لقد عانى الشعب الموريتاني وما زال يعاني من تحكم العسكر في الحكم وتسييرهم لدفة البلد حسب مزاجهم وحرمانهم له من اختيار من يحكمه... ومازال الشعب مجرد كرة يلعب بها العسكر بكل برودة, فمرة يلبسون له الزى المدني وعندما يتآكل ذالك الزى المزيف يخلعونه ليلبسوا الزى العسكري وهكذا دواليك...
ولهذا فالرئيس في موريتانيا لا يتغير إلا شكله "المرفولوجي" ولباسه فهو يحمل نفس الفكر والسياسة الأحادية الاستعلائية... فهو نتاج نفس المؤسسة العسكرية التي سطت على الحكم في موريتانيا واغتصبته وسخرت ثروات الشعب لنزواتها ومتعها... ولكن هذه المؤسسة التي تغتصب البلد تستمد قوتها وجبروتها من صمت الشعب على ألعابها وجرائمها ومادام الشعب ساكت عليها ستستمر في مسلسلها الطويل الممل...
ولكن في زمننا هذا نجحت شعوب لها وضعيات تشبهنا في تبني سياسية جديدة مع أنظمتها ونجحت في خلق "خيار ثالث"، وذلك بإتباع "حرب اللاعنف" ضد أنظمتها حتى أسقطتها وهنا أريد أن أعرض عليكم تعريفا مبسطا لحرب اللاعنف وبعض التجارب الناجحة لها.
- تعريف مبسط لحرب اللاعنف
تعرف "أكاديمبة التغيير" حرب اللاعنف بأنها "شن الصراع الحاسم على الخصوم المعاندين من خلال التحكم المقصود والمخطط في أدوات القوة السياسية لتحطيم إرادة الخصم باستخدام أسلحة لا عنيفة قوية التأثير".
وحرب اللاعنف هي المقاومة السلمية وبأسلحة متنوعة مختلفة عن غيرها من طرق الكفاح الأخرى... رغم أن خططها تشبه إلى حد ما الخطط العسكرية من حيث التحشيد وتوحيد القوى ووجود استراتيجيات محكمة وخطة محددة مع توفر الشجاعة والتدريبات وما إلى غير ذلك .
ولكن لها أسلحتها الخاصة ووسائلها المميزة مثل:
- الإعلام بكل أنواعه التقليدي والجديد, الكتب والمجلات والصحف, الملصقات والبيانات والرسوم واللافتات والجداريات والخطابات والشعارات والاحتجاجات الجماعية والاعتصام وتوجيه الانتقادات وممارسات الضغط على مقابلة المسؤولين والجنازات الرمزية والتجمعات الشعبية والمقاطعة والانسحاب من المؤسسات الاجتماعية وهروب العمال ومقاطعة السلع والامتناع عن دفع الأجور والضرائب، وتنظيم إضرابات عامة في جميع المجالات, ورفض التعامل مع النظام الحاكم إلى ما هنالك من طرق الاحتجاج السلمي الحضاري.
ومن محاسن اللاعنف أنه يلقى القبول في نفوس الشعوب ويحرج الأنظمة وهو الضامن الحقيقي للحركات التغييرية لتحمي نفسها و لاستمراريتها وقدرتها على الانتشار والتوغل في المجتمعات والجماهير، فاستخدام العنف يعطي المبرر للنظام للقمع والتنكيل بالمحتجين.
- تجارب من حرب اللاعنف
لقد طبقت "حرب اللاعنف" في العديد من بلدان العالم, فباللاعنف تمكن الإيرانيون سنة 1979 من الإطاحة بنظام الشاه الدكتاتوري, وقد قام الألبان في كوسوفو في الفترة ما بين 1990 و 1999باتباع سياسة "اللا تعاون" ضد الحكم الصربي القمعي، وعندما عجزت الحكومة القائمة في كوسوفو عن وضع إستراتيجية لا عنيفة من أجل الحصول على الشرعية والاستقلال لجأ جيش تحرير كوسوفو إلى خيار العنف مستخدماً أسلوب حرب العصابات، وهو ما أعقبه حملة قمع صربية وحشية ومذابح جماعية – سياسة التطهير العرقي – تلك السياسة التي أدت إلى تدخل حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) وإلى القصف الجوي.
وكذلك نجح الجنوب إفريقيين بإتباعهم لسياسة اللاعنف في تقويض التمييز العنصري الذي مارسه البيض على السود ردحا من الزمن, وفي الأمريكيتين استطاع مناضلو حركات الحقوق المدنية الأمريكية ضد التمييز العنصري المتطرف تغيير القوانين والسياسات المتبعة منذ وقت طويل في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الكفاح اللاعنيف.
وفي أيامنا هذه استطاع كل من الشعب المصري والتونسي إسقاط نظامين من أعتى الأنظمة وأكثرها قمعا وأمنية وذالك بسياسية اللاعنف وعلى نفس الدرب يسير اليمنيون والسوريون فكل يوم يكسبون أرضا جديدة ضد أنظمتهم القمعية .
وفي النهاية أريد أن أقول أن الشعب الموريتاني ليس أقل من الشعوب السالفة الذكر وأنه يستطيع تحقيق تجربته الخاصة فالتغيير حتمي وما ينقصه هو أن ينتفض مثقفوه ويستيقظوا من سباتهم الذي طال ويضعوا خططا للتغيير في موريتانيا.
- المصادر: أكاديمية التغيير - أسلحة حرب اللاعنف - حرب اللاعنف.. الخيار الثالث.