم تقتلني خلال شهر سوف أقتلك أنا بعده مباشرة.
المقال :
منذ نشأة الديمقراطية في موريتانيا و القوانين و النظم لا تمنع و لا تحاسب الأحزاب المتقاعسة عن المشاركة في الانتخابات، و لكن بعد صدور قانون نظامي جديد للانتخابات يفرض على الاحزاب السياسية المشاركة و الحصول على نسب معينة من أجل البقاء بصفة قانونية كأحزاب معترف بها، أقله، بات الهاجس الوحيد لدى أحزاب المنتدى هو المشاركة و لكن بشكل يحفظ ماء الوجه، أمام النخب و المناصرين.
و لأن الحوار السري لم ينجح و لأن النظام تعجل بعد قرار المنتدى وقف التفاوض بات لزاما على هذه الأحزاب أن تشارك بشكل أو بآخر مخافة أن يسلط عليها سوط القانون ليمحق ما تبقى منها، بعدما أن سلطت هي على نفسها سوط المقاطعة بعد أن هجرت المنابر ردحا من الزمن.
السياسة لا ترحم، فمن أخطأ فيها دفع الثمن غاليا، و من تكبر فيها قتل بطريقة وحشية، لأن السياسة فن الممكن و ليست فن المستحيل، و لذلك فالقرارات الإستعجالية التي اتخذها النظام ضد المعارضة كانت سببا رئيسيا في اصدار المنتدى لقراره القاضي بالمشاركة دون قيد و لا شرط.
فأين حفظ ماء الوجه في قرار المشاركة بعدما أن غلظت الأيمان و قال صاحبنا يوما في القصر الرمادي و بصحبة ساكنه "اللهم لك صمت و على رزقك أفطرت"، صوم كان له ما بعده، فالقناة توسعت و المهمة اختلفت و اصبح لصاحبنا منصبا خفيا، يزاوله مثلما زاول مناصب أخرى خفية و هو حينئذ يريد للمسكينة ألا تشارك في الانتخابات و يريد أن يستأثر لحزبه بنصيب "الأسد" من حصتها من الشعب.
حينئذ فقط فهمنا و اليوم لم نفهم بعد ما يجول في خاطر الخارج لتوه من باب رئاسة الحزب بعدما أن خرج من باب رئاسة الدولة و هو يصافح و يوصى على أن يركز أكثر فأكثر على مهمة اقناع "الخلطه" بالمشاركة في الانتخابات.
نعم ليس من المجدي العودة إلى الوارء، لكن من المهم جدا أن نتذكر ان من دخل القصر ذات مرة يمكنه أن يدخله مرات و مرات، فلحساب من كنت تعمل يا "أخينا".
المنتدى يبدو أنه فهم اللعبة في آخر لحظة، ثم عاد و أخطأ مرة أخرى حين قرر المشاركة بلا قيد و لا شرط، فما الذي ننتظره نحن حتى نقول أن الشروط التي كانت بالنسبة للبعض "باهتة"، و بالنسبة للأغلبية "باهظة" قد تم التوقيع عليها سرا بعد تسريب الإتفاق الذي جاءت ضمنه و بعد التبرء منها علنا، عدنا لنؤكد أننا سنشارك، فليس منطقيا و لا مقبولا أن نشارك دون ضمانات تسمح لمشاركتنا أن تكون فاعلة، فالخطة جهزتها الأغلبية و كانت لصالح الأغلبية، و النتيجة النهائية، كانت أيضا لصالح الأغلبية، لا المعارضة، و في النهاية الفائز هو "أخينا" ذاك الذي ذكرت لكم.
"أخينا" حين خرج يلوح بيمينه مطمئنا على أن جلسته مع الرئيس كانت قبل "الإفطار" و لعله لو وجد الفرصة لأقسم "مرة أخرى" على أنه لم يذق طعم "إفطار الصائم" في القصر الرمادي، كانت خرجته لتفرح المنتدى لو لم يقل فيها ما قال من "تجديف" جانب صاحبه الصواب، فلقد جلس حيث لا يجلس إلا من قربت مودتهم من القوم، و لعله وضع ركبته على ركبته، و قال : "يا محمد ما المطلوب"
أما صديقنا الذي جاء بالتجديف، لقد كان "تجديف" صديقنا في الحوار تجديفا في غير محله، حيث قال أن الحزب الحاكم منقسم ـ بحسب من سماهم "مراقبون"، لا أعرف ربما يقصد مراقبي "التجديف" الذي وصف به جولته في الأغلبية في ظلمة الليل بلا "تورش" تساعده على أن يكتشف انسجام الطبيعة الذي يطبع الأغلبية بشقيها الحكومة و الحزب.
ذلك "المجدف" يبدوا أنه اختار تحليلا غير منطقي و لا مبني على ضوابط، فقط قراءات سلبية لنتاج طبيعي لأقطاب سياسية متحدة في الغاية مختلفة في الوسيلة، فلنا أن نتفق على منهجنا و نختلف في طرق تنفيذيه.
ما يفند مقولة صديقنا صاحب "التجديف" هو ما مر به من تحليل مبني على آراء ليست لمراقبين، بل كلها مجرد أوهام لدى معارضين، ربما يكون صادقهم ردحا من الزمن فطغى على تحليله انسجامه معهم، فأراد أن ينقل لنا كلامهم بصفة تحليلية تجلعنا نظن أنه تحليل و لكنه "تجديف" بصحيح العبارة في "حجر" الإخوة الأصدقاء و تجديف بالمعنى اللغوي الصحيح.
و عودة إلى قصة الأسد و الفأر : في المساء نام الأسد فراوده حلم بأن الفأر سيقتله، و لم يعر انتباها لذلك الحلم، لكنه كان كل ليلة يحلم بأنه سيقتله، فما أن انقضى نصف الشهر حتى مرض الأسد و مات.
العبرة : ليس مهما أن يكون الحزب عملاقا و ذا تاريخ نضالي كبير، حتى يقتل أحزابا عملاقة مثل أحزاب المنتدى و مجموعة الثمانية، فحزب الإسلاميين فعلها أو كاد.
ملاحظة : المقال على "ستايل" "تجديف في الحوار" لكاتبه الشيخ و لد المامي.