عزيزتي نواكشوط / أحمد فال ولد الدين

altما هي بأحاديث عقوق ومن الحيف أن تُفهم على أنها كذلك. فتبرّم المحبين بمحبوبيهم يعمرالقلب حركة وتوترا يدفعان العلاقة الوجدانية دفعا، وإذا اختفى ذلك التظلم والتوتر ماتت سبُل الإبداع وبهت عنصر الزمن:

عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ!

فبحبيك! وبما أحمل بين جنبيّ من تعلق بثراك المغبر وشوارعك الملتوية التواء نيات كثيرمن سياسييك ساعديني أن أفهم!

لا أعلم أنك حوصرتِ، ولا أن العالم رماك عن قوس وحرمك العملات الأجنبية أو حرم كل مسؤوليك وتجارك من السفر والضرب في أرجاء الأرض بحثا عن رزق الله.

لا أذكر أن قبائلك خرجت للشوارع مشرعة الحراب لحل خلافاتها، ولا أن شرطتك صبت النار ضحوة وقتلت المئات أو الآلاف. ولا إخال أني اطلعت على إحصائية تقول إن سكانك يتجازون الأربعة عشر مليون قاطنين بأرض لا منفذ لها على بحر.

لكني إذا طوّفت في شوارع عاصمتك رأيت عجبا. رأيت- وأنا في القرن الواحد والعشرين، وبعد استقلالك بخمسين حولا- أنك البلد الوحيد الذي توجد فيه إشارات مرورية تعد على أصابع اليد الواحدة.

رأيت أنك من أعجب ما يمكن أن يتخيله المرء. فأنت عبارة عن مجموعة من المنازل التي يخيل
إلى المرء أن المهندس الذي وُكل بتخطيطها كأنما قرر أن يضعها على معيار واحد: تنكب النظام والجمال والفطرة، حتى كأنها صُبتْ من شاهق دون أي ترتيب، فالتنافر طابعها.

إذ يفكر أبناء أي بلد عادة في وضع بعض اللمسات التي يراها الداخل للمدنية على أطرافها فينشرح صدره ويحس بدخول مكان فيه ذوق وجمال، وأنتِ الاستثناء الوحيد.

رأيت أني إذا دخلتك من الجنوب هبت علي "أشياء المربط" وانسدت نفسي لمظاهر الكبات والكزرات التي تكون أول ما أرى. 

وإذا ولجتك شرقا كانت بشائرك خطا من الإسفلت كحد السنان يقف عليه شرطيان يقسم الناظر
إليهما أن لا دولة تقف وراءهما، ثم أكْزُرٌ وتراب، وقل نفس الشيء عن الدالف من جهة
الشمال.

أما إذا دخلت من علٍ فالأمر أدهى.

تنزل في المطار فتدخل قاعة الاستقبال فتندسّ فراشة في إحدى عينيك، ويتخطاك الناس، أما
الشرطي الذي يطبع لك الجواز فيكون مقطب الجبين تكاد تجزم أن بينك وبينه ثأر قديم. 

مساجدك مغبرة ولا ماء فيها، وأكبر تحد يواجه زائرها هو أين يتوضأ وكيف؟ وأين يؤمن
نعليه؟.

مسارحك – لا مسارح لك!

شوارعك، وما أدراك ما شوارعك!

يخال السائر فيها أنه يقضي عقوبة الأشغال الشاقة. فأذنه لا تخلو من منبه سيارة 190، والعربات التي تجرها الحمير تلجئه إلى أضيق الطريق. وإذا ما شاء ربك أن اقترب من أحد المارة قد يكزه فإذا طلب الاعتذار يرد قائلا: "بيكْ القربْ! ما تحوز الهيههْ!".

أكتب هذه الخاطرة وأنا في عاصمة زمبابوي. فقد هبطت البلد وأنا أحسبه خاويا على عروشه، وأني سأرى مصائب الدنيا في عيون أبنائه، لكني رأيت عجبا!

فالعاصمة فسيحة الشوارع نظيفتها، والناس هادئون وطيبون وخلوقون، ومكثت يومين قبل أن يُريعني منبه سيارة. كانت أول ملاحظة أتحفني بها الموريتاني الوحيد الذي يعيش هنا أن قال: "ما يعجبني هنا أنك لا تسمع منبه سيارة إلا نادرا جدا".

دخلتُ المسجد فرأيت نظافة وهدوء، وأُلقي إلي بمنشفة لينة خاصة بي، ولا تسأل عن نظافة كل
شيء في بيوت الله.

يحدث كل هذا في بلد تعرفون ما حل به، وتعرفون أنه لا زال تحت حصار ماحق، وتعرفون أن
أسواقه خلت العام الماضي كليا من أي خبز أو لبن.

حدثني أحدهم أنه لف شوارع العاصمة هنا العالم الماضي باحثا عن خبز للسحور في رمضان فلم
يجده، فاضطر للسحور بالبسكويت. حصل كل ذلك لكن الناس طيبون وهادئون والشوارع نظيفة
والسيارات تقاد بطريقة تنم عن تحضر وأخلاق.

قد يجادل بعضنا أن للفقر دورا في حالتنا المزرية لكني لا أرى ذلك. فهل عجزت حكوماتنا 50
عاما عن تمويل لافتة عند مدخل العاصمة عليها عبارة "أهلا وسهلا بكم في نواكشوط". أحسب
العجز وغياب الإرادة هما الداء.

21. أبريل 2010 - 15:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا