القبيلة محدِد من بين المحددات الأساسية التي حكمت المجتمع الموريتاني ذات يوم ولا زالت تحكمه كسلطة قسرية تتعالى على كل النظم الاجتماعية والسياسية الأخرى،إلا أنه من الملاحظ في السنوات الأخيرة أن سلطة القبيلة أخذت في التراجع شيئا فشئا-أعني بنسختها التقليدية- رغم بروزها بين الفينة والأخرى وخصوصا في المناسبات السياسية التي يحتدم فيها الصراع القبلي وتذوب سلطة الدولة في تضاعيفه ،
ويعود ذلك التراجع برأيي إلى كون الأخيرة قد تخلت عن مهمتها المنتظرة منها والمنوطة بها ككيان يجمع شمل المسلمين ويوحدهم منصرفة إلى محاولة تكريس الهيمنة لأشخاص وفئات اجتماعية تسعى لاستعادة الزعامة التقليدية التي أضحت تكافئ الصفر في واقعنا اليوم، على حساب الفئات الأخرى الأمر الذي حدا بالكثير من الشباب إلى التمرد على القبيلة على اعتبار أنها عامل مساهم في زعزعة الوحدة الاجتماعية و سن صارخ للتمايز بين الشرائح الذي عانت من الدولة منذ نشأتها ولا زالت تدفع فاتورة نتائجه الوخيمة،إلا أن ذلك لا يعني بالنسبة لي نفي وجود القبيلة ككيان اجتماعي ضروري كما يقول بن خلدون ،وإنما رفضها بوصفها آلية يُسْعَى من ورائها إلى تحقيق مكاسب معنوية وسياسية شخصية ضيقة لا بوصفها تجسيدا للتعارف والتلاحم والتعاون بين المكونات الاجتماعية للبلد ولا شك أن أيا منا وإن كان بمنئ عن الصراع السياسي سيلاحظ هذه الملاحظة وسيأخذ نفس المآخذ على القبيلة في مجتمعنا اليوم ولذلك من ينطق بهذا المصطلح لا بد أن يحدد مدلولاته بشكل واضح على أرض الواقع والذي يعني أن القبيلة مفهوم عام يشمل ضمنه كل الشرائح الاجتماعية بشكل كمي وعلني لكنه في الواقع لا يمثل إلا هيمنة الأقوياء والسعي إلى مصالحهم من خلال مخادعة الضعفاء وإن كان يراد لذلك أن يكون خفيا تحت شعارات واهية من قبيل وحدة القبيلة وتوحيد الجهود والمساواة وغير ذلك من المفاهيم التي لن ترى النور في مجتمع تطبعه تراتبية استاتيكية عمياء والتي صارت جزء لا يتجزأ من كينونته.