العرب واللعب مع إيران / محمد الأمين ولد الفاضل

لم أكن في أي يوم من الأيام من المهتمين بالشأن الرياضي، ولا بمتابعة البطولات والتصفيات، محلية كانت أو دولية، ولكني في أيامنا هذه، وجدتني مجبرا على متابعة يوميات بطولة كأس العالم المنظم حاليا في روسيا.

لقد وجدتني مجبرا على ذلك، لأن المزاج العام المسيطر في أيامنا هذه هو مزاج كروي خالص، فبطولة كأس العالم وتصفياتها أصبحت هي حديث الناس في كل مكان،

 في البيوت والمكاتب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي القنوات التلفزيونية.

فأينما وليت بصرك في أيامنا هذه فلن تشاهد على الأغلب إلا كرة القدم، ولن يسمح لك أن تبدل القناة عنها، وإذا ما استرقت السمع فلن تسمع على الأرجح إلا من يتحدث عن تصفيات كأس العالم، بلسان كروي مبين أو غير مبين، ومسايرة لأحاديث الناس، وتناغما مع مزاجهم الكروي فقد ارتأيت أن أكتب عن المباراة التي جمعت بين المنتخبين المغربي والإيراني، وعن الهدف القاتل الذي سجله أحد اللاعبين المغاربة في مرمى فريقه.

أربع منتخبات عربية مثلت العرب في كأس العالم 2018، هزمت كلها في كل المباريات التي خاضتها حتى الآن، وذلك بمعدل هزيمة لكل منتخب. كل الدول العربية المشاركة في كأس العالم 2018 خرجت في مباراتها الأولى بهزيمة، وكانت هزيمة المغرب أمام إيران هي الهزيمة الأكثر صدمة، وذلك لأنها كانت نتيجة لهدف سجله لاعب مغربي في مرمى فريقه.

كان أول هدف سجله العرب في كأس العالم 2018 في غير صالحهم، وكان نتيجة لتسديدة خاطئة منحت للمنتخب الإيراني فوزا ثمينا لم يكن يستحقه. يقول المهتمون بالشأن الكروي بأن المنتخب المغربي كان هو الأكثر أهلية للفوز في مباراته مع إيران، ولكن الذي حدث في النهاية، وكرة القدم بنتائجها، هو أن المنتخب المغربي خسر المباراة بسبب خطأ ارتكبه لاعب مغربي، أدى إلى تسجيل هدف في مرماه، وفي الوقت بدل الضائع، فمنح بذلك الخطأ فوزا ثمينا لإيران، وهي التي لم تبذل أي جهد يذكر لتحقيق ذلك الفوز الثمين.

هذا النصر الكروي المجاني الذي حققته إيران في مباراتها مع المغرب، يذكر بانتصارات عسكرية وسياسية سابقة، حققها الإيرانيون على الأراضي العربية، وكانت نتيجة لأخطاء فادحة ارتكبها بعض القادة العرب.

في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي نشبت حرب بين العراق وإيران استمرت ثمانية أعوام، وقد كانت كل الدول العربية ـ إذا ما استثنينا سوريا والجزائر وليبيا ـ في صف العراق، وقد استفاد العراق من دعم سخي من دول الخليج. انتهت الحرب وخرج العراق رغم كلفة الحرب المادية والبشرية بقدرات عسكرية هائلة، ولكن الذي سيحدث بعد ذلك هو أن العراق وبحركة مشابهة لحركة اللاعب المغربي سيسدد كرة خاطئة في اتجاه مرمى الكويت، الشيء الذي أدى إلى تحالف الكثير من دول العالم وشنها لحرب شرسة ضد العراق، شاركت فيها كل دول الخليج، بالإضافة إلى سوريا ومصر والمغرب، وكان من نتائج تلك الحرب تدمير العراق ومقدراته الهائلة، وتقديمه في نهاية المطاف كهدية لإيران التي لم تدفع شيئا مقابل الحصول على تلك الهدية الثمينة.

هكذا خسر العراق ومنح فوزا ثمينا لصالح عدوه الإيراني من خلال تسديدته الخاطئة التي وجهها ضد دولة الكويت الشقيقة.

في الخامس والعشرين من مارس 2015 أعلن عن انطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين المدعومين من إيران حسب التحالف العربي المشارك في العاصفة، والمتشكل حينها من كل دول الخليج باستثناء سلطنة عمان، بالإضافة إلى مصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان. بعد الإعلان عن عاصفة الحزم سيتم تسديد الكثير من الكرات الخاطئة، على طريقة الكرة التي سددها اللاعب المغربي في اتجاه مرمى بلاده، وكان من تلك التسديدات الخاطئة ما هو موجه ضد الحكومة الشرعية في اليمن، ومنها ما هو موجه ضد بعض الشركاء في التحالف، وكان من أبرز تلك التسديدات الخاطئة، ما تم الإعلان عنه في فجر الخامس من يونيو 2017 من قطع للعلاقات مع قطر وحصارها من بعد ذلك، الشيء الذي أدى بهذه الدولة التي كانت شريكة في التحالف العربي في اليمن إلى الخروج عمليا من هذا التحالف، مع توجيه البوصلة في اتجاه إيران وفتح صفحة جديدة معها.

هكذا خسرت السعودية ومنحت هدفا ثمينا لصالح عدوها الإيراني من خلالها تسديداتها الخاطئة التي وجهتها ضد الحكومة الشرعية في اليمن من جهة، وضد قطر من جهة أخرى. 

في الرابع من نوفمبر 2017 أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض استقالته من الحكومة اللبنانية، وسيتم الحديث فيما بعد عن عملية احتجاز لرئيس الوزراء اللبناني وعن إجباره على إعلان تلك الاستقالة الشيء الذي أدى في المحصلة إلى اهتزاز صورة السعودية لدى حلفائها في لبنان، وهو ما استفادت منه إيران وحلفائها في لبنان.

مرة أخرى توجه السعودية تسديدة خاطئة على أرضية الملعب اللبناني، وكان المستفيد الأول من تلك التسديدة الخاطئة هو عدوها الإيراني.

في فاتح مايو من هذا العام أعلنت المملكة المغربية عن قطع علاقاتها مع إيران، وهي العلاقات التي كانت قد عادت إلى طبيعتها في أواخر العام 2016 بعد سبع سنوات من القطيعة. وفي 13 يونيو 2018 تم تنظيم التصويت على استضافة كأس العالم 2026، فصوتت السعودية ضد المغرب، بينما قررت إيران، ورغم خلافها مع المغرب، أن تصوت بالحياد.

هذا التصويت السعودي الذي كان هو أيضا بمثابة تسديدة خاطئة في مرمى دولة شقيقة وحليفة، قد أدى إلى استياء مغربي كبير، ففي اليوم الموالي أصدرت وزارة الثقافة والاتصال بالمغرب بلاغا جاء فيه أن وزير الثقافة والاتصال المغربي لن يشارك في اجتماع لدول تحالف دعم الشرعية في اليمن، والذي من المقرر أن ينعقد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية.

أكثر من ذلك فقد طالبت أصوات من المغرب ومن خارجه بمناصرة المنتخب الروسي في مباراته ضد المنتخب السعودي، بينما طالبت أصوات أخرى بعدم تحميل الشعب السعودي ومنتخبه أخطاء القيادة السعودية.

هنا أيضا سنجد بأن السعودية قد وجهت بتصويتها ضد المغرب تسديدة خاطئة في مرمى دولة عربية شقيقة وصديقة كانت قد قررت أن تقطع علاقاتها بإيران.

إنها سلسلة من التسديدات الخاطئة التي نفذها القادة في العراق وفي السعودية، وفي غيرهما من البلدان العربية، أدت في المحصلة النهائية، إلى أن ازداد نفوذ إيران في المنطقة، وإلى درجة أصبح البعض يتحدث فيها عن احتلال إيراني لأربع عواصم عربية هي : العراق ودمشق وصنعاء وبيروت.

المقلق في الأمر أن إيران لم تحتل هذه العواصم بحسن أدائها في اللعب، ولا بجهود خارقة بذلتها، وإنما احتلتها بسبب سوء أداء القادة العرب، وبسبب كثرة تسديداتهم الخاطئة. المقلق أكثر أن هذه التسديدات العربية الخاطئة لن تتوقف في المستقبل القريب، وذلك لأن القادة الذين يحكموننا اليوم، لا يجيدون إلا التسديدات الخاطئة.

حفظ الله العرب..

19. يونيو 2018 - 20:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا