قمة الإتحاد الإفريقي..وتقريع الرئيس اترامب / محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود

قبل أشهر من الآن تهجم الرئيس الأمريكي )دونالد ترامب( على زعماء افريقيا دون تمييز معلنا أن فسادهم فاض ضرره ليصل إلى أمريكا في شكل هجرة سرية وكوارث أمنية وإنسانية تستنزف جودها،وكان سلفه )أوباما( قد نصح زعماء إفريقيا- في أديسابابا- بعدم تعريض أمن بلادهم للخطر،وأن ذلك الأمن يواجه تحد كبير بسبب رغبة بعضهم في التمسك بالسلطة إلى الأبد حتى يصير أمن بلده على كف عفريت.

ما فتئ )اترامب( أن تنكر لتصريحه المذكور مستغفرا من كذبته كما استغفر الشاعر أحمد مطر.
لقد ذعر )اترامب( من أسود إفريقية قوية زأرت في وجهه مثل الرئيس السنغالي )ماكي صال( والرئيس الموريتاني )محمد ولد عبد العزيز(،الأخير الذي فضل الرد بالأفعال لا بالأقوال في تحد شجاع جسده باستضافته للقمة الحالية المتعلقة بمحاربة الفساد والهجرة السرية الناجمين عن جرائم ذوي الياقات البيضاء التي كانت سببا في أزمات ومآسي كثيرة.
الفساد وغيره من الظواهر الملازمة تحاربها افريقيا بنصوص تمثل آليات قانونية وطنية ودولية تصنع خارطة طريق نحو العدالة ورفاه الشعوب..وإذا تم تطبق تلك النصوص سيخيب ظن الرئيس )اترامب( وتصوراته غير اللائقة في حق بعض الزعماء الأفارقة..أما إذا لم يتحقق ذلك فويل للعاصية من حجر جاليات.
وبذلك صارت قمة نواكشوط قمة للتيار الثوري الذي تتزعمه دول حليفة لفرنسا والصين الشعبية التين تنافسان أمريكا في نفوذها الإفريقي.
أمريكا مع ذلك مطمئنة على مصالحها ما دام الإتحاد الإفريقي مجرد آلية من آليات تجسيد العولمة بما تعنيه من دوران في فلك منظمة الأمم المتحدة الخاضعة للنفوذ الأمريكي،ما يعكسه كون العلاقات البينية داخل دول الإتحاد مثل حسن الجوار واحترام حقوق الشعوب تكاد تكون حبرا على ورق في أجندته،لأنه لا يملك في واقع الحال حلا ولا عقدا إلا في واشنطن.
لهذه الأسباب لا تعارض أمريكا تمرير الإتحاد الإفريقي أي شراكة تجارية محدودة الأثر بين افريقيا وبعض الدول العظمى أو بين افريقيا وتكتلات إقتصادية أخرى لأن كل الطرق الإقتصادية صارت تؤدي إلى انيوييورك بعد أن كانت تؤدي إلى روما.
وأمريكا أيضا لها آليات مختلفة للتحكم في افرقيا من بينها شبكة نفوذ قوية على حلفاء يمكنها تجنيدهم في وجه المد الصيني المتزايد،وهم بدورهم يملكون حق ولاء دول القارة بصفتهم المعتق الذي منح الاستقلال.
يضاف إلى ما سف كون دول افريقيا لا تستطيع تهديد أمن أمريكا،وإن كانت شعوب افريقيا المهاجرة هربا من الويلات مصنفة كآفة تهدد أمن الغرب الصحي والغذائي عموما وأمن أمريكا خصوصا.تواجه أمريكا تلك الشعوب بلا رحمة حتى ولو تطلب الأمر التفريق بين المهاجر وأطفاله ومعاملة كل على حدة بصفته حيوان مملوك لها تنفذ فيه قراراتها دون محاكمة.
الشعوب الإفريقية تتضور جوعا وخوفا على أبواب الغربيين من أروبيين وأمريكيين دون أن تحظى بقرى الضيف،ورؤساء الدول الإفريقية دأبوا على الاجتماع كل سنة ليؤمن بعضهم للبعض الآخر عندما يلقي خطابا شاعريا يصف فيه جنان خلد أعدت لمن أعدت له من خاصة وعلية قوم،ويصنف المواطن الذي لا يشعر بما يشعر به هو من نشوة وسعادة كمصاب بمرض الحسد.
الحسد السياسي مصطلح حان له أن يجد النور في معجم السياسة الإفريقية لعله يسهم في فهم علاقة الحكام بالمحكومين داخل دول التي لم تكن نظمها الدستورية المستوحاة من الغرب تبوب على واقع يفرض علينا نفسه فلا نجد له مصطلحا أكثر تعبرا من الحسد السياسي.
الحسد السياسي منه ما يجعل المحكوم يحسد الحاكم ويتمنى زال النعمة عنه،ومنه نوع آخر تجسده النميمة السياسية بين سياسيين تنافسوا في استحقاقات عامة تنافسا غير شريف،لكن يبقى أعظم أنواعه خطرا هو ذلك النوع الذي يمارسه الأقوياء في حق الضعفاء ليمنحهم مبررا لحرمان طبقة الضعفاء من تغيير واقعها نحو الأفضل خوفا من تمردها عليهم إذا شبعت..وتغيير الواقع نحو الأفضل يحرم منه من يحرم من معايير عامة ومجردة تضمن العدالة والشفافية المتعلقة بالتوظيف وغيره من الفرص.
غياب تلك المعايير في أغلب دول القارة جعلت تصريحات )اترامب( المعادية للقادة الأفارقة تجد صدى كبير لدى النخب الإفريقية المعارضة، خاصة تلك التي تسعى إلى تحقيق العدالة ومحاربة الفساد و التبادل السلمي للسلطة وتحسين الظروف المعيشية.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أهنئ دولتي موريتانيا لنجاحها الباهر في تنظيم القمة الإفريقة التي نجحت في تنظيمها نجاحا مضافا لنجاحها في تنظيم قمة جامعة الدول العربية سنة 2016.
هما برهانان يعيدان ثقة سبق أن اهتزت في قدراتها الأمنية لما وفرته من أمن ورفاهية لعشرات زعماء العالم بمن فيهم رؤساء عرب وأفارقة انخرطت دولهم في حروب ضد منظمات معروفة،ولم يتعرضوا خلال مقامهم في موريتانيا لأي حوادث أو مضايقات،ما أثبت أيضا كفاءة قطاعها السياحي المضياف الذي يهتم به من يريد التعرف على مناخها الاستثماري الواعد..فلك الكلاءة والظفر يا بلادي. 

2. يوليو 2018 - 7:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا