جدار الفولاذ ..وجدار الفتوى...ثنائية الذل والهوان / أحمد أبو المعالي

altعجيب أمر النظام المصري يحتاج فهم قاموسه القيمي إلى "منجد" –بالتأكيد غير عربي- فقد ثارت ثائرته لما اعتبره "كرامة مصر" و هي امتداد لكرامة المصريين ومسؤولية الدولة حماية المصريين وكرامتهم أينما كانوا.

لكن المناسبة كما يعلم الجميع لذلك الحديث الشيق ليست غضبا لانتهاك صهيوني أو نصرة لأي فرد من أبناء الشعب أو الأمة .. .. بل هزيمة المنتخب المصري أمام نظيره الجزائري على النجيلة السودانية خلاف ما اشتهت سفن النظام الذي وجد في ذالك الحدث فرصة سانحة لإظهار حرصه على "كرامته" ..ودخلت وسائل الإعلام المصرية "حربا" ضروسا ابتذلت فيها قواميس العزة والكرامة.والإباء والشهامة واستحضرت الفتوحات الإسلامية وإنجازات عظماء المصريين حتى ما قبل الإسلام ..

لكن ذلك الصوت كان خافتا وباهتا حينما أقدم عنصري ألماني على الاعتداء على الشهيدة مروة الشربيني وانتهى الأمر بطعنها في قاعة المحكمة.إذ يبدو أن "كرامتها" لم تكن تستحق غضب النظام ولا ثورته الحارة ..صحيح أنها قتلت بسبب انتمائها الشرقي الإسلامي وحجابها لكن ذلك كله لا يعني شيئا في مفهوم النظام المصري للكرامة .يوازيها في ذلك زوجها الذي تعرض لإطلاق نار رفضت المحكمة متابعة منفذه الشرطي ...كما أن الرئيس وهو يتحدث عن تلك الكرامة يغض الطرف عن المآسي الإنسانية التي تحصل في السجون المصرية والتي يندى لها جبين "الكرامة"..كما لا يفوت على النظام المصري ما يقوم به الكيان الصهيوني على الحدود مما يشكل خرقا لاتفاقية كامديفد المخزية...والقائمة طويلة وطنانة.

واليوم يطلع علينا نفس النظام بمفهوم "الأمن القومي" الذي كان السبب في بناء الجدار الفولاذي الذي سينهي رمق الشريان الذي يغذي غزة بعد حصارها على اختيارها لحماس واختيار حماس لها ..ولا يفوت على أحد أن الإعلان عن بناء هذا الجدار لم يكن من القاهرة وإنما من تل أبيب وسط تلعثم من السلطات المصرية بادئ الأمر ..فما الذي .جعل النظام المصري يخجل من الإعلان عن بناء جدار يحفظ أمنه القومي تاركا مهمة الإعلان للضفة الأخرى؟؟؟...لأمر ما تورع النظام عن إعلانه بداءة ..
.نعم ..من حق مصر أن تحفظ أمنها ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال خنق الجوار أو تعريض الآلاف للخطر والموت الصرف .. ولا ننسى الضجة التي أثارها قيام الكيان ببناء الجدار العازل والإدانة الدولية لذلك ...ولاشك أن ضرر هذا الجدار المصري أشد وطئا وفتكا ...

تالله إن النظام المصري يعلم حق اليقين من يهدد "أمنه القومي " كما يعرف تماما من يهين "كرامته" ..ولكن عتبنا على النظام تبخر منذ دخول مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف على الخط بفتوى لم تراع حقوق الله ولا حقوق العباد ..إذ حرفت الكلم عن مواضعه وكتمت ما أنزل الله من البينات والهدى ..وسيسأل كتابها وموقعوها غدا بين يدي من لا تخفى عليه خافية عن مصير من ستسلمهم هذه الفتوى إلى الجوع والمرض مناقضة للأخوة الإسلامية المؤصلة بقاعدة "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" لذلك يستحيل استيعاب كونها توقيعا عن رب العالمين..نعم قد تكون توقيعا عن حسني مبارك!!

لندع أرامل وأمهات وأخوات وبنات الشهداء ..ولنصم آذاننا عن عويل وأنات المرضى والمصابين .-وهو أمر إمر-.لنترك المآسي التي خلفها الحصار وسيضاعف الجدار منها لنترك كل ذلك ..ولننظر في أحوال تلك القطط التي حبسها النظام المصري فلم يطعمها حتى ماتت مع أنها لم تطلق رصاصة واحدة تجاه الحدود ..ولم تهرب دواء ولا طعاما ...كما أنها لا تحمل شعارات حماس ...فما ذا سيقول النظام إذا بين يدي الجبار وهو يتذكر قصة المرأة والهرة الواحد؟؟!

إن هذه الفتوى ليست سوى امتداد لتفهم موقف فرنسا من الحجاب ..وفتوى النقاب الأخيرة ..
والطريف أن يعلل الموقعون هذه الفتوى التي جاءت وفق "الطلب" بحق مصر في بناء ما تشاء من المنشآت والسدود مما يحفظ أمنها وحدودها ...وكان الأخوة الإسلامية ..ووجوب نصرة المعتدى عليه من قبل "المحتل " من من يليه ....لا تعني هذه الفتوى في شيء..وقد تناسى هؤلاء "المفتون" المفتونون في دينهم أن الأخوة الإسلامية وصلت في ذروتها حد الاستعداد عن التنازل عن إحدى الزوجات ..مع أن أهل غزة لا يطلبون منهم ولا من غيرهم هذا المستوى من الأخوة.الإسلامية ..ولم يتوجس الأنصار على "الأمن القومي"في المدينة من "المهاجرين "الجدد ..فالملة واحدة ..والنصرة واجبة ...

إنه من واجب الأمة علماء ومفكرين ومثقفين أن يجاروا ما وسعهم الجهد بزيف هذه "الفتوى" التي ليست سوى "تلبيس إبليس " وعلى الساسة المصريين المخلصين لأمنهم القومي وكرامتهم أن يبذلوا الغالي والنفيس تعبيرا عن رفضهم لجدار الذل والمهانة..وحقيقة لن يعزل الجدار إلا بين الأمة من جهة والنظام المصري و"حرسه الفقهي" من جهة أخرى
ومن الغرابة أن يدافع السلطان وعلماؤه عن هذا "الجدار" بكون مصر قدمت كثيرا للقضية الفلسطينية وغذتها بدمائها ...والأمر لا مشاحة فيه ولكن ..تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وشرف ومجد الأبوة قد لا يسري بالضرورة للأبناء والأحفاد إن انحرفوا عن الصراط السوي لذلك تندرج هذه المقولة خارج السياق الدلالي لتوظيفها

قد يصدر النظام المصري قرارا بشنق كل مصري يوميا بحجة الأمن القومي وقرارا بالسجود مرة لوجه النظام بحجة الكرامة .. وكأني بموقعي هذه الفتوى سيدافعون عن ذلك بما يستحضرون من النصوص التي يخرجونها من سياقها ويؤولونها "حسب الطلب".

ولكن العزاء في الخيرين من أبناء تلك المؤسسة الإسلامية العريقة ومن لا تأخذهم في الله لومة لائم شانهم في ذلك شأن الأبرار والأحرار من أبناء مصر الذين لن يقبلوا بما يخططه "السلطان "وتشرعه فتاوى " علماء السلطان مما يعرض الأمة والملة للخطر ..

10. يناير 2010 - 11:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا