الجزء الأول: العلمانية
الحلقة الأولى: بدايات تشكل العلمانية
القرن السادس عشر ميلادي.. نحن الآن في أوربا. جميع الناس هنا يعتقدون بحقيقة واحدة، هي أن الدين المسيحي هو الذي يملك جوابا لكل شيئ. الكنيسة هي مصدر كل حقيقة. مصدر الحقيقة الدينية، والحقيقة العلمية.
الحقيقة الدينية نجدها في الإنجيل، والحقيقة العلمية يخبرنا بها الكهنة الذين أخذوها من فلسفة وعلم الفيلسوف اليوناني أرسطو بوصفها الحقيقة العلمية الكاملة.. كانت الكنيسة (المدارس السكولائية) قد أقرت سابقا بأن علم أرسطو في مجال الطبيعيات هو العلم الكامل الذي لا يرقى إليه الخطأ، ولذلك فقد أدرجته بوصفه جزءا من تعاليم المسيحية التي هي وحدها التعاليم الحقيقية الكاملة والنهائية.
قال أرسطو بأن الأرض هي مركز الكون، و أن كل شيئ يتحرك في علاقة معها.. لذلك فالكواكب مثل الشمس والمشتري والقمر تدور حول الأرض. كما أن الأجسام الأخرى تنطلق إما متجهة نحو الأرض أو مبتعدة عنها..
الأرض مركز الكون وهي ثابتة لا تتحرك. الشمس و كل الكواكب الأخرى تدور حول الأرض. هذه هي "الحقيقة" كما اعتقدها أرسطو واعتنقتها المسيحية. إنها إذن حقيقة علمية ودينية في نفس الوقت.
عندما نرمي حجرا إلى الأعلى فإنه يرجع إلى الأرض؛ ما هو السبب؟ يقول أرسطو إن السبب هو أن للحجر طبيعة أرضية فهو يتجه دائما إلى الأرض، أما النار(الدخان) فهي من طبيعة فوقية لذلك تتجه دائما إلى الأعلى.
إن طبيعة حركة أي جسم تنبع من طبيعة هذا الجسم نفسه، ففي داخل هذا الجسم يوجد نوع الحركة التي سيتبعها الجسم عندما يتحرك؛ لذلك فإذا كان هذا الجسم من طبيعة تحتية فسيتجه إلى الأرض، وإذا كان من طبيعة فوقية فسيتجه إلى أعلى.
في هذه الفترة، كان هناك راهب اسمه نيكولاس كوبرنيكوس، كان كاهنا هاويا للعلم ومهتما بالفلك وحركة الكواكب.
كتب هذا الرجل (كوبرنيكوس) حوالي سنة 1507م مقالا قصيرا يقول فيه: إن الأرض ليست مركز الكون، و الكواكب لا تدور حولها، بل تدور هي والأرض نفسها حول الشمس التي هي مركز الكون.
كان كوبرنيكوس في ورطة، فهو من جهة تأكد بالتجربة أن الأرض تدور حول الشمس، ومن جهة أخرى فإن هذه الحقيقة تعتبر كفرا بالدين المسيحي لأنها تناقض قول أرسطو والكنيسة.
لم يسمح كوبرنيكوس بنشر بحثه خوفا على حياته لأن عقوبة ما قال هي الإعدام.. ظهر كتابه قبل موته فقط بعدة أيام.
كان لآراء كوبرنيكوس التي جاء بها نتائج خطيرة جدا على الدين المسيحي وكبيرة جدا لأنها غيرت فيما بعد كل التاريخ البشري.
إذن، لقد احدث كوبرنيكوس ثورة؛ هذه الثورة ستؤدي فيما بعد إلى ظهور العلمانية.
أما النتائج الخطيرة التي ترتبت على كتاب كوبرنيكوس فهي.. (يتواصل)..