العلامة:عبد الله بن بيه و"تفكيك المنظومة المفاهيمية لخطاب التطرف" / د.محمد علي اسلم ولد الطالب أعبيدي

إن وراثة الأنبياء الخاصة بأهل العلم تقتضي القيام بوظائفهم في التوجيه والإرشاد، وتصحيح المفاهيم الملتبسة والتدخل بحزم وصرامة في اللحظات الحرجة التي تمر بها الأمم.

ويجب أن يعود المسلمون -في كل زمان ومكان - إلى العلماء فيما يختلفون فيه من أمور دينهم ، لقوله تعالى :

( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) كما كان الصحابة رضوان الله عليهم  إذا اختلفوا في أمر  ردوه إليه عليه الصلاة والسلام فبين لهم وجه الحق فيه وأوضح لهم سبيل الهداية.
مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتظرهم ليعودوا إليه إذا كان الأمر يتطلب مبادرة منه لنذر فتنة أو بوادر حرب أو شقاق بل يخرج إليهم بنفسه ناصحا وموجها.
فمن يأخذ المبادرة من علماء الأمة الإسلامية اليوم ويتصدى لفتنة التطرف التي أرهقت الأمة الإسلامية فقتلت الإنسان وهدمت البنيان وشوهت الإسلام.؟!
ومن يتحمل المسؤولية من علماء الأمة اليوم، ويتصدى لخطاب التطرف فيفكك المنظومة المفاهيمية لهذا الخطاب،ويبين التلبيس ويقوم الاعوجاج؟
هنا سيطالعنا إسم بارز فرض نفسه في العشرية الأخيرة كرائد للمحظرة الموريتانية والسلم العالمي وحاملا للواء التجديد الديني والحوار بين الأديان والثقافات، إنه العلامة الموريتاني الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم ورئيس مجلس حكماء المسلمين.
الذي حرص في مؤلفاته  ومداخلاته العلمية، وخرجاته الإعلامية أن يضع على بساط البحث والتمحيص مجموعة من المفاهيم الشرعية التي تحتاج إلى تصحيح وتقويم.
والتي طالما تذرع بها المتطرفون لتبرير أفعالهم ومواقفهم
وتقوم المقاربة المنهجية التي يقدمها الشيخ عبد الله بن بيه لتفكيك خطاب التطرف عموما - والمنظومة المفاهيمية لهذا الخطاب بشكل خاص – على ركيزتين أساسيتين:
أولا: أهمية المفاهيم وضرورة تصحيحها
وتعد إشكالية المفاهيم والمصطلحات من أبرز القضايا الفكرية الكبرى التي شغلت العلماء والباحثين عبر تاريخ الأمم، وهاهي تفرض نفسها  من جديد كقضية في غاية الأهمية في شتى حقول المعرفة لاسيما في مجال الدراسات الإسلامية،  ولعل ذلك راجع إلى الخلل الذي طرأ على جملة من المفاهيم كانت في الأصل تشكل مظهراً من مظاهر الرحمة الربانية، التي جاء بها الإسلام ، ومظهرا من سلوك وسنة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي أرسل رحمة للعالمين.
فرغم أن المفاهيم والمصطلحات في التشريع الإسلامي وضعت في الأصل انسجاما مع هذه الحقيقة الدينية، إلا أنها تشكلت في أذهان البعض بصورة مغايرة لحقيقتها، وأدى هذا الخلل في المفاهيم إلى انحراف فكري خطير  لازالت الأمة تعاني من تبعاته إلى يوم الناس هذا .
وهكذا نجد الشيخ عبد الله بن بيه يبرز أهمية المفاهيم  في الكلمة التأطيرية للملتقى الأول لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة المنعقد في أبو ظبي سنة 2014 ،ويبين الحاجة الماسة لتصحيحها أو إعادة صياغتها بقوله:
"إن مسألة المفاهيم قضية في غاية الأهمية؛ ذلك أن المفهوم هو عبارة عن بناء مركب له دلالة تصورية تسمح بإصدار حكم قيمي. فكيف نصوغ هذه المفاهيم؟ ذلك هو التحدي الذي تقتضي الإجابة عنه، مراجعة المدلول اللغوي والشرعي، وكذلك المقاصد والعلل المولدة للأحكام، والواقع والبيئة التي هي مجال التنزيل.  "
حيث يرى الشيخ أيضا في نفس الكلمة "أن جملة من المفاهيم كانت في الأصل تشكل سياجاً على السلم وأدوات للحفاظ  على الحياة، ومظهراً من مظاهر الرحمة الربانية، التي جاء بها الإسلام على لسان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فُهمت على غير حقيقتها وتشكلت في الأذهان بتصور يختلف عن أصل معناها وصورتها، فانقلبت إلى ممارسات ضد مقصدها الأصلي وهدفها وغايتها، فتحولت الرحمة إلى عذاب للأمة، اكتوى به المذنب والبريء واستوى في إشاعته العالم والجاهل".
والمفهوم عند الشيخ كما أشرنا سابقا هو "بناء مركب، فإذا اختل جزء من البناء، فقد خاصيته وبطل توظيفه، لأنه قد يأتي بعكس النتائج المرجوة كدواء اختل فيه عنصر أو وُصف من غير طبيب أو لمريض لا يلائمه"   
ثانيا:محددات منهجية قبل صياغة المفاهيم
إن الناظر في خطاب التطرف ببصيرة الباحث المتدبر سيلاحظ طغيان مسلك الاجتزاء في التعامل مع النصوص الشرعية في كتب القوم ومحاضراتهم وهو مسلك يعمد سالكه -حسب الباحث مصطفى سليمي- إلى بتر النصوص بعضها عن بعض من جهة الاستدلال والتعليل، أو الاحتكام والتنزيل، والاكتفاء ببعضها .
ثم إن جهل القوم باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وأساليبها ونزعهم نحو حرفية النص والمبالغة في التزام الظواهر المباشرة، بعيدا عن أي دور للغة أو السياق ونحو ذلك ،هذا بالإضافة لقصورهم في الإحاطة بالنصوص ورفضهم للمقاصد الشرعية وتأثير الواقع في الأحكام ونحو ذلك..إلخ
كل ذلك جعل أي محاولة لتفكيك الخطاب لا تتجه إلى الأسس المنهجية له هي محاولة محكوم عليها بالفشل، وهنا تبرز أهمية المقاربة التي يقدمها الشيخ في هذا الصدد والتي أتت بنيان القوم ومنظومتهم من القواعد حيث ينطلق الشيخ في إطار تصحيح المفهوم من الحكم الشرعي ومن النص  وهنا يقول الشيخ:
"إن الأحكام الشرعية التكليفية - الوجوب والندب والحرمة والكراهة والجواز- محاطة بخطاب الوضع، وهو الأسباب والشروط والموانع، ومن مجموع خطابيّ التكليف والوضع يتشكل المفهوم الصحيح: فإذا فككنا الارتباط بين الأوامر والنواهي، وبين الشروط توفراً والأسباب وجوداً والموانع انتفاءً، كانت الأحكام لاغية ومُخالفة للشرع.  كما أن انفكاك العلاقة بين المقاصد والغايات والوسائل والأدوات؛ إذ إن وسائل المقاصد السيئة سيئة، وأن لا يتوسل إلى المقاصد النبيلة إلا بوسائل نبيلة."    
لذا وضع الشيخ عبد الله بن بيه اثنا عشر محددا منهجيا للتعامل مع النص الذي هو مولد للمفاهيم، وأصل لتلك المحددات شرعا بالنص أو بعمل الصحابة رضوان الله عليهم لاسيما الخلفاء الأربعة الذين حض النبي صلى الله عليه وسلم  على التمسك بسنتهم.
وسنعرض هذه المحددات بشكل مجمل:
1- النظرة الشمولية التي تعتبر  الشريعة كلها بمنزلة نص واحد في نظام الاستدلال والاستنباط، فمن لم يحط بها علما ولم يجمع أطرافها لم يسعه أن يفقه معانيها.
2- عرض النصوص على اللغة وذلك لإدراك الاحتمالات والحمولة اللغوية التي تهيئ النص للتأويل ...
3- الجمع بين النصوص التي يوحي ظاهرها بالتعارض
4- الموازنة بين الجزئي والكلي وهذه الموازنة ضرورية لتفادي صور أخرى من صور الإجتزاء أي: الاكتفاء بالجزئي والإعراض عن الكلي .
5- عرض الخطاب الآمر "التكليف" على بيئة التطبيق "خطاب الوضع"
6- مراجعة سياقات النصوص وهذه المراجعة تعني تحيين العديد من الأحكام على مر التاريخ لتلائم الزمان.
7- اعتبار العلاقة بين الأوامر والنواهي ومنظومة المصالح والمفاسد
8- مراعاة التطور الزماني والواقع الإنساني :فالتطور الزماني والواقع الإنساني يقترحان صورا مغايرة للصور التي نزلت فيها الأحكام الجزئية، فالواقع مقدمة لتحقيق المناط.
9- النظر في المئالات والعواقب
10- ملاحظة موارد الخطاب طبقا للوظائف النبوية
11- استحضار البعد الإنساني والانتماء إلى الكون: وذلك باعتبار وحدة الأصل والخلق.
12- استغلال الإمكان المتاح في الشريعة .
هذه المحددات التي لم نتمكن من الحديث عنها بشكل مفصل لدواعي الاختصار تقدم للمراجع منهجية واضحة للتمييز بين الخطاب العلمي الإسلامي المؤصل شرعا والمنسجم مع جوهر الدين ومقاصده وخطاب التطرف  الذي يراعي غالبا التأثير في العاطفة الدينية عند القارئ وتوجيهها لتحقيق أجنداته.
كما أن المراجع ومن خلال تلك المحددات سيصبح قادرا على عرض أي مفهوم يصادفه عليها، قبل أن يبني معرفة على هذا المفهوم أو يصدر حكما نازلة ماء بناء عليه
لأن صنع الأداة -حسب الشيخ – التي هي هنا:"القاعدة أو المفهوم الكلي هو أهم وسيلة لإنتاج فكر أو إصدار حكم في قضايا الواقع وفروع الشرع وتفاريع الحياة "
ولا يكتفي الشيخ عبد الله بن بيه بالتنظير لضرورة  تصحيح المفاهيم المفخخة بفعل خطاب التطرف وإزالة اللبس عنها، وإنما يباشر الشيخ في كتبه ومداخلاته العلمية مناقشة هذه المفاهيم وعرضها وتصحيحا، وهنا أنصح المهتمين بالرجوع إلى كتب الشيخ ومحاضراته العلمية فهناك بغية الباحثين وطلاب العلم الصادقين، وسنأخذ في هذه الورقة نموذجين من المفاهيم التي تعرض لها الشيخ وبين مواقع الخلل في توظيفا هذه :
أولا: مفهوم الجهاد
وتحدث الشيخ في الكلمة التأطيرية للملتقى الأول لمنتدى تعزيز السلم عن هذا المفهوم ونوعيه الداخلي والخارجي ومبادرة الجماعات؛ فبين أنه ليس مرادفاً للقتال، ولكن بينهما نسبة العموم والخصوص، أي عموم من وجه، وخصوص من وجه. فليس كل جهاد قتالاً وليس كل قتالٍ جهاداً ولكن وباختصار قد يكون القتال أحد أفراد "كلي" الجهاد، إذ باستقراء النصوص الشرعية، يتضح أن الجهاد يشمل  كل القربات: فبر الوالدين جهاد "ففيهما فجاهد" ، وطاعة الله تعالى جهاد، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داوود في سننه عن فضالة بن عبيد أن رسول الله قال: "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله وجل". 
  وذكر الشيخ تعرف ابن تيمية للجهاد بأنه: " شامل لأنواع العبادات الظاهرة والباطنة، ومنها: محبة الله، والإخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر، والزهد، وذكر الله تعالى ومنه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، ومنه ما هو بالدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة والمال" .
وهنا يبين الشيخ أن: الجهاد "القتال"هو دفاع عن حرية المعتقد أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  وهودفاع عن المستضعفين وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً  ، وهو رد للعدوان  وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .
ويؤكد أن أصل العلاقة مع غير المسلمين السلم وقد فصل ذلك في كتابه :"الإرهاب: التشخيص والحلول" والجهاد في أصل تشريعه هو البحث عن "السلم الدائم" ولهذا طلب من جميع المؤمنين أن يدخلوا في السلم  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وطلب منهم عندما يرون أي بادرة للسلم أن يقبلوها، (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  .
كان كل ذلك في ظروف لا معاهدات فيها تجمع العالم ولا ميثاق، ولا توجد فيها وسيلة لإبلاغ الدعوة إلا بإسناد حربي، ولا توجد فيها حدود إلا بالقوة أو بعد المسافة ولا توجد فيها أسلحة إبادة شاملة.
وقد تغيرت كل هذه المعطيات، فهل يمكن أن يدعو مسلم يفهم نصوص الشريعة ومقاصدها إلى القيام بغزو الأمم؟ إلا أن يكون مُختل العقل جاهلاً بِحقائق الإسلام وواقع العالم.
وهكذا يختم الشيخ حديثه عن الجهاد في الكلمة التأطيرية بقوله :"إن مفهوم الجهاد في الأصل كان من أجل السلم والرحمة، وأن المفهوم اليوم قد يستعمله أشخاص في غير محله وخلافاً لأصله فيفسدون في الأرض فساداً كبيراً لا يرضاه شرع ولا عقل".  
ومن يعود للقرآن الكريم يجد أن بعض الآيات التي ورد فيها لفظ الجهاد نزلت في مكة المكرمة أي قبل أن يشرع الجهاد، بما هو قتال، وهذا ما يكد كلام الشيخ أن الجهاد هو مفهوم كلي وأن القتال هو أحد أفراد كلي الجهاد فقط وهذا طبعا بخلاف ما تروج له قنوات التطرف ومواقعه ومن مطابقة بين المصطلحين بحيث لا يتجاوز أحدهما الآخر.
ثم إن عودة بسيطة إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ستكشف اللبس الحاصل في بعض الأذهان، فأغلب غزواته كان فيها يدفع عنه عدوانا وفي النزر القليل الذي خرج فيه إلى القتال مبادرا يكون خروجه لدرء خطر متوقع.
ثانيا: الولاء والبراء
وهو من المفاهيم التكفيرية الرائجة، ذلك أن الذين يعتمدون على هذا المفهوم – كما يقول الشيخ:"لا يكلفون أنفسهم البحث عن مضمون هذا المفهوم ولا قيوده ولا بنوده، ولا يجمعون بين النصوص، بل لا يذكرون النصوص الداعية الى البر بالآخر، لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)  ، ولا تقسيم العلماء لمراتب الولاء كالفخر الرازي في تفسيره ، وابن العربي المالكي في أحكامه( )، فأرهقوا الأمة وحرفوا هذا المفهوم الذي كان عاملاً للسلم؛ لأنه كان ولاء للدين وبالتالي فهو للوطن ليصبح طارداً وإقصائياً. قال الإمام أحمد: الولاية بدعة والبراءة بدعة فاحذروا منه، كما في رواية الأصطخري" .
وإذا كان لي أن أضيف على ما ذكره الشيخ؛ فتحضرني هنا قضية حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، حين كتب إلى المشركين بمكة كتابا ، فقال أحدهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم :والله ليدخلن حاطب النار قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كذبت والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة.)
فشهد النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب بالجنة رغم خطأه، وكذلك نجد بعضهم يكفر المسلم بحبه لكافر ولو أحسن إليه أو عالجه، أو كانت بينهما رحم، وهذا طبعا ليس على إطلاقه، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (إنك لاتهدي من أحببت)  فأثبت الله سبحانه حب نبيه صلى الله عليه وسلم لأبي طالب مع أنه لم يسلم؟
والله سبحانه وتعالى يقول:(والمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)  فهل يصح أن يقول عاقل بعد هذا أنه لا يجوز لك أن تحب زوجتك، والأصل في العلاقة الزوجة هو الحب والإعجاب.
وكخلاصة لما سبق يمكن أن نؤكد أن وظيفة علماء المسلمين وأئمتهم ودعاتهم  لاسيما في ظرف دولي يتسم بالتعقيد كالذي نعيشه هي وراثة القيم السامية للنبوة بالمحافظة على أمانة النصوص المقدسة و صفائها، و صحة تأويلها و الصدق في ممارستها. ؟
وإذا كانت الجيوش والأجهزة الأمنية  تعالج عرض التطرف والإرهاب  فإن العلماء يعالجون المرض .
ولعل العلامة الشيخ عبد الله بن بيه يعد أبرز مثال يجب أن يحتذي به العلماء في مؤلفاتهم والأئمة في خطبهم، وأن تدمج مؤلفاته في مناهج التعليم في الجامعات والمعاهد و المحاظر كمادة شرعية جاهزة تأصيلا وتنزيلا وقادرة على مواجهة الأفكار الوافدة  والمنحرفة والمُحرفة للمفاهيم.
إن المحددات المنهجية التي يقدمها الشيخ بن بيه للتعامل مع النصوص تعيد للمصطلحات الشرعية بريقها وحمولتها الدلالية المنسجمة مع سماحة الإسلام كما لاحظنا في مفهوم الجهاد، الذي ارتبط في ذهن الإنسان اليوم بالعنف والإرهاب، وذلك نتيجة لكتب الفكر المأزوم وإعلامه ومواقعه التي تحصر الجهاد في القتال فقط، والعدوان أحيانا، وقد استطاع هذا الفكر أن يربط "الجهاد" بمعنى القتال في أذهان الكثيرين حتى لا يتصورون جهادا بغير قتال  بينما الحقيقة التي برهن عليها الشيخ من خلال منهجيته تؤكد خطأ هذا الفهم وتشويهه لهذا المصطلح الشرعي، وقس على ذلك بقية المفاهيم المنحرفة.
...
#ملاحظة: هذا المقال ملخص من البحث المنشور في العدد الخامس من مجلة الموكب الثقافي مناسبة انعقاد #القمة_الإفريقية بنواكشوط.

29. يونيو 2018 - 18:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا