الدولة تشبه المزرعة من حيث حاجتها لسور خارجي يحميها من الدواب، دور السور المذكور كدور الجيش الذي يمثل دعامة وجودها وبقائها، غير أن المخاطر ليست كلها خارجية فمنها ما هو داخلي سببته آفات داخل المزرعة تحاكي في دورها دور فئات الظلمة و المجرمين التي تنشط حين يعم الظلام وتغيب سلطة الكتاب والميزان.
في زماننا هذا ظهر تلازم بين نمو الدولة واستقرارها وبين بقاء جيوشها مرابطة في الثغور أو رابضة في الثكنات قانعة بدورها التقليدي المتمثل في الأمن الخارجي، وتلك حقيقة يشهد عليها التاريخ الذي يلهم الفكر السياسي.
فالانقلابات والتصفيات والإبادات والحروب الأهلية كان سببها الأول توظيف الجيوش في السياسة بطريقة غير محكمة وغير مناسبة لوضعيتها المتميزة، ما جعلها توجه أسنتها نحو الداخل موقعة جراحات عميقة.
تلازمت أيضا سيادة قانون الغاب مع ضعف جهاز العدالة إلى مستوى لا تبقى معه البراهين والأدلة لها قدرة على تمكين صاحب الحق من حقه أو تفضيله على أصحاب الحيلة والسلطة والعضلة.
وتتدهور العدالة كلما فقدت القوانين بعدها الديني وتأصيلها العقلاني، و تتدهور أكثر فأكثر بفقد الثقة في أعضاء الجهاز التشريعي المعد للقوانين نفسها، فهؤلاء إذا ترشحوا ووصلوا عبر انتخابات ضللت قناعة الناخب إلى حد جعلته يربط ضميره بالمصلحة ويربط المصلحة بوعد انتخابي من شخص لا تزال الثقة فيه تتطلب تجريبا ثم يزكيه الناخب على بياض وبعد التجريب يتلاشى الأمل فعندها ستنعدم الثقة في كل ما يصدر عن الجهاز التشريعي من قوانين لأن هدف أعضائه لم يكن القيام النيابة عن الأمة وتمثيل إجماعها وإنما الهدف ركوب الشعب لتحقيق مآرب أخرى.
هذا المناخ هو مناخ الاستئثار على حساب الرعية، وفيه تصبح مفاهيم مثل العدالة والحق غامضة بعد فصل الحق عن الشريعة، ويلي هذا اكتتاب القضاة وتعيينهم وعزلهم على أسس ومعايير تلك القوانين الغامضة، ولا تنتهي المصائب عند ذلك بل يعطل نفاذ بعض أحكام القضاء خاصة ما تعلق منها بجرائم الحدود أو القصاص ليتحول المدان أستاذا يدرس الجريمة في المؤسسات الإصلاحية..فحسبنا الله ونعم الوكيل.