هي الأمور كما شاهدتها دول *** من سره زمن ساءته أزمان في إحدى القمم العربية العقيمة وبينما كان الشعب العربي يتجرع كؤوس الذل والهوان علي يد حكامه الذين حولوه إلي قطيع رعاع يتوارثه الأبناء عن الآباء, ويبيع ثروته الأصهار والأنصار ويجربون فيه كل نظرياتهم البالية والمثيرة للسخرية لتصبح الأمة العربية أغبي الأمم لأن حكامها لا يفهمون وإن فهموا لا يعقلون وإن عقلوا لا يعملون إنها قمة "الغباء"..
في تلك القمة أو "الغمة" طالعنا العقيد الراحل عن الحكم - أحسن الله عزاء محبيه- بكلماته الشهيرة "قيادة عربية تشنق في المشانق ولا أحد يتكلم.. يمكن الدور جاي علينا كلنا..." كان كلام "الأخ القائد" آنذاك عن الرئيس العراقي الراحل "صدام حسين" وأعوانه الذين بهروا العالم بوفائهم وتمسكهم وثباتهم علي مواقفهم فاستحقوا إجلال وتقدير الملايين...
لم يكن "ملك ملوك إفريقيا" و"عميد الحكام العرب" يتوقع أن نبوءته ستتحقق علي يد شباب الأمة الثائرين الطامحين, وأن ملكه سيتهاوى علي يد شباب طرابلس الأحرار الذين وصفهم بالجرذان والمهلوسين, لم تكن بداية نهاية العقيد كنهاية رفيقيه في الحكم فمن أجل بقائه في الحكم -رغم أنه لا منصب له- بحسب كتابه الأخضر سفك دماء آلاف لليبيين ويتمهم ورملهم "بيتا بيتا دارا دارا زنكة زنكة" حتى ضجت شوارع ليبيا بالجثث والأشلاء إنه ثمن الحرية الذي عبر عنه شوقي بقوله:
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بكل يد مضرجة يدق
سقط القذافي صاحب النظريات المضحكة المبكية، ومنها أن الرجل لا يحيض والمرأة تحيض، وإسراطين والكتاب الأبيض والأخضر واليوم يخط كتابا أسود...
ما يفجع في الأمر أن القذافي وأشباهه من الحكام حولونا إلي مسخرة لشعوب العالم المتحضر وجعلوا منا أبطال كوميديا سوداء يتفننون في طريقة الإخراج والإنتاج كل علي طريقته الخاصة..
يحكي في نكتة صفراء "أن يابانيا التقي عربيا علي رصيف عام قال العربي للياباني ما ذا يفعل الغبي فيكم؟ رد الياباني بفخر الغبي فينا يصنع جهاز حاسوب... و أنتم؟ سكت العربي هنيهة ثم رد عليه مطأطئ الرأس أغبي من فينا حكامنا".
يا للحسرة علي أمة العروبة والإسلام وقد ساسها حكام مسرفون مهملون مترفون لا يرقبون إلا ولا ذمة ولا يتعلمون أو يعتبرون من غيرهم وكلما ثارت عليهم شعوبهم قتلوهم و شرودهم بنفس طريقة سابقيهم إنها صناعة الغباء لأنه حسب أنشتاين " أن تكرر كل يوم نفس الفعل ثم تتوقع نتيجة مغايرة"...
رحل عميد حكام العرب غير مأسوف عليه عن الحكم بعد اثنين وأربعين عاما عجافا من البطش والتسلط والفساد, كان فيها العنوان الأبرز للدولة والحكم فقتل ملكة التفكير في نفوس مواطنيه حتى أصبحوا يرددون "لا تفكر فإن القائد يفكر..." حرمهم من التعليم الذي يستحقون ومن صحة ومن بنى تحتية ومن نسيم حرية هي أغلي ما خلق الله في هذا الكون ولما طالبوه بنزر قليل منه قتلهم ونكل بهم ووصفهم بالجرذان والمهلوسين والخونة العملاء...
طرابلس تبتهج اليوم بنصرها الأزلي وقد نفضت عنها ركام أربعة عقود حكمت فيها بالحديد والنار, وتراقص أهلها -ليس امتثالا لأمر القائد الشهير- وإنما علي صوره المبعثرة في باب العزيزية بعد أن فر منه خوفا من "الجرذان" القادمة من الشرق والتي تحمل معها طلائع النصر وبشائر الحرية..
أسدل الستار على فصل من تاريخ ليبيا الحديث وسقط الطاغية فهل يعتبر الباقون...