تعتبر جريمة الرشوة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات أبعاد واسعة تتداخل فيما بينها، و لذلك فهي ظاهرة اقتصادية و اجتماعية وسياسية تتمركز بشكل أكبر في المجتمعات الرأسمالية، وخصوصا في دول العالم الثالث بحكم فساد مؤسسات الدولة و تدني مستويات الرفاه الاجتماعي، و موريتانيا على غرار الكثير من البلدان عانت منذ عقود من هذه الظاهرة التي تنامت و اتسع نطاقها في العصر الحاضر و تسللت إلى معظم أجهزة ومؤسسات الدولة الحديثة،
ووصلت تكلفتها السنوية حسب تقديرات الصندوق الدولـي لسنة 2016 إلـى: 01،5 و 02 ترليـون دولار تقريبـا أي مـا يقـارب % 02 من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و قد أشارت المديرة العامة للصندوق الدولي أن التكلفة الاقتصادية المباشرة للرشوة معلومة، غير أن التكاليف الأخرى غير المباشرة أكبر وأشد وطأة، و تشكل أكبر عائق أمام جهود التنمية .
وأمام هذا الوضع الكارثي كان لابد من إنشاء مراكز مؤسساتية ووضع نصوص قانونية تهدف إلى الحد من انتشار هذه الظاهرة التي تقضي على مبد إ المساواة بين المواطنين أمام القانون، وتنخر جسم الدولة وتقضي على هيبتها، وتطعن في قيمة المرفق العمومي الذي من مبادئه الأساسية المساواة والمجانية في أداء خدماته للمواطنين، وانتهاك مبدأ المساواة أمام القانون يعني ضياعا لقيمة العدل في المجتمع، وتلاشي فكرة القانون من الجماعة، لأنه إذا كان القانون هو تلك القواعد المجردة والملزمة، فإن انتشار الرشوة يعني أننا ألغينا أساس القانون ونفينا فكرة العمومية والتجريد.