لكل أمر رباني هدف و مقصد معلن أو مستور، ولعل الصيام الحسي بالإمساك عن المفطرات المادية، لا يكفى لتحقيق مقصد الصوم أخلاقيا وروحيا وأخرويا.
فالنبي الموجه القائد القدوة، محمد بن عبد الله، يقول صلى الله عليه و سلم "من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه".
و الزور في هذا المقام ، حسب شرح بعض العلماء، مجمل الباطل، و ليس مجرد المفهوم الحرفي للزور.
أجل كان القرءان صريحا في تحديد غاية تشريع الصوم وفرضه، إنه السمو والارتفاع بالصائمين إلى مقام ودرجة التقوى، فرمضان مدرسة مشرعة مفتوحة مدة محددة، لشهر واحد من كل سنة، لحرز وكسب شهادة عليا، تسمى التقوى (يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) صدق الله العظيم.
حبس النفس نهارا عن الشهوات و إلزامها مسارا أخلاقيا نموذجيا، في الليل والنهار، والاجتهاد في صون النفس عن كل المنهيات والإقبال على كل المأمورات، لمدة شهر كامل، لعل ذلك بإذن الله مفضيا إلى الإدمان الايجابي على الصالحات والنفور المستمر من الخبائث طيلة العمر. فيضحى الصائم القائم الصائن، متحصلا على شهادة وطبع بل وطبيعة و سجية التقوى بإذن الله، و في مختلف الاختصاصات الناجعة المتنوعة غير المحصورة، في الصبر في صون الجوارح كلها، في الجهاد في الإنفاق في الإيثار، في قيام الليل في الصفح عن المسيء، بتمثل شعار إني امرؤ صائم، في الذكر بأنواعه، في تلاوة القرءان وتدبره والعمل به ، حتى يصبح بإذن الله ربيع القلوب.
و لما تزل الفرصة متاحة، لكسب الرهان وتحقيق مقصد التقوى، فنحن على مشارف العشر الأواخر، فالليلة، ليلة عشرين من رمضان، لسنتنا الحالية، 1439 ه.
فهل نتحرك بسرعة في حلبة الخير المتنوع، لنكون بإذن الله من عتقاء هذا الشهر الكريم.
اللهم ٱمين ، و لتتبدل حياتنا وإلى الأبد نحو التقوى في كل ميدان ومجال، ولوجه الله ، بعيدا عن العجب و المراءاة و الغرور، اللهم ٱمين.
وفي النهاية، لن ندخل الجنة بعد بذل الجهد في الله، إلا بفضل الله، فمن نوقش الحساب عذب. كما روت عائشة، أمنا رضي الله عنها، عن سيد المرسلين وأفضل الخلق طرا، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
و من الجدير بالذكر في هذا السياق أن عمر بن الخطاب سأل أبي بن كعب عن معنى التقوى، فشبهه أبي رضي الله عنه، لعمر رضي الله عنه، بمن يسير في أرض ذات شوك، فهو يسير على رؤوس أصابعه، عسى أن يتقي ذلك الشوك الكثير.
ونسب لعلي كرم الله وجهه، أنه عرف التقوى، فأوجز وقال "التقوى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل".
وهي لغة من التوقى والوقاية، فإتيان المأمورات الشرعية والازدجار عن المنهيات، يقي بإذن الله من النار وسخط الرحمان ويدخل بمشيئة البارئ في رضوانه وجنة الخلد .