لا تتصورون مدى سعادتي ونشوتي وأنا أكتب هذه السطور ـ نعم أنا في حالة سكر من الفرح ـ والسبب كالعادة هو معارضتي العزيزة على قلبي ، فكلما وقعت في ضيق فرجت عني أطال الله بقائها وجعلها ذخرا لي ولنظامي ..
طبعا أنتم تعرفون سبب هذه المقدمة وهذا الفرح وهو قبول المعارضة المبدئي للحوار ، وشروطهم الهزيلة المضحكة التي لا تراعي التطورات ، وهم العارفون بشخصيتي التي لا تحترم عهدا ولا قولا فديدني هو الكذب ونقض العهود لكن هذه معارضتي أو منقذتي.
فمثلا عندما أقدمت على انقلابي على الرئيس المنتخب والمدني سيدي ولد الشيخ عبد الله تفهم زعيم المعارضة" أحمد ولد داداه" ذالك الموقف وطبل له ودعمني وشرع انقلابي على رفيقه ومنافسه في الانتخابات التي اعترف بشفافيتها وحرم الشعب الموريتاني من فرصة التخلص من النظام العسكري الجاثم على صدره منذ أكثر من ثلاثين سنة والذي كان سببا في إيقاف مسيرة التنمية في البلاد وأعطى الفرصة لأمثالي من المتسلقين عديمي الخبرة إلى أن يصلوا إلى رأس السلطة ، وهو الداعي إلى حياة ديمقراطية والعدو الأول للنظام العسكري ، وكذالك قامت المعارضة بالموافقة على اتفاق دكار وهي تعرفني حق المعرفة وتدرى أن لن أطبق حرفا واحدا منه ودخلت معي في تلك الانتخابات الصورية المحضرة سلفا ، والتي استخدمت فيها كل نفوذي وسبقتها بحملة كبيرة على نفقت الدولة ، وشرعت لي انقلابي أيضا وهذه المرة بكل أطيافها وألوانها ، وضيعت بذالك فرصة تاريخية للانتقال إلى الحكم المدني ودولة المؤسسات والقانون والقضاء على الحكم العسكري الفردي الإلهي.
وهذه الأيام تعود حليمة إلى عادتها القديمة وهي إخراجي من كل الكروب والأزمات تعرفون أن الشارع اليوم يغلي والقصر أصبح قبلة كل ذي مظلمة ونواكشوط تحولت إلى عاصمة للإعتصامات ووعودي بدا زيفها والثورة قادمة لا محالة فكل أسبابها قائمة مازالت تنقصها الشرارة فقط لتشتعل وستشتعل قريبا ,إلا أن المعارضة بدخولها معي في الحوار قد تأجل تلك الثورة المرتقبة وتهدأ الشارع لبرهة من الوقت ستطيل عمر حكمي وتقدم لي خدمة العمر وهو تمرير رسالة إلى حلفائي الغربيين مفادها أن نظامي مستقر وبخير وفي مأمن من الثورة فالحوار هو الطابع السائد والديمقراطية تطبق على أحسن حال ,وهذا ما سيدر على أمولا طائلة وتمويلات سخية سأشتري بها ذمما جديدة وأقوي بها تحالفاتي و أرشي بها زعماء القبائل وأسكت بها أصحاب الرتب في الجيش حتى لا يقوموا بالانقلاب المعهود والمنتظر خصوصا بعد توريطي للجيش في معركة لا ناقة له ولا جمل فيها وغير مستعد لها وتضحيتي بأرواح الجنود من أجل إرضاء فرنسا.
وفي النهاية لا أخفيكم سرا أنني كلما تذكرت ذالك الشباب الطامح إلى التغيير في موريتانيا يتقلب مزاجي وترتعش فرائصي ,فأنا متأكد أنه سيكون سببا في الإطاحة بي ، وبالطبقة السياسية و أنه سيرفع الحذاء العسكري عن رأس المواطن الموريتاني ، وأنه سينهي زواج المثليين القائم بين العسكر ورجال الأعمال ، وسيفضح قبول الطبقة السياسية لهذا الزواج ومباركتها له ، فمن خلال تتبعي له اقتنعت بصدقه ، فرغم محاولاتي لشق صفه وإغرائه بكل الطرق المباشرة وغير المباشرة ، مثل بث الإشاعات المشوهة لهم وتكوين الأحزاب الشبابية وبث فيروسات الحرب الأهلية وتقديمي لهم الكثير من التنازلات مثل الإعلان عن اكتتاب جديد والوعد بخلق فرصة عمل جديدة ,إلا أنه مازال متمسكا بمبدئه وهو التغيير الجذري وبرأي أن كل ما ينقضه هو أن تختمر تجربته ويتخلص من بعض عيوني فيه .