حزب الاتحاد من أجلي، القبيلة والانتساب لا فساد الحزب ولا للدولة؟! / د.محمد المختار ديه الشنقيطي

لاشك ولا ريب أن الأحزاب السياسية المعاصرة وبصورتها الحالية هي من المفاهيم السياسية الحديثة، المرتبطة أساسا بظهور ما يسمى بالمجالس النيابية، وهي بهذا الوصف والتعبير ناتجا من أهم نتائج الديمقراطية، وترجمة فلسفية عملية لمبدأ سيادة الشعب، وفي التاريخ القديم والحديث، وتاريخ الديمقراطية، على وجه الخصوص، ظلت نماذج ومثلات تحول الكتل والجماعات الانتخابية إلى أحزاب سياسية حاضرة، 

ومشهودة وغير منكورة ولا مستغربة في كل مشاهد الحياة السياسية وموجات الديمقراطية.
وهكذا لم يختلف أكثر الباحثين والمفكرين وعلماء السياسة والاجتماع كثيرا في تعريف الأحزاب السياسية، والتي عرفوها بأنها: تجمع أو تنظيم يضم مجموعة من الأشخاص يعتنقون نفس المبادئ والأفكار الأساسية، أو أنهم هم الأفراد الذين يسود بينهم اتفاق عام حول جملة من الأهداف السياسية المعينة، والتي يتعاهدون على العمل على تحقيقها، ويسعون جادين إلى خلق آليات ووسائل ضمان تأثيرهم الفعال على إدارة الشؤون السياسية في الدولة، واستعدادهم لخوض كل المعارك الانتخابية من أجل وعلى أمل الحصول على المناصب الحكومية أو تسلم إدارة دفة الحكم.
والمطلوب من الأحزاب السياسيّة هو: أن تمارس كل الأدوار المهمة في أنماط وأشكال العمل العام، والسعي الجاد والدءوب على توطيد دعائم النماذج الديمقراطية الحديثة، والتي من أهمها إحلال مفهوم الدولة ومؤسساتها محل القبيلة، والمؤسسة محل الفرد، والانتماء للوطن بدل المجموعة، والعمل لمصلحة الأمة.
والواقع المشاهد والمعاش، أن حملة الانتساب الأخيرة لحزب الإتحاد من أجلي ... أظهرت، وبما لا يدع مجالا لشك أن كل الفاعلين في حملة الحزب، والمفترض فيهم أنهم من قادة الرأي وزعماء أنصار الحزب أو الزعيم على الأصح، وبالرغم من كل ما عرفته البلاد، وشهده العباد، من موجات الوعي ودورات التدريب على الديمقراطية، ما زالوا هم أكبر ضحايا الانهزامية، وأدوات التضليل، وأغلب المراقبين والباحثين في العلوم السياسيّة يرون أنهم بأفعالهم وممارساتهم السياسية والإدارية، هم سر البلاء، وعوامل انحراف وتعطيل تفاعل أفراد الشعب مع مفاهيم الدولة ومتطلبات العصر في التعاطي مع فلسفة الدولة، والنشاطات الحزبية، على الكيفية وبالدرجة المطلوبة، في توعية المواطنين، وباعتبار أن وعي المواطنين بمفهوم الأحزاب السياسيّة ودورها في وضع كل الخطط والبرامج المستقبلية للدولة، هو الذي سيؤدي في النهاية إلى نضج مخرجات العمل السياسي والمخرجات الديمقراطية: مشاركة أكبر، وفاعلية أعظم، وأنضج في الفعل العام والأنشطة الحزبية على وجه التحديد التي تلائم حاجيات وفكر كل مواطن، وخاصة إذا ما علمنا أن مفهوم ووظيفة الحزب السياسي لا تنحصر في التعريف الأكاديميّ، ولكنها تشمل فوق ذلك كلّاً من الرؤية والهدف لتلك الأحزاب بشكل عام والغاية من إنشائها في الأساس.
ولا شك أن الدارسين لعلوم السياسية والباحثين، في ممارسات الشعوب وحركات تطورها يعطون للحزب السياسي أكثر من تعريف، بناء على تطور الحياة، وحركة تفاعل الناس مع صور الحياة، ودوراتها المتجددة، وضرورات الوعي بمتطلبات الحياة، وأنماط وأشكال الدراسات الأكاديميّة في فنون العلوم السياسيّة، ومن تلك التعريفات المعتمدة، والمؤثرة أن الحزب السياسي هو تنظيم قانوني يسعى للوصول إلى رأس السلطة الحاكمة في الأنظمة الديمقراطية وممارسة الحكم وفق البرنامج الحزبي السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ومنها فإن الحزب السياسي هو تنظيم ديمقراطي يمارس العملية الديمقراطية داخل الحزب بانتخاب أعضائه لتولي المناصب القيادية في الحزب ووضع الرؤى والأهداف الإستراتيجية، وخارج الحزب بالمشاركة في الانتخابات بمستوياتها المختلفة، سواء المحلية أم البرلمانية أم الرئاسية، ويربط الحزب السياسي بصفة عامة بين مجموعة المواطنين الذين يتبنون رؤية سياسيّة واحدة هي رؤية الحزب وبين نظام الحكم وأدوات الدولة المختلفة، وهذا ما لم نلمس له أثرا في ممارسات الحزب.
كل ما قامت به لجان ودعاة الانتساب لحزب الاتحاد من أجلي... هي ممارساه لا تنتمي للعمل السياسي، ولا تمثل أي من الأدوار التي أنشأت وتنشأ لها الأحزاب السياسية، وإنما سعت في عملها لبذر بذور الفتنة والشقاق لاثني والعرقي والقبلي، وإحياء للممارسات القبلية، في أبشع وأقبح صورها، وعلى حساب مفهوم المدنية وبناء ثقافة ومؤسسات الدولة، ولست على يقين تماما بأن قائد حزب الاتحاد من أجله، ورئيس الدولة، كان يريد ذلك أو أنه يعجبه وراض عنه، ولكنه هو ما حصل بالضبط، فلم تكن دعوة دعاة الانتساب للحزب قائمة على الدعوة لأفكاره وبرامجه، وإنما كانت الدعوة لحزب الدولة، وللقبيلة لإبراز مكانتها وإظهار عدد أفرادها ومستوى حضورها في منطقة تواجدها، وفي أحسن الأحوال طلب بطاقات التعريف على أساس المعرفة والمجاملة، ودون أي علاقة بمعرفة الحزب أو أفكاره وبرامجه ونشاطاته !؟
فللأحزاب في الحياة السياسية والممارسات الديمقراطية أدوار معلومة ومحددة، حيث يعمل الحزب السياسي في الأساس كوسيط بين أفراد الشعب ونظام الحكم في الأنظمة الديمقراطية بأنواعها، وتنحصر أدوار الحزب في الممارسة في ذلك الشكل من أشكال الحكم، المتمثلة في صياغة احتياجات ومشاكل المواطنين وطرح مقترحات لحلها وتقديمها إلى كل الجهات المعنية المختلفة الحكومية وغير الحكومية وفي صورة قانونية، وتنظيم النشاطات توعية وتثقيف للناخبين حول النظام السياسي والانتخابات والدعاية لرؤية الحزب لتقدم الدولة، والضغط على الحكومات لتلبية مطالب الشعب في القطاعات المختلفة السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية، كذلك تعمل الأحزاب على نشر الدعاية بين المواطنين لأفكارها ومرشحيها وممثليها في الانتخابات، وذلك هو جوهر الفرق بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني فالأحزاب السياسية تعمل وتبحث في كل عملها ونشاطها عن أقصر الطرق للوصول إلى السلطة أو المشاركة في الحكم، بينما لا يشكل هذا الأمر أية أهمية ولا غاية للقائمين على منظمات المجتمع المدني، بل وأكثر من ذلك، فإن عمل منظمات المجتمع المدني، بأنه عمل تطوعي لا ربحي، وليس للقائمين عليه أي طموح للمشاركة في السلطة السياسية، وهذا هو مصدر الخلاف والجدل  وأصل الشك في اعتبار الأحزاب السياسية هل هي من منظمات المجتمع المدني أولا نظرا لتلك الطبائع والصفات .
لا شك ولا ريب أن دور الأحزاب السياسية في الديمقراطيات المدنية العريقة جوهري ومحوري وحيوي وفعال، وهي التي تمثل العمود الفقري للحياة السياسية في الديمقراطيات الحقيقة، وتجسيد ذلك وترجمته وفعاليته تتجسد في نتائج الانتخابات التي تشارك فيها، فهي إما أن تستلم السلطة وتدير الحكومة وتسيطر على البرلمان، أو تكون في المعارضة، فتلعب دور المراقبة والمحاسبة على الحزب أو الأحزاب التي في الحكومة، وهي وظائف لا تتأثر سياسيا بأي حال من الأحوال إذا تقاسم أو تداول أكثر من حزب السلطة وتدبير الشأن العام، كما يظهر نموذج ذلك في كل من أميركا وبريطانيا، أو اشترك في الحكومة أكثر من حزب كما في ألمانيا والنمسا وفرنسا، ما دامت كل الأحزاب ملتزمة بالعمل على إظهار الاحترام لقواعد النظام الديمقراطي، واحترام الرأي الآخر وتقديس وصيانة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وصيانة الأوطان وحماية الثروات، والعمل الجاد على بناء الدولة وحماية مؤسساتها، وهيمنة حكم  القانون والمؤسسات الدستورية.
ولكن المحزن والمسيء، والمديم لمظاهر التخلف والفساد هو غياب الدور الأصلي للأحزاب ولمؤسسات الدولة، وسيطرت ذلك النمط من الفساد والغموض والتعقيد والناتج في الأغلب الأعم عن ظروف نشأة وتأسيس تلك الأحزاب، وهو الأمر الذي حير أساتذة العلوم السياسية، في تحديد أنواعها وطبيعتها وأسباب تعددها، وصولا إلى المعرفة المتكاملة للحياة السياسية في دول نشأتها .
فعلا سبيل المثال عندنا: تأسست أهم الأحزاب سياسية على يد مجموعة من الضباط المغامرين الذين استولوا على السلطة بانقلابات عسكرية مشبوهة النيات، بدوية الآليات وقبلية التوجهات عسكرية الممارسات، فكان الظاهر من كل أشكال الممارسات هو ما يحسب أنه تقيد بالمصالح الحزبية الضيقة وتغليبها على المصلحة العامة، إلى تشويه الرأي العام والتغرير به بطرق عدة متساوية في الغباء والقبلية وكبت الحرية، وإهدار مقومات وأصول الحقوق الأساسية للإنسان، وهدر كل مقومات ومقدرات العباد والأوطان .
ونتيجة لكل ما سبق طهرت كل الأحزاب السياسية عندنا عاجزة وغير قادرة على تفعيل بناء الخيار الديمقراطي، فعوضت عن ذلك بل كل بائس وفاشل في عملية سعي، لمحاولة ما يظهر وكأنه الانصراف لبناء مصالحها الخاصة، ككيانات شبه حزبية بالدرجة الأساس، جاهلين أن واحدة من أهم أساسيات نشوء الأحزاب السياسية هو، السعي لتحقيق مصالح الشعب كل الشعب، ولعل من أهم أسباب ذلك الفشل والعجز هو ذلك القصور العائد إلى أنها تحتاج هيه في أصل نشأتها وممارساتها إلى  ديمقراطية أساليبها وتنظيماتها، وافتقارها في داخلها للتعددية السياسية، فكل تعددية سياسية في الأصل تقود إلى تعددية حزبية سليمة، ولكن ليس كل تعددية حزبية تقود إلى تعددية سياسية، وما نشهده في الواقع البائس لا يسمى تعددية حزبية وإنما يسمي بالطفيليات القبلية والإفرازات العسكرية ليست من التعددية الحزبية في شيء، فكثير من اللافتات الحزبية التي ظهرت في زمن المسلسل الديمقراطي عجزت عن أن تجد لها في السياسة والحكم موطأ قدم، أحرى القواعد شعبية في الواقع أو المستقبل، وغالبيتها تسعى سعيا غير موفق لتتمنطق بمنطق الدين القبلي والعشائري والعرقي والقومي وليس بمنطق الوطنية وديمقراطية.

ولا يستطع المتابع ولو بشق الأنفس أن يميز بين أنواع ألافتات الحزبية متعددة و الواجهات القبلية المتدثرة بمسمى الحزبية، نعم ثمة أحزاب أيدلوجية تعد على نصف أصابع اليد، بعضها لديه رؤية أيدلوجية ومنهج حركي لا ديمقراطي، مع قليل من  التلبس بقليل من سلوك وثقافة ديمقراطية، وسعي وطموح مشوب بالحذر إلى نشر الثقافة الديمقراطية وليس الهرمية، غير أننا سنجدها في الممارسة عاجزة أمام سيادة البيئة القبلية الاجتماعية تقليدية المعسكرة، التي يغلب فيها ويرجح القرار فيها صوت رجل الأيدلوجية والعشيرة ، ربما ورجل الدين على شعارات و مما رساة  رجل الحزب الديمقراطي.

و أحزاب أخرى لا تحمل من الديمقراطية فقط إلا الواجهات والشعارات، فهي لم تستوعب بعد معنى الديمقراطية لا شكلا ولا مضمونا، وان نادت بالديمقراطية للشعب ، لكنها تستند إلى تعريف الديمقراطية على أنها حكم المتنفذين من أبناء الشعب وليس حكم الشعب نفسه، إلى جانب النمط السلوكي السائد في هذه الأحزاب، متمثلا بنمط التابع والمتبوع، وإن كان من بعض المنطق أنه يجب لا يشك أحد في نضالات بعض تلك الأحزاب ووطنيتها إلا أن تساؤلات كثيرة تثار حول ديمقراطيتها من عدمها.

 

28. أبريل 2018 - 22:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا