عيد العمال، ذكرى تأمل لواقع الشغيلة في جميع أنحاء العالم، لحظة استحضار و وفاء للمخلصين من أبناء كل وطن من أوطان العالم، لأولئك الذين لهم الفضل الكبير في بناء معالم الكرة الأرضية، بناة سور الصين العظيم، برج إيفل، جدار برلين، مصانع العالم، و مؤسسات عملاقة نهضت باقتصادات دول كانت إلى وقت قريب لا وجود لها.
لحظة تأمل في كل الثورات العمالية التي اجتاحت العالم، فكل الثورات كان سببها ظلم و طغيان رب عمل في وجه عامل، تلك هي حقيقة واقع الثورات، حتى تلك التي عرفتها منتطقتنا العربية، كانت أسبابها مرتبطة إما بسوء معاملة تعرض لها عامل، أو منع مواطن من كسب عيشه بشرف.
حين يشعر الانسان أنه لا شرف له، و لا حق في العيش الكريم، و أن من يجب أن يحميه يسكت عن ظلمه، عندئذ فقط، تكفي شرارة بسيطة كحرق البوعزيزي لنفسه، أو كضرب شرطي مصري مغرور لشاب اعزل في سجن احتياطي من سجون مبارك، تكفي مثل هذه الشرارة أن تشعل فتيل ثورة عارمة لأن من سكتوا عن الظم صبرا، لن يسكتوا عنه وقت حدوث شرارة تذكرهم بأن أمثالهم باتوا يمثلون الغالبية العظمى من شعب مسحوق.
ليس على أرباب العمل أن ينهضوا بالعمال، و لا على الدولة أن تنهض بهم، بل قبل هذا و ذاك، هناك عنصر أكثر أهمية و أكبر قيمة و أكثر قدرة على أداء واجب الاثنين معا مع أداء واجبه، يسمى “النقابات”.
على هذا الطرف الأخير تقع مسؤولية احترام أرباب العمل للعمال، و اعطائهم حقوقهم و العمل على ضمان شرفهم، و كرامتهم. و عليه هو فقط تقع مسؤولية ضمان حقوقهم عند الدولة.
النقابات هم مربط الفرس، هم مكان الحل و هم المشكل، هم الداء و فيهم الدواء، كجناحي ذبابة، على ضعفهم و تشتتهم جانب في طرف و آخر في طرف، فهم من يسبب الداء و هم من يتسبب في الشفاء.
إن الناظر لحال العمال في أي وقت يجدهم بلا معين و لا سند، يجدهم قاسو أهوال العمل و شدته، و هم يعملون بلا كلل و لا ملل ابتغاء دريهمات يرميها لهم رب عمل بخيل، فلا تبقى في عيون الناظرين إلى حالهم دمعة إلا و انهمرت، اللهم إلا إذا كانت في عيون قساة القلوب.
العمل بطبعه جزء من العبادة و جزء من الحياة، لكن العمل بلا مردودية و لا تطور للإنسان، عبودية اقتصادية مبنية على الظلم و الغبن و امتهان لكرامة الانسان، خلافا لما خلقه له ربه و ما انعم عليه به من اكرام ينبغي على رب العمل “المسلم” أن يوليه عناية خاصة.
عيد العمال، و ما أدراك ما عيد العمال، نفس المطالب تتكرر و إن لم تكن نفسها فلسان الحال يقول دائما عند كل عيد، زادت مطالبنا و لم تنقص و لم يستجب ارباب العمل لطلبات العمال، و لم توفر الدولة أي ضمانات للعمال سوى بضع سيارات شرطة تحرس المطالبين بحقوقهم أمام قصر الرئاسة، سواء المفصولين منهم أو المطالبين بحقوق مترتبة على أرباب عمل فهموا أن الدولة تغض الطرف عنهم، و أن النقابات كفيلة بها دريهمات توزع بين نقابات التخاذل و التشرذم التي تهيمن على المشهد بشكل صوري.
عيد العمال، بدل أن يستحضر فيه رب العمل إنجازاته الكبيرة في مجال تطوير الموارد البشرية و تكوينها و إيجاد أرضية مناسبة للعمل مؤسسة على الكرامة و الشرف، بدلا عن ذلك، يكتفي رب العمل بشراء “باندرول” كتب عليها، مؤسسة “كذا و كذا” تحتفل بعيد العمال.
و ليس هناك من محتفل بعيد العمال أكثر من أرباب العمل، لأنه بالنسبة إليهم يرمز فقط لنصرهم على العامل المسحوق، نصر مرتكز أساسا على هضم الحقوق و التلاعب بالعمال.
عيد العمال يختلف من دولة إلى أخرى، فكل عمال العالم ـ عدى عن عمال بلدي ـ يحتفلون به بمطالب بسيطة جدا، أما في وطني فالعمال لا يحتفلون، و إنما يستحضرون مآسيهم و الويلات التي جلبها لهم هذا العيد و ذلك العمل الدؤوب من أجل أن يكسب على ظهورهم رب عمل، قد شبع أنانية و جحودا لمجهوداتهم و قد تلاعب بحقوقهم و تآمر مع نقاباتهم على تكميم الأفواه و العمل على انحطاط معنويات العمال في كل عيد لهم.
عيد العمال في بلد، أقرب هو لعيد المشي الدولي بين مقر العمل و وسط المدينة، عيد العمال مجرد أضحوكة لأرباب عمل سدفعون الثمن ذات يوم، حين يتمكن العمال من فهم قمة النقابات التي تمثلهم و تلك التي لا تمثلهم.
حين يعي العمال حقيقة أن أكثر من يمنعهم من حقهم هم النقابات أولا و قبل كل شيء.
عيد العمال، ذكرى نستحضر من خلالها أن ترسانتنا القانونية لم تتعدى تلك النصوص البالية التي مضى عليها نصف قرن و لم تعرف تطويرا لجعلها تتناسب و ضرورات كل مرحلة من مراحل الحياة.
عيد العمال، ذكرى تجعل العامل يتذكر أن آخر اتفاقية جماعية تم توقيعها تعود لسبعينات القرن الماضي.
عيد العمال، سواء سميناه هكذا، أو أطلقنا عليها اسم العيد الدولي للشغل، فهو مجرد يوم واحد يعتبره رب العمل يوم عطلة غير معوضة “و لله الحمد” مجرد ذكرى تجمع العمال يتذكروا ما فات من عمرهم الجميل في سبيل خدمة رب عمل أكثر ما يستحق هو أن يزج به في السجن، أحرى أن يحضر حفل عشاء فاخر تقيمه اتحادية أرباب العمل لصالح أعضائها استبشارا و استقباطا بواقع مزري يعشه من يجعلون من “هؤلاء” رجال أعمال.
عيد العمال، أكذوبة صباحية ينبغي أن نختم بها “كذبة ابريل”، و نبين من خلالها ـ كتنبيه طبعا ـ أن شهر ابريل انصرم لكن الكذب سيتواصل على مرأى و مسمع من الدولة.
أعرف جيدا، كيف يكون عيد العمال، أعرفه لأنني نظمته مرات و مرات، و كانت أول مشاركة لي فيه كمشاركتي في ذكى 12/12 “المجيدة” و حين شاركت في تلك الذكرى أول مرة كنت أظن أن للعيد علاقة ببطولات المقاومة، لكنني اكتشفت بعد ذلك أنه مجرد “انقلاب عسكري” مجرد انقضاض على الحكم، مجرد تغيير في الوجوه استمرار لنفس النهج “القويم”.
أما مشاركتي الأولى في “عيد العمال” فقد كنت أظن أن هذا العيد اعتراف بالجميل و مناسبة لرد الاعتبار للعمال، و اعطائهم حقهم الطبيعي في أن يتذكروا مكانتهم لدى أرباب العمل.
لكن صدمتي كانت كبيرة حين فهمت أن قصة “عيد العمال” لا تتعدى كونها محاولة لنسيان الماضي و بداية لعام جديد من “الكذب” و “الزور” أبطالها دائما المكذوب عليهم، و الرابحون فيها هم “الكاذبون” على القوى “الحية” في منظور أرباب العمل، حية يتمنون لها أن لا تموت، و يتمون أن تبقي سمها عبيدا عنهم.
عيد العمال ليس شيئا مهما، هو مجرد يوم عطلة يستطيع العامل من خلالها أن يجد الفرصة للبقاء و لو قليلا مع اسرته الكريمة.
البلد الوحيد الذي يمكن لنقاباته و عمال مؤسساته أن لا يتعبوا نفسهم كل عام في تحضير لافتات جديدة، لأنهم ببساطة يمكنهم استخدامها دائما، لأنه و للأسف لم تلبى أي مطالب للعمال و “لن” تلبى بإذن الله.