ما تسعى إليه شخصيات في الموالاة هو تصوير كل حراك احتجاجي، اتخذ طابعا عماليا أو شبابيا، أو حقوقيا في البلاد، على أنه حراك معارض يستهدف النظام.. وهذه إحدى أكبر الأغلاط التي يسعى "أولئك" (الموالون بالنهار المعارضون بالليل) لترسيخها أو تسويقها لصانع القرار.
، بل إنها إحدى الوسائل التقليدية لزرع "بذور" الشك في نوايا فاعلين وطنيين يتحركون من أجل تحقيق مكاسب مستحقة للعمال والشباب والشرائح الاجتماعية التي تعاني الغبن والتهميش.
ولو أن صانع القرار سمع لأولئك "القوم" لما أنجز حزمة من المشاريع لصالح الفقراء في مجالات السكن والنقل والصحة والكهرباء والماء والتشغيل".
أولئك القوم" عرفناهم في "هياكل تهذيب الجماهير" وغيره من التشكيلات الزئبقية التي كان همها الوحيد أن تشكل حاجزا "شوكيا" بين مؤسسة الرئاسة وبين الفقراء وأصحاب المظالم والحقوق، وبذلك عزلوا عدة أنظمة في بروج عاجية رغم أنها جاءت في البداية وهي تحمل توجها وطنيا ثم انقلبت على شعبها وطوقته بالفساد ونهب ثروات البلاد بناء على النصائح "الهرمية" التي أغدقت من كل الاتجاهات.
نفترض أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لن تنطلي عليه "حيل" و"شعوذة" رافعي الحواجز، وأصحاب التقارير "التجميلية" التي تقلب الحقائق وتثبت "الأكاذيب" كسقيفة حامية من قيظ المظالم.
ونفترض أن "المعروض" في الشارع هو خير وسيلة لاستكشاف هموم المواطن الموريتاني البسيط الذي انتقل من حالة "الغيبوبة" إلى حالة الشكوى ووضع يده على مكامن الداء في جسمه و"جسم" الإدارة من حوله.
ولهذا من المشرف أن باب الرئاسة الموريتانية ظل طوال الفترة الماضية "هيد بارك" (ساحة حرية) للمعتصمين والمحتجين من أصحاب المظالم ومن طحنتهم البطالة والفقر والتهميش وظلم الإدارة.. فهم يحملون همومهم للرئيس الذي سموه "رئيس الفقراء"، ولن يقبلوا أن يقوم وزير أو مسؤول بحجب مطالبهم وإبعادهم عن واجهة الاهتمام الرسمي بحجة أنهم "مثيروا متاعب ووجع رأس"، فذلك خطاب ولى زمنه، وولت أكثر من ذلك فاعليته.
هل يريد "المجملون" القول إن الأوضاع في موريتانيا بخير؟.. كلا، وألف لا هي ليست بخير، وكيف تكون بخير بين ليلة وضحاها بعد "خمسينية الجمر".
إن الأوضاع ليست بخير في أي بلد من هذا العالم، في دوله الصناعية ودوله المصنوعة، فكيف بنا نحن الدولة التي ولدت من تحالف الجفاف والإفقار.!
لا أحد يطالب السلطة بحلول سحرية، لكن على السلطة مواجهة المشاكل الموروثة والمتراكمة ومعالجتها وفق الأولويات، ووفق سياسة "الباب المفتوح".
إن البلد بخير، لكن الأوضاع ليست بخير، ولن تكون بخير ما دام "البعض" يرى مهمته المقدسة في "تزييف الواقع"، أو محاولة اتخاذ المعارضة الديمقراطية شماعة يعلق عليها كل ما "ثقل" عليه، أو لم يوافق "هواه".
ستكون الأوضاع بخير عندما يرفع بعض الموالين وبعض المعارضين يدهم "النظيفة" عن السياق الحقيقي للمطالب الاجتماعية، لأن تسييس هذه المطالب يخرجها عن طابعها الاجتماعي البحت ويحولها إلى "ورقة صفراء" على طاولة اللعبة السياسية المشخصنة.
وستكون الأوضاع بخير عندما يقرر "أولئك" رفع العربة من أمام حصان الحوار، وعندما تكون "مطالب" هذا الطرف أو ذاك مطالب معقولة وغير تعجيزية.. لأننا شاهدنا من خلال بعض العرائض المطلبية ما يتجاوز حدود "الإحراج" إلى نطاق "التعجيز"، وهذا ما لا يخدم في النهاية أي طرف، ولن يدوّر - على الأغلب - سوى عجلة العبثية.