يوم التصويت في بلادنا أو يوم الاقتراع هو يوم عظيم، حيث أنه المرحلة الأولى لانتهاء مأمورية وبداية أخرى، وتشكل نظام جديد للحكم عن طريق عملية الإنسلاخ من النظام القديم القائم مع إعادة بناء وترتيب ذاتي داخلي لعناصره دون المساس بطبيعة أركانه أو نصيبهم من الكعكة الوطنية، في شكل يشبه عملية الإنسلاخ لدى الأفعى، حيث تغير جلدها لكن لا تغير أنيابها، وهناك الكثير من المظاهر، والمشاهد التي تحدث في هذا اليوم،
و تدل على مدى فظاعة أمره وشدة هوله، والتي من أبرزها ما يلي:
(1)
قرب الأُطر من المواطن
من المشاهد النادرة التي تحدث يوم التصويت قرب من يسمون أنفسهم بالأطر الوطنية من المواطن البسيط، وسواء كان هذا القرب والدنو مباشرا أو غير مباشر فهو حدث مؤقت يتكرر مرة واحدة كل (5) سنوات وربما كل (12) سنة ويدوم ليوم واحد فقط.
في أدباي " أمزيريق" يستيقظ "مسعود" باكرا، ويخرج الفضفاضة الوحيدة التي يملك للمناسبات، ويلبسها، ويجلس مع رفاقه ينتظرون قدوم السيارات التي بعث بها أطر المقاطعة لنقل الناخبين إلى مكتب الإقتراع، الذي يبعد عنهم حوالي 18 كلم. ركب الجميع فرحين بما آتاهم الله من فضله، ومستبشرين بهذه السيارات الجديدة المكيفة، خاصة "أمبيريكة" زوجة مسعود كانت أكثرهم فرحا لأنها تذكرت صيف السنة الماضية، إذ كادت تفقد حياتها بسبب نزيف أصابها أثناء عملية الولادة، لولا تدخل "ممدو جلو" من "أكصر جلل" المجاور، و نقلها إلى مستشفى عاصمة المقاطعة على "عربة خيل"، التي هي وسيلة النقل الوحيدة في المنطقة في ظل غياب تام لسيارات الأطر، و سيارات الإسعاف، والمستشفى، والطبيب، والحكومة. مشهد نقل أمبيريكة بين الحياة والموت على عربة خيل إلى المستشفى في القرن 21 رغم فظاعته إلا أنه يرسم صو رة نادرة و ناصعة من صور الوحدة الوطنية، التي لم تشبها شائبة في زمن كثرت فيه الدعوات والنعرات العنصرية الهدامة.
(2)
التولي شطر مكتب التصويت رقم 25
من أعظم مشاهد يوم التصويت أن يصبح أصحاب المظالم وما أكثرهم مولين وجوههم نحو مكتب التصويت رقم 25، بالإدارة العامة للعقارات في ولاية نواكشوط الغربية، حيث يدلي رئيس الجمهورية والسيدة حرمه إن استيقظت من نومها بصوتيهما.
"ميمونة" السيدة الخمسينية من سكان " الكزرة" نزحت مع أسرتها بعد جفاف 2003 إلى العاصمة توقظ زوجها "سيد أحمد" باكرا ،وتخاطبه قائلة : قم وحضر كل أوراق القطعة الأرضية، وتوجه إلى المكتب رقم 25 الذي سيصوت فيه فخامة الرئيس لعل الله يحدث بعد كل هذه السنوات الأمر الذي طالما أنتظرناه بحل مشكلتنا، يصل سيد أحمد متأخرا للمكتب رقم 25، ويزاحم رغم كبر سنه مع المئات من كل أطياف المجتمع الموريتاني من أصحاب المظالم، والباحثين عن فرصة عمل من أصحاب الشهادات العليا، و بعد أن كاد يفقد أنفاسه إختناقا من شدة الإزدحام يقترب من باب المكتب ليكتشف أن فخامة الرئيس قد غادر المكان، ليعود هذا المواطن الطيب البسيط أدراجه بخفي حنين، ويبقى حلم حصوله على قطعت أرض تأويه، وأطفاله الثمانية على مشارف العاصمة معلقا ينتظر لسنوات أخرى لعل الفرصة تتاح له مرة أخرى في عرض مشكلته على أعلى سلطة في البلد بعد أن عجزت الوزارة المعنية عن حل مشكلته، وذلك رغم كون مساحة أرضه لاتتجاوز مساحة "كراج" سيارات السيد النائب على اللائحة الوطنية.
(3)
التولي يوم التصويت
ومن المشاهد التي تنخلع لها الألباب مشهد تولي الزوجة والبنت يوم التصويت، وعدم اكتراثهم بما يحصل.
ففي حي "تفرق زين" تستيقظ الشابة "إلهام" البنت المدللة لأحد أشهر المترشحين على رأس اللائحة الوطنية لمرشحي الحزب الحاكم، والتي عادت قبل أسبوع من إجازتها الصيفة على شواطئ جزر الكناري في أسبانيا، وتصيح منادية للخادمة السنغالية "أمينتا" بلغة فرنسية ركية :كم الوقت الآن؟ تجيب الخادمة الساعة الآن 12:30 منتصف النهار، وراحت تسأل ثانية: أين أهل الدار؟ : تجيب أمينتا : الوالدة لاتزال نائمة، والوالد خرج باكرا ، فاليوم يوم التصويت، وتقول الخادمة مبتسمة للبنت المدللة: ألا تذهبين لتصوتي لوالدك؟ تجيب البنت : كيف لي أن أخرج في شمس محرقة تفسد لون بشرتي، الوالد أصلا عرف أنه ناجح قبل بداية عملية التصويت. تغادر الخادمة السنغالية باب غرفة البنت المدللة، وهي تتمتم باللغة الولوفية "كيف لشخص لم يستطع أن يقنع أقرب الناس إليه بمشروعه السياسي أن يقنع الآخرين لعلها ديمقراطية نار كنار" .
ويبقى أعظم المشاهد التي تحدث يوم التصويت، وتدل على شدة ذلك اليوم ما يحصل من ظلم الناخب لنفسه ولوطنه، حيث يلدغ هذا الناخب الحر الشريف في نفس الجحر بتصويته لصالح نفس الأشخاص، والأسر، ونفس النظام لحوالي أربعة عقود من الزمن أملا في تحقيق بعض مطالبه في الحياة الكريمة دون جدوى، ومع ذلك نلتمس لهذا المواطن الناخب الشريف عذر الجاهل المقلد، وضرورة المضطر، فمن يجهل كتابة اسمه يجهل أكثر أهمية صوته، و من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية صوته.