كلمة الإصلاح ما زالت تتابع كتابتها في شأن كثرة الأجر في الإنفاق في رمضان ، وفي آخر حلقة الحلقة الأولي كانت تنشر خصائص هذه الشعيرة الخاصة بها دون غيرها من الشعائر حتى ولو كانت واجبة كما تقدم إلا أن الله أودع في هذه الشعيرة لتعدي فائدتها لعباده المحتاجين من الخصائص ما لم يجعله لشعيرة أخرى ، ومتابعة لذكر خصائصها فهي الشعيرة الوحيدة التي طلب فيها الله من عباده يقرضوه منها قرضا حسنا
بمعني أن يقدموا له سلفا من رزقه الذي أعطاهم ليضاعف لهم قضاءه يوم القيامة يوم لا وجود لمال إلا عنده هو جل جلاله يقول تعالي : (( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط إليه ترجعون )) وهذا الضعف في القضاء هنا مستثني حرمته من الربي الذي هو حرمة قضاء الدين بالزيادة إذا كانت من البشر للبشر ، وهذه القاعدة هي المنوه عنها في أية أخرى يقول تعالي : (( وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فاؤلئك هم المضعفون )) والضعف هنا بمعني الزيادة من الله في الآية أعلاه : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة .
كما أنه من خصائص هذا الإنفاق أنه هو الشعيرة الوحيدة التي أوردها الله في كتابه العزيز في ثلاثة عشرة أية متتابعة بدون إدخال أي موضوع آخر غير ما يتعلق بهذا الإنفاق وهي الوحيدة أيضا التي ضرب الله فيها الأمثال لتقريب نتيجة هذا الأجر المضاعف ليكون بين يدي المتصدق يفكر في كثرته ليهيجه ذلك علي الكثرة فيه والإسراع به ، وفي نفس الوقت هو الوحيدة التي أنزل معها آيات تحذير ليحصنوها من كل عمل أو تصرف يبطلها ، ففي تقريب هذا الضعف فعلي المنفق أن يأخذ حاسبته ليستمع إلي قوله تعالي : (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )) فلو فرضنا أن قيمة الحبة الواحدة هنا هي أوقية مع إدراكنا أن الأوقية يزيد ثمنها علي عدة حبات وقام متصدق وزرع عشر كيل من الحب بمعني أعطاها لفقير سواء كان الحب قمحا أو زرعا أو أرزا وكل حبة من هذه أنبتت سبع سنابل ف كل سنبلة مائة حبة ، ما هي قيمة هذا الحب من الأوقية قبل أن يأتي الضعف الذي لا يعلم عدده إلا الله لأنه قال والله يضاعف لمن يشاء وقال في آية أخرى يضاعفه له أضعافا كثيرة ، ومن هنا أنبه كل مسلم عندما ينفق منه أنه بالرغم من سماعه لهذه المضاعفة المحسوبة وكأنها الآن في أثناء العد لتدفع له نقدا فإن طالب القرض هنا والسلف هو الله جل جلاله نفسه الذي يقول في آية أخرى : (( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ،،،،،الي آخر الاية)) أما الآيات التي أنزلها الله لتحصن هذا القرض من أي قول أو عمل يصاحبه ليفسد هذا الأجر المضاعف علي صاحبه فهي قوله تعالي : من ضمن هذه الايات المتتابعة في المصحف : (( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي )) وقوله تعالي ((يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يومن بالله واليوم الآخر )) وهنا ضرب الله مثلين أحدهما لما يبطل الصدقة وهذا الأجر المضاعف ، والآخر لما ينميها ويضاعفها لصاحبها يقول تعالي في الأول المبطل للإنفاق : (( فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون علي شيء مما كسبوا )) أي كمثل من انفق كثيرا من الإنفاق مثل التراب في الكثرة ولكن هذه التراب فوق صخرة متجسمة من الرياء وإذاية المتصدق عليه بالقول والفعل المهينين له فهذه التراب المتجسدة من الإنفاق الواقعة فوق الحجر الصلد المتجسد من الأقوال والأفعال الخبيثة أصابها وابل بمعني مطر شديد فأزال التراب وهي أجر هذا الإنفاق من فوق الحجر الصلد أي الأملس الذي لا يبقي فوقه شيء ، ولتجسيد هذا المنظر الذي يحذر الله منه المتصدق يقول تعالي : (( فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون علي شيء مما كسبوا )) ، أما مثال الإنفاق الخالص من هذه الأقوال المبطلة فهو قوله تعالي : (( ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ،،،،)) الي آخر الاية ،،،، يتبع