خلال مرحلة عابرة من "الأمل" ولدت و ماتت مع نشأة الدولة "الموريتانية" من رحم اللا دولة على يد المستعمر الفرنسي - لحسابات أجراها وقتها - حَلَفَ واقعٌ غير منتظر أن تَموت "السيبةُ" و يزداد فضاء هذا الكيان الناشئ بمولود يحيى على شاكلة كل كيانات الجوار التي سبقته و يتأسس بقوة داخل فضائه ذو الحدوده الجديدة المعلومة؛ واقعٌ من "أمل" مبتور من كل وجاهة القيام و النضج و البقاء لم يلبث
أن نكصَ بعهده و هوي ببطء إلى أول منشئه الذي تعود على أن يبقيه و لا يقتله. سبعة و خمسون عاما من الدولة التي لم يتعلم و يستخلص حكامه و أهله العبر:
· من الجفاف الذي ضربه أكثر من ثلاثة عقود فيزرعوا ضفة نهرهم الخصبة و تحت نخيل واحاتهم الكثيرة،
· و لا من حرب ضروس حرقت الأخضر و اليابس حتى يبني جيشا منتجا يزرع و يبني الطرق و السدود، و يشيد الموانئ و المطارات، و يرفع قواعد المصانع و المنشآت العملاقة،
· و لا من سلسلة الانقلابات العسكرية أن الأحكام المدنية المنتخبة ديمقراطيا، في حمى جيش يحمي الحدود بقوة التجهيز و المهنية و يبني السلم الداخلي بزرع الطمأنينة في قلوب و نفوس المواطنين، هي الأقوم و الأضمن لقيام دولة القانون و العدل.
و هو الإخفاق الشديد الذي ما زال يلاحق الكيان، يضعفه و يدفعه للتمادي في تجاهل الأسباب العميقة لذلك على الرغم من كونها معلومة المعالم متمثلة في عشرة أوجه بارزة هي:
1: تجاهل الخطورة الكبيرة أو التغافل المتعمد لمعالجة مسألة التركيبة الاجتماعية و تداعيات انعكاساتها على الأمد المتوسط أو الأبعد قليلا ربما على السلم الاجتماعي و الاستقرار الوطني،
2: التمادي في حفر و توسيع هوة الأخدود السحيقة الفاصل بين القلة الصاخبة المنتظمة في شبه أرستقراطيات أسرية و مافيوزية و سياسوية آثمة نافذة، تملك المال و تتحكم في مجريات الاقتصاد الهش و التجارة الفوضوية، و بين السواد الأعظم المؤلف من كل مكونات و شرائح المجتمع الأخرى المهمشة و الدونية،
3: الممارسة السياسية الخاطئة التي تأسست على أركان ماضوية لا تؤمن بالخطاب العقلاني الموجه، و لا الفلسفة الناصحة، و لا تملك البرامج العلمية البناءة، و لا العمل المخطط المثمر، و إنما على المحاصصات الموسمية القسرية أحيانا و الشططية و الإرتجالية أحيانا أخرى،
4: ضعف المنظومة التعليمية التي يتهددها عاملان متناقضان يتمثل أحدهما في تيار النظرة التقليدية التمجيدية بإفراط لواقع ولى و الثابتة على معاداة الانفتاح على لغات و ثقافات الآخر و في إصرار مرضي على الاستمرار بتعليبه في قوالب "ماضوية" متجاوزة، و ثاني التيارين يتشكل من مجموعة قوى عدوة داخلية و خارجية في حرب معه لأسباب عقائدية و أيديولوجية،
5: تحريف مادة التاريخ عن مساره الطبيعي في المنهج الدراسي السليم بالنظرة الغير منصفة الكتابة الغرضية النفعية التي لا تبني أركان الوطنية و لا تتوجه إلى المستقبل لاعتمادها على الميثولوجا المفرطة و التغني بأمجاد تجزيئية في قوالب تعبر عنها التركيبة المجتمعية بتقسيماتها الطبقية التي ترفع قدر البعض و لا تعير كبير مثله أو قليل اهتمام للبعض الآخر،
6: عادة التوجه إلى تحصيل المال السهل من دون مجهود ميداني أو فكري له مرمردودية من أي نوع أو مستوى، الأمر الذي أصل مبكرا لمنطق العزوف عن العمل بكثقافة تتبجح و تثني على الترفع و الاستعلاء و تعتمد السيادة و تسخيرجميع الآخرين لها من المحرومين و كذلك مردود مقدرات البلد و إمكاناته. و هي الثقافة السائدة في الأوساط الممسكة بزمام الأمور و تسيير شؤون البلد بتعدد مشاربها و تنوع أساليب وصوليتها،
7: حالة الشلل البدني الشامل الذي يعجز الشعب عن الاستفادة من قدراته البدنية و العقلية في مواجهة تحديات البناء بسبب غياب سياسة صحية رشيدة تكفل تغطية عامة و تؤمن ولوج المواطنين إلى الاستشفاء و الدواء من ناحية، و تنشر الوعي الصحي الذي يحرر الطاقات و يضمن حسن المسار إلى الدولة القوية السوية،
8: عجز الطبقة المتعلمة عن بناء صرح فكري يحرر القول و يفتق المواهب، و علمي يضع قواعد و أسس البناء الأفقي و المودي، و ثقافي يوجه الشعب إلى الأخذ بالمعرفة و العلم و الخلق و الإبداع،
9: انتشار التزلف و النفاق الاستخبار كوسيلة ثالثة من وسائل التمكن و الاستفادة من المال السهل و ولوج دائرة المستفيدين الضيقة من كيان الدولة في بعدي الحضور و الإدارة و التسيير و التحكم،
10: استمرار قبول الشعب بالانشطار السلبي في تفكيره المحتجز داخل غياهب الاعتبارات الماضية، و حراكه المتعثر في عصر التنوير و الإعجاز العقلي، و كذلك التشبث بتلابيب ماضوية رعناء قد ولى زمانها، و العجز عن إدراك أنها باتت بكل المقاييس كابحا أمام خروجه من شرنقة التخلف و التبلد الحضاري و مانعا عن التحرر من قيود الجهل و الظلامية و الخرافة، و استحالة الأخذ بمزايا المعرفة و المدنية و التطور الإيجابي و الانفتاح على موجبات الخلق و الإبداع و خدمة الوطن من موقع العطاء و بفاعلية المشاركة البناءة.