لعله من نافلة القول التأكيد على أن ظاهرة الرق في موريتانيا مازالت تقابل بنوع من التهميش و اللامبالات من طرف بعض المؤرخين و المثقفين، و الموقف السلبي لهذه النخبة، يمكن رده من وجهة نظرنا إلى مواقفهم الفكرية من جهة، ثم انعدام الجرأة لدى أكثرهم من جهة ثانية. ولعل التهرب من إثارة قضية الحراطين والفئات المهمشة بصفة عامة يعد اسطع مثال على الانتقائية التي تميز الأعمال العلمية لكثير من الباحثين المختصين في الشأن الاجتماعي المحلي.
وفي هذا السياق نستحضر ما كتبه المؤرخ الاجتماعي المغربي المرحوم الحسن بالقطيب الذي قال:" إن الحديث عن الرق ليس عيبا ولا جرما، فالعيب و الجرم في نظرنا هو إغفال حقبة تاريخية كانت لها أهميتها في تطور التشكيلات الاجتماعية و الاقتصادية التي عرفتها البشرية. من هذا المنطلق، فإن مؤرخي أوروبا لا يشعرون بعقدة الذنب عند حديثهم عن نظام الرق، أما في المجتمعات العربية الإسلامية فإن الحديث عن العبد و العبودية لا يزال محاطا بالكثير من الكتمان و السرية، ومرد هذا في اعتبارنا إلى تداخل الماضي و الحاضر في البنية السياسية لهذه المجتمعات. فتداخل " الكان " من "الآن" يعتبر سمة بارزة من سمات التاريخ العربي."[ الرق في تاريخ المغرب، ص 26]
ومن هذا المنطلق ــ ولعل ذلك أصبح جليا ــ إن المشكلة التي تعيق حراك الحراطين تكمن في أنه لم يتحول بعد إلى " إرادة جماعية " من منظور جان جاك روسو. تلك الإرادة التي تتعالى على الفئة و العرق واللون. وهذا المطلب يجب أن ينتقل من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل حسب المناطقة، بمعنى آخر أن يتحول من طور الطلب إلى طور الفعل، وهذا الدور هو الذي يسعى إليه " الميثاق الوطني من أجل الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للحراطين ضمن موريتانيا متصالحة مع ذاتها" الذي يخلد ذكرى ميلاده الخامس يوم الأحد بتاريخ 2018/04/29 هذا اليوم الذي اتخذته مجموعة من نخبة الحراطين يوما لنسيان الماضي والتطلع إلى مستقبل ينتشلهم من آثار الرق في ضوء العدالة والمساواة بين كافة أبناء الوطن، وكذلك يوم للتصالح مع الذات يقف فيه كافة أبناء المجتمع وقفة رجل واحد من أجل إنصاف كل مظلوم وتحقيق العدالة الإلهية التي تحث على الإخوة و المساواة بين البشر.
إن قضية الحراطين في موريتانيا ــ أيها القارئ ــ من خلال هذا الميثاق الوطني لم تعد ذلك الابن اليتيم الذي ينتظر من يتبناه، بل أضحت فتاة جذابة بحاجة إلى زواج شرعي مستوفي الشروط. ومن المعلوم أن أول شرط في الزواج هو تراضي الطرفين، هكذا هي قضية الحراطين التي بحاجة إلى قبول شريحة البيظان كطرف ثاني لهذا الزواج. والمسؤولية الكبرى لتحقيق هذا المسعى تقع على عاتق الفقهاء في مجتمعنا بدرجة أولى لأن مجتمعنا مجتمع تقليدي لا يزال الخطاب الفقهي يتمتع فيه بمكانة كبيرة عند العامة وعند الخاصة على حد سواء، وبدرجة ثانية تقع على السلطة و المثقفين،لأن هذه القضية لا يمكن حلها بالقوانين و لا بالمراسيم، بل بحاجة إلى أن تتحول إلى قضية وطنية لدى جميع الفاعلين. فمن المعلوم أن أي حل لها بدون توافق الطرفين لن يؤدي إلا إلى مشكلة أكبر منها. فمثلا يُرد سبب الحرب الأهلية في أمريكا إلى قرار إلغاء الرق الذي اتخذه الرئيس الأمريكي " إبراهام لينكون" الذي ووجه برفض مما أدى إلى ردة فعل راح ضحيتها الآلاف. وهذا ما يجب أن نتعلم نحن منه ونفهم أن قضية الحراطين في المجتمع لا يمكن حلها من طرف واحد، وهذا ما نرجو أن يحققه الميثاق الوطني في مقبل الأيام وخاصة في مسيرته القادمة، ولاشك أننا نعرف أن النضال فُرض على هذه الشريحة ولم يكن خيارا لها كما قال " زعيم حركة إيرا برام ولد اعبيدي" ولذا نتمنى أن نرى في الذكرى الخامسة لهذا الميثاق لوحة فنية تعكس عمق حبنا للسلام وتختزل تنوعنا ووحدتنا، لنُرٍي للعالم أننا قادرين على تجاوز كل الأزمات ويمكن أن نكون نموذجا للسلام . تحية لكل الوطنيين الساهرين على وحدة الوطن.
.