"السلاحف لا تطير"، وربما كانت آخر من يفكر في التحليق، وآخر من يعطي الدروس في تعلم الطيران، وكذلك "العقلية السلحفية" فهي تغمر ضمائر أصحابها بالانطفاء والانكفاء، فتتجاوزهم دورة الزمن حيث هم، لا يتغيرون ولا يغيرون.
بعض الشعراء الموريتانيين تجمدوا في البيئة الجاهلية حتى أنهم لم يصلوا إلى "الفترة الخليلية"، أحرى أن يتأثروا بهبوب إعصار التجديد والحداثة، وهم يتغنون بالناقة والجمل والغزال رغم أن أصابعهم على الحاسوب ويبحرون في "النت"، وبطونهم ملأى بـ"الوجبات السريعة"، و"المعلبات الصناعية".. فكيف نفهم غربة هؤلاء شعريا؟ كيف نفقه معالم ديارهم الدارسة، وعوالمهم الافتراضية الورائية..
لماذا نلوم الجمهور لأنه لم يتفاعل مع شعراء من ذلك النوع، ولم يقم لهم "وزنا".. إنهم مجرد نسخ كربونية شعرية قديمة جدير بها أن توضع في المتاحف لا أن تقدم كإبداع، والإبداع لا يغيب، بهذا القدر المريع، عن الإحساس بالعصر.
بعض المسؤولين الموريتانيين، وهذا ليس بيت القصيد، بدورهم لا يزالون يعملون بـ"روح إدارية سلحفاتية"، فترى جموع وطوابير المواطنين لا تغادر أبواب مكاتبهم وكأنها جاءت لدراسة "القيم المعمارية" لنفسية هؤلاء المسؤولين الذين يتفاعلون بشكل معاكس مع روح المواطنة والتغيير وفق تقنيات ومضمون "خطاب البصل والبطاطس".. فلا يخدمون المواطنين، ولا يتفاعلون مع مشاكلهم اليومية، بل يعملون على تعقيدها لتتحول من مشاكل بسيطة المعالجة إلى مشاكل مستعصية تكلف الدولة الكثير من جهودها وحتى سمعتها أحيانا.
ويقع في هذه "الدائرة السلحفاتية" أيضا بعض الحزبيين الذين لا يزالون يعملون بعقلية "هيكلية"، عبر التقارير المغلوطة، و"الاحتيال التنظيمي" فيتصورون أنهم يمررون ما لديهم من صومعة إلى صومعة، وأن لا وجود لغيرهم من "موصلات" وهم لا يعلمون بوجود وسائل الإعلام، ولا يؤمنون بالحرية والتعددية، والحزب، أي حزب، بالنسبة لهم مصدر نفوذ وتنفيذ لفرديات "مقنعة" ومصالح شخصية "سافرة".
بعض السياسيين – في الموالاة والمعارضة – ليسوا أحسن حالا، فهم لا يكرهون شيئا كالحقيقة، ولا ينصتون إلا لهواة التسميم والتهريج، يريدون "تجميد" الحالة العامة عند مستوى رؤيتهم.
وبعض الشباب "السياسيين" يعملون بأسلوب عجائزي قديم تحجر في المنظومة الذهنية لبيئة اجتماعية معينة، وهم عاجزون عن إيصال خطاب المرحلة إلى أنفسهم فكيف بغيرهم.. نقول لهؤلاء "لا تبحثوا عن الأفق تحت أقدامكم"، وكفاكم سبا للظلام وخوفا من إيقاد الشمعة التي تضيء دروبكم.
نحن مجتمع تشبع من مفاهيم ومبررات فلسفة الإهمال والنسيان والاحتقار والفوضى واللامبالاة.. فليتركنا وشأننا هؤلاء "الماضويين" (روحا وإرادة)، فلن تكون محاولة فرض سيطرتهم على "ذائقة" المجتمع سوى تجديف عقلي مكلف لهم ولنا، وغير مجد بكل الأحوال.
الجميع يعلم أن مشكلة "المستنقعات الآسنة" أنها لا تصلح للزراعة ولا تصلح للسباحة، لكن قد يخرج لكم "فيلسوف وطني" في رابعة النهار ويدعي أن حماية المستنقعات ضرورة ملحة لصيانة حق الطفيليات في الحياة..!
الزمن لا يدور وفق رغبات "السلحفيين"، لا يمكن أن تكون لهؤلاء بعد الآن كلمة عليا أو سفلى في تسيير الشأن العام: سياسة، أو إدارة، أو شعرا.. أو أي شيء كان.
بكلمة واحدة.. إن أحدا لن يتعلم الطيران من السلاحف.