مرآت على المسابقات الوطنية / سيديا ول للاف

تعد المسابقات آلية شفافة لاختيار الأفضل لمنصب معين أو لتجاوز مرحلة إلى أخرى، عن طريق هيئة أو لجنة توكَلُ إليها مهمة الإشراف والرقابة على العملية من بدايتها إلى نهاية الإعلان عن الفائزين أو الناجحين، وكلما كانت العملية شفافة من خلال الرقابة والتصحيح كلما كانا أمام كادر بشري قادر على المساهمة بشكل أكثر فاعلية في الحياة العلمية والعملية على حد السواء.

ونحن اليوم في موريتانيا نشرف ونترقب مسابقتي الباكالوريا والمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء (القضاة)، وهما من أهم وأخطر المسابقات، حيث يترتب عن الأولى دخول السلك الثاني من التعليم العالي والتأهيل للتوظيفة، في حين يترتب عن الثانية إحقاق الحقوق ورد المظالم إلى أهلها وهو أخطر من الأول، الأمر الذي يستوجب قدرا أكبر من التأهيل والتكوين قبل المشاركة وبعد النجاح، وهو ما يتطلب أن لا يشترط في تولي القضاء الشهادة فقط، لأنها قد لا تعبر عن مستوى علمي كما سنرى لا حقا، بل يجب أن يتطلب إلى جانبها الخبرة أو التزكية من المؤسسة التعليمية التي كان المشارك يدرس فيها.

لذا فإن المرآت التي سلطت على المسابقتين رصدت ما يلي:

أولا/ مسابقة الباكالوريا

في اليوم الأول من المسابقة عام 2015-2016 اتصل على أحدهم حوالي الثامنة والنصف يسألني عن سؤال في الفلسفة أين يقع؟ فسألته من السبب .. فأجاب بأن أحد المشاركين تمكن بسهولة من قراءة السؤال عليه عبر الهاتف، فكانت تلك الصدمة الأولى بالنسبة لي.

إذ كيف يمكن لطالب في قسم فيه ثلاث إلى أربع مراقبين أن يقرأ سؤالا في الهاتف على أحد، ويقوم الآخر بمده بالإجابة على أكمل وجه؟

هل السبب ضعف الرقابة أو التساهل من طرف المراقبين؟ أستغرب أن يكون السبب ضعف الرقابة، لكن السبب هو أني في اليوم الثاني من السابقة زرت بعض المعارف فإذا بأم المنزل وهي مُعلمةٌ، وتراقب في الباكالوريا تقول لأحدهم: "لو أنك سجلته في المدرسة كذا .. لكنت راقبتُ عليه ولتساهلتُ معه .. كما حصل لفلان وفلانة ...".

فعلمت حينها أن من المراقبين من يتساهل مع الطلاب، بل إن بعضهم يتعاون معه، نظير معونة مادية أو معنوية ..إلخ

إن ما يحصل الباكالوريا من غش يندى له الجبين، وتصتك منه المسامع، وتدمع له العين، حيث يحصل من لم يسهر الليالي الطوال لمراجعة مادة ولم يحل عملية، على أعلى نتيجة أو على الأقل ينجح، بينما يرسب من دَرَسَ وراجع، وأتعب يومه ليفرح بنجاحه، لكن هيهات، فنتيجته سيحصل عليها غيره.

هذا وإن إغلاق شبكة الانترنت لا يفيد شيئا، مع بقاء الاتصالات ممكنة، والتساهل في دخول قاعات الامتحان بالهواتف، وعدم التحقيق في هويات المشاركين.

بالإضافة إلى أنه هناك من يدخل عن غيره لإجراء المسابقة عنه، وهذا ما حدثني به أحدهم قائلا: "أنا وفلان من سنة 2012 إلى 2016 كل سنة نجري امتحانا عن بعضهم، وينجحون".

كما أنه المرأت رصدت اليوم قرب كلية العلوم القانونية والاقتصادية من يقوم بحل لبعض المشاركين المواد التي كانت عندهم صباحا.

ثانيا/ مسابقة القضاء

في المسابقة الأخيرة التي تم الاعلان عينها مؤخرا بموجب البلاغ رقم 009، بتاريخ 24/05/2018، والمتعلقة باكتتاب خارجي ل عشرين (20) قاضيا لصالح وزارة العدل، رصدنا حولها ما يلي:

1-    اشتُرط في المترشح المتريز أو الليسانص في الشريعة أو القانون أو ما يعادلهما، ليتم تعديله بموجب البلاغ رقم 0012، بتاريخ 28/05/2018، بأن الشهادة المطلوبة هي الباكالوريا + أربع سنوات على الأقل، وهو ما يفيد إقصاء حاملي شهادة ليسانص، والتي تعتبر الشهادة الموجودة والمعترف بها حاليا، حيث لا توجد جامعة في موريتانيا تمنح شهادة بعد أربع سنوات من الباكالوريا، بالإضافة إلى أن حاملي هذه الشهادة (ليسانص)، يمتازون على حاملي شهادة المتريز بما يلي:

-         إلزامية الحضور للدروس والتكوين المستمر على مدى ست فصول، في حين لم يكن طلاب المتريز يحضرون إلى أيام إجراء الامتحانات.

-         يلزم الطالب في نظام ليسانص بإعداد أربع إلى خمس بحوث خلال كل سنة (فردية أو جماعية)، وبذلك يتكون على عملية البحث في بداية مرحلته الجامعية، بينما تجد طالبا في المتريز لا يعرف مكان المكتبة إلى عند بحث التخرج.

-         درس طلاب ليسانص مادة المنهجية وبعض المواد الحديثة وعرفوا الكثير من الاشكالات القانونية التي لم يعرفها غيرهم، كما عايشوا الكثير من المخرجات التشريعية التي واكبوها بالكتابة عنها في رسائلهم.

-         وما خريجي المعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية ببعيدين من ذلك.

وهو ما يجعلنا نطالب بتغيير النظام الاساسي للقضاء، واشتراط شهادة الماستر أي باك + أربع سنوات على الأقل.

2-   لم تحترم اللجنة الوطنية للمسابقات ولا المدرسة الوطنية التخصصات، حيث سمحوا لخريجي العلوم السياسية، الذين لا علاقة لهم بالقانون بالمشاركة، وكذا خريجي شعبة الاقتصاد الاسلامي أيضا، وحتى خريجي شعبة القانون العام (الإدارة).

وهذا ما لا ينبغي السكوت عليه ..

أيها الإخوة الكرام إن القضاء ينبغي أن يكون حكرا على خريجي القانون الخاص، وبشكل أخص شعبة القضاء، حيث تخرج جامعة نواكشوط على غرار العديد من الدول العربية كل سنة خريجين درسوا قواعد القانون الخاص وفنياتِه، ودركوا أغواره وإشكالاتِه.

أما من تخرج من العلوم السياسية أو الإدارة أو الاقتصاد السياسي فلا علاقته بالقضاء، وهم الذين لم يدرسوا القانون المدني المعمق ولا قانون الاجراءات، ولا القانون الجنائي الخاص، ولا القانون القضائي .. إلى غير ذلك من مواد القضاء.

3-   أطلب من القائمين على المسابقات الوطنية احترام التخصص، فهو ضرر وضرورة، وينبغي أن يبقى كذلك، كما أن أنصحهم بالرقابة الشديدة والمشددة في أيام الامتحان، حيث هناك من يريد ويسعى أن ينجح بالطريقة التي نجح بها البعض في مسابقة الباكالوريا وامتحانات الجامعة، وبعض المسابقات الوطنية، أي عن طريق: (الهاتف، أو يدخل عنه غيره ليجري عنه الامتحان).

وإني سمعتُ من يطلب غيره لإجراء مسابقة القضاء عنه، كما شاهدتُ بعيني من يجري امتحانا في كلية العلوم القانونية والاقتصادية عن غيره.

18. يونيو 2018 - 21:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا