احترام التخصص ضرورة (القانون نموذجا) / سيديا ول للاف

لا يمكن  نجاح أيِّ مجتمعٍ دون تكامل، ولا تكامل دون معرفة كل فرد ماله وما عليه، وما هو من شأنه وما هو ليس من شأنه، وما هو مهمٌ وما هو أهم، كما أنه لا استقرار ولا توازن للمجتمع دون إدراكٍ لقائمة الأولويات ما هو من الاختصاص وما ليس من الاختصاص, ذلك كله كي لا تختلط الأمور، ولا تتبعثر المصالح، ولئلا يصبح الناس فوضى لا سراةَ لهم.

ونقصد بالتخصص اقتصار كل عضوٍ أو فردٍ أو جماعةٍ على فنٍ معين، أو عملٍ معين، وهو من الضرورات للمجتمع المتكامل، حيث يفرّق الأعمال والعلوم بين الأفراد، كل فرد  بما له من قدرة ومعرفة في مجاله، أو بما أوكل إليه من مصالح للجماعة.
وهو بلا شك، فإن التخصص يزيد في الإتقان ويؤدِّي إلى المهارة والجودة والاكتشاف والاختراع، ويحد من الفوضى بتنازع الاختصاص أو تدافعه، لاسيما إذا كان تنازع تضاد لا تنازع تنوع.
ومسؤولية احترام مبدأ التخصص تقع على عاتق الدولة والأفراد على السواء، ففي تولي الوظائف يكون من واجب الدولة إسناد المهام على ذوي الاختصاص، بحيث يجعل الطبيب في الطب، والإقتصادي في مكانه، والقانوني كذلك، كما أنه من مسؤولية الافراد أن لا يتولى أي منهم أمرا من أمور الجماعة لا علاقة له به ولا صلة.
وإننا كباحثين نرى أنه من الضروري أخذ مبدأ التخصص بعين الاعتبار، خصوصا في تسيير الشأن العام، فجعل الشخص في غير مكانه ظلم له، وظلم للمكان.
فغير الاقتصادي جعله على أو/ في إدارة اقتصادية، وكذا غير القانوني وضعه في أو/ على إدارة تحتاج لقانوني، فيه عرقلة للإدارة وإحراج له، خصوصا في ظل وجود مختصين أكفاء.
ومن جملة المسائل التي ننادي بها كباحثين قانونيين ونعتبرها عرقة لنمو البلد اقتصاديا واجتماعيا إسناد بعض المهام التي تحتاج مختصا قانونيا لغير عارف بأبجديات القانون، فمن لا يميز بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية لا يتصور منه صناعة قاعدة قانونية تحمي وتحفظ حقوق الأفراد، ولا أن يدير مرفقا عموميا يتولى تكوين وتنظيم وترقية قضاة وقانويين، يُسن ويعدل المنظومة القانونية للبلد.
ومن هذا المنطلق لنبين ما يلي:
1- إذا كانت السلطة التشريعية تعني بأبسط معانيها سن القوانين وتطويرها لتواكب تطور المجتمع، فإن تلك الغاية المرجوة منها لا يمكن أن تتم في ظل أعضاء غير مختصين، فالنائب البرلماني هو صانع القاعدة القانونية، وهو المشرع، لذلك يجب أن يكون على دراية ومعرفة - ولو أبجديا - بالقانون.
لذا نطالب بتضمين شرط الحصول على ليسانص في القانون للشروط المطلوبة في المترشح للنواب، على الأقل، ذلك أنه لا ينبغي أن يبقى منصب النائب البرلماني الذي هو المشرع منصبا سياسيا، حتى وإن كان كذلك، فيجب أن يتطلب حصولا على مؤهل علمي في مجال التخصص.
ولو اعتمدنا التخصص في السلطة التشريعية لاستفادت الدولة من ذلك ماديا ومعنويا، بحيث تسترجع الكثير من الأموال التي تعطى لباحثين وخبراء من أجل إنشاء أو تعديل القوانين، ولا استغنت كذلك عن الكثير من المكلفين بالمهام التشريعية في الوزارات والإدارات، بالاضافة إلى أن ذلك من شأنه خلق منظومة تشريعية قادرة على مواكبة تطورات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى الثقافية للبلد، وأصبحنا أمام مقترحات قانونية بدل المشاريع القانونية.

2- من شأن إعمال مبدأ احترام التخصص ترشيد الموارد المالية للدولة بالاستغناء عن الكثير من المستشارين، والذين يجب إعمال مبدأ التخصص في حقهم نظرا لحساسية مكانتهم.

3- كما أن من شأن إعمال هذا المبدأ رد الاعتبار للقانونيين الذين يمثلون نسبة عظمى من حملة الشهادات في هذا البلد، في الوقت الذي يعتبرون ركيزة أساسية ومحورية تجعلهم - حسب ما يجب أن تكون - لا يمكن أن تخلوَ إدارة ولا حتى مصلحة منهم.
هذا بالإضافة إلى أن وزارة العدل التي تعتبر الجهة الوصية على رجال القانون يجب أن لا يجعل عليها إلا قانونيا، بدءً بالوزير والأمين العام، نظرا لكونها هي التي تُنشئ وتعدل النصوص القانونية حسب الحاجة، ومعلوم ضرورة أن الحاجة التي تتطلب إنشاء أو تعديل قانوني معين لا يدركها ولا يقدرها إلا أهل الاختصاص
هذا وإن بلدا يطمح قادته للتقدم والتطور يجب أن يُحترم فيه القانوني، وأن يمكن من مراكز اتخاذ القرار، فلا يتولى السلطة التشريعية فيه إلا المختصون أو المؤهلون لذلك (من باب وذلك أضعف الإيمان) .. وكذا كل الجهات الحكومية التي لها علاقة بالتشريع.

خلاصة: إن دولة القانون هي التي يحترم فيها ويقدر رجال القانون، لأنها لا يمكن أن تَنال تلك الصفة في ظل إقصاء للقانونيين من مزاكر اتخاذ القانون، وكذا ما لم يكن التخصص فيها ضرورة ويحترم.

ولقد أحسن من قال:
إذا كنت ذا لبٍّ فحاذِرْ تطفلاً * ولا تقفُ شيئا غير ما أنت عارفُ
لكي لا ترى من يزدريكَ زلةً * فللناس فيما تتدعيه معارفُ

23. يونيو 2018 - 16:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا