“الأَمْرَاضُ السِيًاسِيًةُ” الخَمْسَةٌ الأَكْثرَ انْتِشَارَا
بِمٌورِيتَانْيَا !!. المختار ولد داهي
نَدُرَ أن تَخلوً نَجْوَي النخب الموريتانية “الخالصة” من تخصيص جزء كبير
من الوقت للحسرة علي إصابة بعض المشهد السياسي الوطني بشيئ من التشوهات المتمثلة أساسا في اختزال النقاش و السجال السياسي حول “
صغائر
القضايا الوطنية” و “الانتشار الواسع لاستخدام الساسة “لأسلحة الدمار
المعنوي الشامل” كالإِفْكِيًاتِ و الصالونيات و “المواقعيات”،.. ضف إلي
ذلك احتلال الحَلَبَةِ السياسية و الإعلامية من طرف أقوام منهم من لا
يعبئون ناخبا و لا يكتبون حرفا و لا يفقهون قولا،..
و يرجع بعض المهتمين المتابعين للشأن العام تشوهات المشهد السياسي
الوطني إلي فشو بعض الأمراض السياسية التي تنخر الجسم السياسي منذ نشأة
الدولة الموريتانية الحديثة دون أن تجد مستحقها من التنبيه و التشخيص و
وصف الدواء مما أدي إلي استفحالها و تجذرها و صعوبة علاجها و من هذه
الأمراض ذِكْرًا لا حصرا:-
أولا: الحِرْبَائِيًةُ:و يقصد بها شيوع ظاهرة” الولاء و البراء السياسي
الانتجاعي” لدي بعض السياسيين الذين يغيرون مواقفهم و مواقعهم بسرعة
الضوء تبعا لتغير “مساقط و منابت الكلإ السياسي” و قد عبر ساسة مشاهير عن
صدمتهم القاسية و “ألمهم الشديد” من سرعة تغيير بعض خُلًصِهِمْ و
مقربيهم لمواقفهم و جرأتهم في “لَعْنِ” الماضي –الحاضر” الذي كانوا من
كبار صناعه. !!
واللافتُ في شأن الحربائية السياسية أنها أصبحت “شيئا معذورا” لدي الرأي
العام الموريتاني بل إن رموزها و أعلامها كرام مكرمون و قصصهم و
مُلَحُهُمْ و نوادرهم و اختراعاتهم و إبداعاتهم في “سرعة” و وقاحة تغيير
المواقف و المواقع السياسية أصبحت “زُخْرُفَ و مِلْحَ” حديث مجالس “صفوة
القوم” من العلماء و المثقفين دون أن “يدسّ” أحد منهم أصبعه في التراب
تعوذا أواستنكارا،… !!
ثانيا-التجزيئية:و أعني بها استفحال ظاهرة “الخطاب السياسي التجزيئي” ذلك
أن أغلب الأحزاب السياسية “المرخصة و غير المرخصة” و الشخصيات السياسية
” المصنفة و غير المصنفة” إنما تتخذ من جزء معين من الاهتمامات الوطنية
” حصان الحرب”(cheval de bataille).
فلا تكاد تجد في “مائة” الأحزاب السياسية الوطنية عددَ أصابع اليد
الواحدة من الأحزاب التي يُتفق علي امتلاكها مشروعا مجتمعيا متكاملا في
حين يجمع الرأي العام علي توصيف و تصنيف البقية الباقية من الأحزاب
السياسية ضمن المشاريع السياسية الشرائحية أو المناطقية أو القبلية أو
العنصرية أو الفَرْدَانِيًةِ،..
ثالثا-الشعبوية و “الانتخابوية”:: لعل أخطر الأمراض التي تهدد الاستقرار
السياسي في بلادنا “السائرة في طريق النمو الديمقراطي” هي تنامي ظاهرتي
“الشعبوية” ” Populisme“و “الانتخابوية” “Electoralisme” و اللتين و إن
اختلفتا قليلا فإنه يمكن تعريفهما تعريفا جامعا بأنهما “استخدام الخطاب
السياسي الوَاطِئِ والهَابِطِ تأجيجا و إشعالا للمشاعر العنصرية أو
الطبقية أو الطائفية أو الشرائحية أو المناطقية و ذلك ابتغاء تحقيق مكاسب
انتخابية”.
و المتابع للمشهد السياسي الوطني و للاستحقاقات الانتخابية السابقة
ملاحظ شيئا من رواج أحد المشاريع السياسية الشعبوية و الانتخابوية بحيث
تجاوز “حاجز الرقمين”(Double digits-la Barre des deux chiffres).!! و هو
ما يترجم ظاهرة يجب أن “تَقْرِصَ” آذان كل الحادبين علي الوطن باعتبارها
نَذِيرَ انتصار الحدية و التطرف و الغلو و هزيمة الوسطية و الاعتدال و
القسط .!!
رابعا- التبييض السياسي: هو أحد الأمراض السياسية متوسطة الانتشار و
يمكن تعريفه قياسا علي التعريفات القانونية لتبييض الأموال بأنه هو ”
اقتحام عالم السياسة من طرف شخصيات غير مختصة بالسياسة غالبا، بغرض
استخدام الواجهات الانتخابية(البرلمانية أو البلدية) أو الحزبية أو
المدنية من أجل إخفاء أو مَحْوِ أو صَقْلِ ماضي “عدم الطًهَارَةِ”
المالية أو السياسية أو “المُرُوئِيًةَ”،… أو بهدف تأمين “التغطية
المعنوية” و “التحصين القانوني” لحاضر و جَارِيِ بعض الأنشطة المخالفة
للقانون أو المنافية للأخلاق و الذوق العام.”
و يُظْهِرُ الاستقراءُ و المَسْحُ التحليلي لخارطة بُغَاةُ و “غُزَاةُ”
“التبييض السياسي” أو “تبييض الشخصية بالسياسة” ببلادنا انتماءَهم في
الغالب الأعم إلي أربع فئات:-فئة أصحاب “الثراء بلا سبب”، جماعة السوابق
العدلية و المروئية، مجموعة ماضي الفساد المالي و الإداري و طائفة الغلو
في تمجيد الأنظمة الاستبدادية و “شبه الاستبدادية”.
خامسا-البيات النخبوي: يري البعض أن السبب المباشر للتخلف السياسي للبلد
هو نكبة “البيات النخبوي”HIBERNATION” التي أصابت “المَقْتَل التنموي” من
الدولة والمجتمع منذ أربعة عقود علي الأقل ذلك أن التنمية تكون بالمصادر
البشرية الكفوءة و الناصحة و “النخب الخالصة” أو لا تكون!!.
و تعني نكبة البيات النخبوي ظاهرة جُنُوحِ و لُجُوءِ “النُخْبَةِ
الخَالِصَةِ” إلي الجمود و الاستقالة التامة من الشأن العام كردة فعل علي
التمييع و”معاقبة الكفاءة” و تَدْلِيعِ و تَغْنِيجِ و إيثار الأنظمة
الاستثنائية و شبه الاستثنائية “للنخب المغشوشة” ناقصة العقل و التربية و
التعليم و الدين!!.
و غير خاف أن ما هو ملاحظ من انخفاض مستوي السجال السياسي أحيانا غير
قليلة إلي دركات ” المديح الهابط و الهجاء الساقط و ” الصالونيات”و
“الإخباريات”،… إنما يعود إلي البيات النخبوي و استقالة العديد من النخبة
الخالصة من الشأن السياسي مخافة أن تختلط أعراضهم و أسماؤهم مع فئات ممن
يمكن أن نطلق عليهم ” السياسيين الجدد” الذين دخلوا البيوت السياسية من
“ظهورها” و علي حين غفلة من “أهلها” خلال الفترات الاستثنائية و “الأقواس
الانتقالية” العديدة التي تخللت المسار السياسي للبلد.
و ما من سبيل إلي استعادة الجسم السياسي الوطني لعافيته إلا من خلال
معالجة الأمراض السياسية الوطنية استقصاء و إحصاء و تشخيصا و تشريحا و
إعدادا لاستراتجية وطنية طموحة،جريئة و استشرافية للقضاء علي هذه
الأمراض السياسية التي بلغت درجة من الأقدمية و الرسوخ و سعة الانتشار إن
لم تكن تنذر بالقلق علي مستقبل الاستقرار السياسي بالبلد فإنها لا تطمئن
علي توفر الحد الضروري من الأشراط و الشروط السياسية لتحقيق التنمية
العادلة العاجلة لهذا الشعب الذي تُقرع آذانه آناء الليل و أطراف النهار
بأنه فقير مُعْسِرٌ رغم أن بلده غني مُوسِرٌ !!!.