كنت منشغلا في هذه الأيام بتأليف بعض الكتب لتي اخذت كل وقتي وكنت أظن أن استضافة موريتانيا للقمة الافريقية بعد نجاحها في تنظيم القمة العربية سابقا سيهرق مداد الأقلام المعروفة.. فقد جرت العادة أنه اذا تعلق الأمر بسمعة البلد فان الشعب يصتف وراء القائد كما هو معروف في جميع دول العالم المتحضر.
لكن المتأمل في ماكتب ويكتب عن هذه القمة يلاحظ عدم اهتمام الاقلام المعرفة بها فلا تكاد تصادف الا كتابات متفاوتة من هنا وهناك وحتى تلك الكتابات فأكثرها خجولة محترسة واقلها الموضوعية المنصفة...
في هذا المقال سأحاول أن أتكلم بلسان الحال لا لسان المقال. فأنا لست من الموالاة ولا المعارضة ولا أنتمي الى حزب سياسي وليست لي مطامع معينة لافي هذه الحكومة ولا في الحكومات التي سبقتها.. ولكن الحقيقة تبقى حقيقة سواء اعترفنا بها أو تجاهلناها...
اذا رجعنا قليلا الى الوراء فان أول امتحان لموريتانيا كان تنظيمها للقمة العربية السابعة والعشرون.
في تصريحات أدلى بها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، قبل الحدث بحوالي شهرين، أعلن فيها أن "موريتانيا ستحتضن القمة العربية ولو تحت خيمة..
بدأت كلمات الرجل عند الناس ضربا من المحال اذ كيف لقمة يحضرها عشرات الرؤساء والملوك ومئات الشخصيات والهيآت الدولية والاقليمية تعقد تحت خيمة وخاصة أن العرب يعرفون الخيمة جيدا وكيف يمكن لهذا الكم الهائل من البشر أن تسعه أطناب الخيمة؟
وبما أن الناس شككوا في قدرة موريتانيا على تنظيم القمة العربية بعد أن اعتذر المغرب في آخر لحظة ولم يتبق أمام موريتانيا الا ثلاثة أشهر رغم أنه لم يسبق لها استضافة حدثًا عربيًا بهذا الحجم، وسابقت الزمن لتجهيز إقامات تليق بضيوف البلاد الكبار..
وشكل حينها إيواء المئات من ضيوف القمة العربية هاجسا في بلد يوجد فيه عددا محدودا من الفنادق ومعظمها دون المستوى المتوسط، ويغلب عليها طابع البساطة ..
وقد واجهت نواكشوط مشاكل كبيرة بعد أن قررت أن تستضيف القمة العربية بعد اعتذار المغرب ولم يكن أمامها إلا أشهر قليلة للتحضير لهذا الحدث رغم النقص في البنى التحتية من طرق وفنادق ومنشآت خدمية...
لكن الحكومة الموريتانية تمسكت بحق موريتانيا في تنظيم القمة وفاجأت موريتانيا الجميع بخيمة عملاقة(الصورة:1) تضم قاعة كبيرة لاحتضان الجلستين الافتتاحية والختامية لرؤساء وقادة الدول، إضافة لقاعات جانبية مخصصة للمشاورات واللقاءات الفردية بين القادة العرب ورؤساء الوفود، وتقام على مساحة تزيد على ألفي متر مربع، وتتسع لأكثر من ألفي شخص؛ كما تضم الخيمة مكاتب خاصة بالزعماء ورؤساء الوفود العربية، إضافة لمطعم كبير..
وقد وصف أحد المراسلين الفرنسيين هذه الخيمة بالمعجزة...وكسبت موريتانيا الرهان..
وقد كتبت مقالات آنذاك حول هذا الحدث الجلل مثل: القمة العربية في موريتانيا الضيوف أولا: الرابط:
http://www.aqlame.com/article29521.html
ثم مقال: القمة العربية في أنواكشوط بين الشجاعة والأمل!......أضغط الرابط:
http://www.rimnow.com/a136/5522-2016-07-11-09-40-54.html
وكأن موريتانيا في هذه الدورة تدعوا العرب، إلى العودة لأصالتهم وقيمهم المشتركة، والانطلاق نحو عهد جديد من التضامن، ونبذ الخلافات وتجاوز التحديات مهما كانت طبيعتها...
والخيمة ليست غريبة على موريتانيا فقبل سنين معدودة كنا تحت الخيام كما أننا نلنا استقلالنا تحت الخيمة وكان أول مجلس وزراء برآسة الأب المؤسس الراحل المختار ولد داده يعقد تحت الخيمة...
وهاهي اليوم تحتضن قمة القارة الافريقية بأكملها ويشهد لها قادة هذه الدول بكل أريحية فهذا الرئيس الناميبي الرئيس الدوري للاتحاد الافريقي الجديد يستهل خطابه بالتعبير عن خالص الشكر والامتنان لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز على الجهود العظيمة التي بذلتها موريتانيا في سبيل استضافة وإنجاح هذه القمة. منوها بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة اللذين لقاهما القادة الأفارقة لدى شعب هذه البلاد العظيم،
مبرزا أن ظروف الأمن والرعاية جعلت المشاركين في القمة لا يحسون بمرور الوقت...
كما أصدر الاتحاد الإفريقي اليوم الثلاثاء مقررا رسميا يتضمن تهنئة خاصة لموريتانيا على مستوى تنظيم القمة الإفريقية الحادية والثلاثين ؛ لتصبح بذلك أول دولة في القارة تحظى بهذا التميز، الذي نالته جمهورية جنوب إفريقيا من قبل بمناسبة احتضانها أول دورة من نهائيات كأس العالم لكرة القدم على مستوى إفريقيا.
ولاشك أن هذا التكريم الذي يضاهي في مستواه تنظيم جنوب افريقيا لكأس العالم يستحق التنويه وينتقل بموريتانيا الى العالمية ويبدوا أن الجهود الاستثنائية التي بذلتها الحكومة الموريتانية، في ظرف قياسي، من أجل التحضير الجيد لهذه القمة وتوفير أفضل الظروف من أجل نجاح أعمالها؛ سواء على مستوى الاستقبال والإقامة، أو على مستوى التنظيم وتوفير الوسائل للدول المشاركة أتت أكلها...
ومما يستحق الذكر قصر المؤتمرات الجديد (المرابطون) الذي شيد لهذا الغرض في وقت قياسي وبتمويل واشراف وطني..
وبهذا تكاد تجمع آراء المحللين والمراقبين على أن بلدي موريتانيا نجح في تنظيم هذه القمة تحت فزاعة الهاجس الإرهابي والخوف من وقوع عمليات تخريبية..
ويبدو أن رجل الأعمال ورئيس أرباب العمل الموريتانيين الذي قدم منزله للقمة العربية هو نفسه الذي شيد قصر المؤتمرات الجديد من خزينة الدولة في ظرف قياسي قد لا يخطر على بال...!!
فمن أرض صحراوية لاحياة فيها تبعد من نواكشوط حوالي 20كلم الى قصر مشيد يأخذ بالألباب بسعة 60 وفدا و300 مكتبا وقاعة مؤتمرات تتسع لـ4500 شخصا...ويضاهي القصور التي استغرق بناؤها سنين في ظرف قياسي ثمانية أشهر فقط كما يعتبر منشأة معمارية حضارية فريدة من نوعها(الصورة:1) ومفخرة لبلادنا.
وكأن الرجل ينتقل بأمة من الخيمة الى القصر ومن البداوة الى الحضارة..
إن العمل والراحة من صفات الإنسان، ولما كان العمل هو الذي يحول الضرورة إلى حرية كان كل مصنوع مستورد ضرورة لا حرية فيه والبضائع المستوردة تحد من حرية مستورديها حين تغرقهم بالضرورة، مهما كانت متطورة التي تزداد على حساب الحرية، ولمعالجة هذه المشكلة تعمد الشعوب إلى تبادل الضرورات، أي البضائع المستوردة قدرا بقدر.
إن كل ضرورة مستوردة تلغي جزء من حرية المستورد على قدرها _ وأشد الضرورات المستوردة خطرا على الحريات الضرورات التي تكون أكثر إلغاء للعمل عند المستورد...
لأن العمل هو الحرية، وكل ما يلغيه يلغي الحرية...
وحرية الفرد في المجتمع على قدر عمله، فإذا أخذ من عمل الآخرين مما يعطيهم من عمله، فقد من حريته بقدر ما يزيد لهم عنده، وأكثر الأفراد من يرون آثار عملهم فيما بين أيديهم من حاجات... وأقسى ما يواجه الحر من عقبات أن يجد نفسه غريقا في عطاء الآخرين، وليس له ما يعطيهم، لشعوره بأن ذلك على حساب حريته.
وهذا هو واقعنا الحالي للأسف فمازلنا نعيش على كل ماهو مستورد!!
ولكن بامتلاكنا للإرادة والعزيمة فإننا سنخرج لا محالة من شرنقة (لخيام) أو (لفريك) وما قصر المرابطون الذي أنجز في أشهر معدودة بأيدي موريتانية ومن خزينة الدولة وتنظيمنا للقمة العربية والافريقية التي أذهلت القاصي والداني الا مبشرات ستوصلنا لامحالة الى الركب الحضاري الانساني ان نحن استثمرناها جيدا وتدخلنا القصور بدل لخيام.