أرجو أن تسمحوا لي بطرح عدد من الأسئلة الحائرة، وذلك من قبل أن أميط اللثام عن القائد الملهم الذي يستطيع أن ينقل موريتانيا من المجاعة إلى الريادة في سنوات قليلة. هذه الأسئلة الحائرة أطرحها بمناسبة ظهور مجاعة في بعض قرى الشرق الموريتاني بعد عشر سنوات من "الجهود الجبارة" و"القفزات النوعية" التي قيل بأنها تحققت على أكثر من صعيد.
أسئلة إلى رئيس الحزب الحاكم
لقد قلتم في مهرجان نظمه حزبكم الحاكم في شهر يوليو من العام الماضي بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز "أطعم من جوع وآمن من خوف"، السؤال المطروح هنا هو : لماذا استثنى الرئيس محمد ولد عبد العزيز قرية "أزرافية" وقرى أخرى من إطعامه من الجوع الذي تحدثتم عنه؟ ولماذا أصبح شهر يونيو شهر الموت جوعا؟ ولعلكم تتذكرون فاجعة التدافع على الزكاة التي حدثت في أول يوم من شهر يونيو من العام 2016، والتي أدت إلى وفاة عدد من النساء المتسولات بلغ في يوم الحادثة ثمانية، وربما يكون قد ازداد من بعد ذلك .
فبأي منطق ـ يا سيادة رئيس الحزب الحاكم ـ تقول بأن "الرئيس المؤسس" أو "الأب الحنون" يُطعم من جوع، وهو الذي جاع في عهده الكثير من الناس؟
أما فيما يخص آمن من خوف، فيكفي أن نعرف بأن سكان بعض الأحياء في العاصمة قد شكلوا فرق حراسة شعبية لتوفير الأمن في أحيائهم، مما يعني بأن "الرئيس المؤسس" لم يؤمن من خوف.
أسئلة إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة
بما أنك تتحدث عن كل شيء، وتبرر كل شيء، فبِمَ تفسر ـ يا سيادة الناطق باسم الحكومة ـ المفارقة التي تقول بأنه كلما وعد الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنزول الأمطار وبحلول البركة عرفت بلادنا جفافا ماحقا. لقد وعد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في نسخة لقاء الشعب التي تم تنظيمها في العام 2011 بالأمطار، وقد قال في رده على مداخلة أحد المواطنين:"الأمطار تأخرت لكنها ستأتي إن شاء الله، فكل المؤشرات والمعطيات الموجودة عندنا تقول بأن الأمطار ستأتي بعد تأخرها، وقد بدأت تأتي". لم تأت الأمطار، وعرفت البلاد في ذلك العام جفافا تسبب في خسائر كبيرة في ثروتنا الحيوانية. وفي يوم 27 ـ 07 ـ 2017 ومن مدينة النعمة، وفي إطار دعايته للتعديلات الدستورية قال الرئيس ولد عبد العزيز بأن التصويت ب"نعم" على الاستفتاء سيدر الضرع، وسيزيد من عدد البقر الأحمر. الذي حدث بعد ذلك تعرفونه يا سيادة الناطق باسم الحكومة، فثروتنا الحيوانية باتت مهددة اليوم بجفاف صاحبه غياب شبه كامل للحكومة، حتى وإن كنتم قد قلتم في آخر مؤتمر صحفي لكم بأن الحكومة تعمل على قدم وساق لتنفيذ خطتها التي رسمتها لمواجهة الجفاف.
أسئلة إلى صاحب الوزارتين:
بما أن تخصصكم الإحصاء فسأحدثكم بلغة الأرقام : كيف تفسر ـ يا صاحب الوزارتين ـ أن يجوع المواطن الموريتاني وهو الذي يملك بلغة المتوسطات الحسابية : أرضا مساحتها 294 ألف متر مربع، منها 1190 فدان صالح للزراعة ، ويملك 6 رؤوس من المواشي (إبل؛ بقر ؛غنم)، و 428 طنا من الحديد، و7 أونصات من الذهب، و8 أطنان من النحاس، و40 طنا من الفوسفات، و3 أطنان من الفوسفات، و1714 طن من الجبس، وما يزيد على 4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي حسب الاكتشافات الأخيرة، هذا بالإضافة إلى 674 قدما على واحد من أغنى شواطئ العالم بالسمك؟
فبأي منطق يجوع هذا المواطن الذي يملك بلغة المتوسطات الحسابية كل هذه الثروة الحيوانية والسمكية والمعدنية؟ الكارثة ـ يا صاحب الوزارتين ـ أن هذا المواطن الجائع مطالب بتسديد نصف مليون أوقية قديمة للمؤسسات المانحة ولشركائنا في التنمية. نصف المليون هذا يمثل نصيب كل مواطن موريتاني من المديونية الخارجية.
سؤال آخر: بأي منطق تفسرون الارتفاع الجنوني لأسعار العلف بعد تكرم الرئيس بإلغاء التعرفة الجمركية عنها؟
حقا إنه لشيء محير أن يجوع أهل هذه البلاد التي أنعم الله عليها بثروات طائلة، وقدر لها في الوقت نفسه أن يكون عدد سكانها أقل بكثير من سكان مدينة مغربية واحدة، كالدار البيضاء.
إلى كل من يشيد بإنجازات النظام
لأنكم كثيرا ما تتحدثون عن إنجازات غير مسبوقة تقولون بأنها قد تحققت في هذه البلاد على يد فخامة القائد محمد ولد عبد العزيز (رئيس العرب والأفارقة)، فلا بأس من إطلاعكم على بعض "الإنجازات المتواضعة" التي حققها الرئيس الرواندي "بول كاجامي"، والذي يتولى حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي.
من قبل الحديث عن "الإنجازات المتواضعة" للرئيس الرواندي بول كاجامي، فلا بأس من العودة قليلا إلى الوراء، وإلى السادس من إبريل من العام 1994 حيث أسقطت طائرة الرئيس الرواندي حينها "جوفينال هابيريمانا"، فمات هو ومن كان معه في الطائرة، وكانت تلك بداية لواحدة من أبشع المذابح في التاريخ، ومن أسرعها قتلا، حيثُ قتل ما يزيد على 800 ألف شخص في مائة يوم فقط.
في تلك المذبحة البشعة استخدمت المناجل والمطارق والسيوف لقتل الناس، وقد قتل من احتمى بالكنائس، ووصل الأمر إلى أن أصبح الزوج يقتل زوجته!
في العام 2000 انتخب بول كاجامي رئيسا لروندا، وبعد سنوات قليلة من وصوله إلى الرئاسة تمكنت رواندا ـ والتي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة ـ من تحقيق قفزات نوعية حقيقية ليست كالقفزات النوعية التي نتحدث عنها هنا في موريتانيا، وهكذا انتقلت روندا من المجاعة إلى الريادة، فأصبحت روندا من دول العالم الأقل فساداَ، وسابع دولة في العالم من حيث النمو الاقتصادي، والأولى إفريقيا على مستوى جذب رجال الأعمال، والثانية والعشرين عالميا على مستوى ريادة الأعمال، وتضاعف فيها متوسط الدخل الفردي ثلاثين مرة، فانتقل من 60 دولارا، بل ومن 30 دولارا مع نهاية الحرب إلى 1800 دولار في العام 2015، وتنافس شوارع عاصمتها تيجالي من حيث النظافة شوارع أهم العواصم الأوروبية، كما تنافس بعض مراكزها التجارية كبريات مراكز التسوق في أوروبا، وصنفت منظمة الأمم المتحدة عاصمة رواندا على أنها أجمل مدينة إفريقية في العام 2015، وتيجالي هي أول مدينة افريقية تحصل على جائزة عن زخرفة المساكن مع جائزة شرفية لاهتمامها بالنظافة والأمن والمحافظة على نظام المدينة النموذجية. بالمناسبة أين وصلت حملة رئيسنا لتنظيف العاصمة نواكشوط؟
تخصص روندا 44% من ميزانيتها للتعليم والصحة، والرعاية الصحية فيها عالية، ورجاءً فلا تذكرونني بأوضاع الصحة والتعليم في بلادنا، ولا تذكرونني بالرقم 137.
في كل عام تنتشل روندا ـ وأرجو أن لا يستاء رئيسنا من استخدامي لهذه الكلمة ـ مليون فقير، وستحتفل هذه البلاد في العام 2020 بالقضاء على الفقر بشكل كامل.
وبما أن الجميع منشغل هذه الأيام بالرياضة وبتصفيات كأس العالم، فلا بأس من القول بأن رواندا هي الراعي الرسمي على أقمصة نادي "أرسنال" الانجليزي، وأنها من بين الراعين للدوري الانجليزي (2018 / 2019) من خلال شعار "زوروا روندا"، وبالمناسبة فإن السياحة تحقق 43% من الدخل الإجمالي لروندا.
أما بالنسبة للرئيس الرواندي الذي كان وراء هذه النقلة النوعية في بلاده، والذي لا جدال في أنه قد ارتكب بعض الأخطاء، فهو قائد ملهم قد حصل على الكثير من الألقاب والأوسمة منها:
- أن بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق، وصفه بأنه "أعظم قائد في عصرنا"، كما وصفه توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، بـ"القائد الملهم".
- حصل على عدد كبير من الشهادات الفخرية من عدة جامعات أمريكية، فحصل على ميدالية الرأسمالية والتقدم الاجتماعي من جامعة ولاية جورجيا، وجائزة مؤسسة كلينتون العالمية للمواطن، وتم اختياره من طرف مجلة بريطانية كواحد من الشخصيات الأكثر تأثيرا بالعالم.
تلكم هي روندا التي انتقلت في بضع سنين من المجاعة إلى الريادة، وذلكم هو قائدها الملهم بول كاجامي الذي نحتاج في هذه البلاد إلى قائد مثله، ولذا فعلى كل مطبل ومصفق في بلادنا أن يعلم بأن بناء قصر للمؤتمرات في عاصمة تعاني من الجوع والأوساخ، وأن رئاسة الاتحاد الإفريقي، أن كل ذلك ليس بالإنجازات التي تستحق الإشادة والتثمين، خصوصا في أيامنا هذه التي سيزورنا فيها الرئيس الرواندي الذي حقق لبلاده إنجازات عظيمة في سنوات قليلة.
حفظ الله موريتانيا..