رد على مقال "الخوارج وأتباع الرسل" / محمد بن محمد الأمين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وبعد فقد اطلعت على رسالة للأستاذ النبيه محمد بن بتار وقد رأيته أجاب السائل حول قضية تشبيه الخارج على حاكم القانون الوضعي بالخوارج الذين ورد ذمهم في النصوص الشرعية تحت عنوان " الخوارج وأتباع الرسل".

فكتبت إثراء للبحث مع أني لست مؤهلا للتعليق على كتابات الأستاذ المتميز الذي عرفته بدماثة الخلق والظرافة وبراعته النحوية نسأل الله لنا وله التوفيق .
ومما يعجبني اهتمام الشيخ بالقضايا المعاصرة وقد قرأت رجمه لبعض الحداثيين والزنادقة المتطاولين على جناب الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعض صحابته الأخيار .
كما سرني تعليق الشيخ على قضية الحاكمية فلعل هذا مدخل لبحث مهم فأهل شنقيط بحاجة إلى أن يحرك علماءهم وخصوصا مشايخ المحاظر بحثهم حول الحكم الشرعي في التحاكم للقوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلامية ومن العيب الكبير والتأخر عن الواجب عدم بحث مشايخنا لهذه النازلة العظيمة واكتفاءهم الذاتي بالحواشي و الطرر على قضايا قد لا تقع وإن وقعت فلا ضرر فيها أو يعد نسبيا أمام النوازل العظام .
ونحسن الظن بمبادرات ومشاركات الأستاذ في هذا المجال المهم : وفي التبادر حصول الأرب
نعم ولا غرو فالشيخ يأتيه حب البحث والدراسة والعلم من قريب حيث يلازم المرابط الملهم شيخنا الشيخ محمد فال ول عبد الله "إباه " نسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية.
وهذه ملاحظات تعتبر جهد المقتر على فتياكم أرجو أن تحل محلها
(لكنه قد يبذل الجهد مقتر وقد تكرم الأضياف والقد يشتوى)
الملاحظة الأولى:
طريقة الإستدلال بالآية على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله وقع فيه إهمال بعض الضوابط المهمة
وأولها الواقع وثانيها الترجيح بين الأقوال وثالثها تصحيحها بعد التخريج.
فضيلة الأستاذ نقلكم لكلام بعض المتقدمين رغم ما يتخلل بعضه من ضعف الإسناد محله الحاكم بما أنزل الله في الحكم العام لكنه يترك أو يتكاسل عن بعض القضايا والجزئيات الخاصة لقرابة أو شهوة أو رشوة.
وهذا خلاف الواقع فالقضية اليوم هي استبدال الشريعة بدساتير وضعية تقوم على مبادئ تناقض أصل الشريعة.
إذن فلا مجال للاستدلالي بالحكم في القضايا الجزئية على القضايا العامة حتى لا ينحرف الإستدلال عن مراد المستدل أصالة.
*نقل أقوال المفسرين دون ترجيح بينها يؤدي إلى إهمال معنى كبير من معاني الدليل ومن المعلوم أن بعض العامة وأنصار العلمانية لا يميزون ولا يفقهون بمجرد نقل قول يتعلقون به لأنهم في الأصل على مبدأ المخالفة وإتباع المشتبه فلا يفرقون بين الأقوال ولا مراتب الإستدلال.
فإذا رأوا نقلكم الهائل جعلوه من أكبر مبرراتهم على تبديل وتعطيل الشريعة ولعبوا به على عقول السذج من أبناء الأمة الغافلة فاستدرجوهم في حضن العلمانية والديمقراطية.
وعندها يتناسى هذا الجيل أو الذي بعده ما يسمى بالشريعة الإسلامية. وظهر لكم من يحرق المصحف والبخاري ويسب الله ورسله و يستهزئ بالدين والعلماء.
من أمثال الزنديقة مكفولة والزنديق ولد امخيطير ونحوهم من بعض التيارات الإسلامية الحداثية العصرية.
لأجل هذا يلزم المتكلم عن قوله تعالى:{{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }} أن يحرر وينقح ويرجح ويميز في نقله بين محل الحجاج و الاستئناس.
ومن تتبع نقلكم فضيلة الأستاذ يلحظ شيئا من عدم الترجيح والترتيب وذلك ما سأجمله في الآتي:
الوقفة الأولى:
قال الأستاذ البتار:
(.........استنادا إلى قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وما أشبهها من الظواهر ، وهذا خلاف ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من هذه الأمة.
والكفر المذكور في الآية لا يراد به إلا ما أريد بالفسق والظلم في الآيتين الأخريين وهو المعصية، ولا شك أن تعمُّد الحكم بغير ما أنزل الله ذنب معدود من الكبائر، لكنه ليس كفرا تستباح به الدماء ويوجب الخروج على السلطان.)

- إن دعوى إجماع أهل السنة والجماعة على هذا المعنى يحتاج النسبة والتوثيق لأنه يتبين حسب ما وثق عنهم ما يمنع ذلك ، فأغلبهم يحمل الكفر الوارد في الآية على الأكبر المخرج من الملة.
- ومن العجب قول الأستاذ والكفر المذكور في الآية لا يراد به إلا ما أريد بالفسق والظلم في الآيتين وهو المعصية.
كيف يتناسب هذا مع نقلكم مرات بأن المقصود بالآيات الكفار فكيف يكون مجرد معصية بل ورد في نقولكم أن الفاسقين والظالمين في اليهود والنصارى، فهل فسق وظلم اليهود والنصارى مجرد معصية؟.
وهل إطلاق لفظ الفسق والظلم دون قرينة صارفة يعني المعصية؟.
بل قد ورد في القرآن ما يؤكد أن كلا منهما يطلق ويراد به الكفر
قال تعالى:
{{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}}

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}

{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}

وقال تعالى { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ})

وقد عرف ابن عطية الفسق في الاصطلاح فقال:
(الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله، فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان ) [تفسير ابن عطية 1/55] .
قال الشوكاني معلقاً على هذا التعريف : (وهذا هو أنسب بالمعنى اللغوي ، ولا وجه لقصره على بعض الخارجين دون بعض) .
وكذلك الظلم قال تعالى:{{والكافرون هم الظالمون}}
وبهذا تعلم أن قوله المراد بالكفر هو المراد بالظلم والفسق وهو المعصية يناقض ما نقله عن عدد من الصحابة والتابعين بأن المعني بهما اليهود والنصارى وهؤلاء لا يشك أحد في كفرهم وشركهم. وبهذا يظهر عدم صحة النتيجة المبنية على ما تقدم ذكره.

الوقفة الثانية:
قال الأستاذ البتار:
(وهذا غيض من فيض، وإذا تقرر به أن الحكم بغير ما أنزل الله معصية لا تخرج عن الملة عند غير الخوارج والمعتزلة فإنها لا تبيح الخروج على السلطان لأنها ليست من الكفر البواح الذي حصر فيه النبي صلى الله عليه وسلم دواعي الخروج على السلطان ......).

وعند التأمل في أقوال السلف وعلماء العصر نجد أن أغلبهم قال بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر يخرج من ملة الإسلام.
وإليك طرفا من ذلك:
من علماء الصحابة:
١-عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه:
نقل عنه ابن كثير في تفسيره أنه سُئل عن الرشوة في الحكم فقال: ذاك الكفر، وتلا الآية، ورواه ابن جرير من طرق وفي رواية له بإسناده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن السُّحت، أهو الرشا في الحكم، فقال: (لا، من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم، ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق، ولكن السحت يستعينك الرجل على المَظْلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية، فتقبلها) (تفسير الطبري) 6/ 240. وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال (الرشوة في الحكم كفر، وهى بين الناس سُحت) ذكره ابن حجر المكي في كتابه (الزواجر) 2/ 189
٢-عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
أخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أرأيت الرشوة في الحكم أمن السحت هى؟ قال: لا، ولكن كفر، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون للآخر إلى السلطان حاجة فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية.
٣- علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:
وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سـئل عن السحـت فقال: الرشـا، فقيل له في الحكم، قال: ذاك الكفر، وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود نحو ذلك.
(تفسير روح المعاني) للألوسي، مجلد 3، جـ 6 صـ 140.

من علماء التابعين:
فقد ثبت عن الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والسدي حملها على الكفر لا المعصية
فقال ابن قدامة الحنبلي (قال الله تعالى «أكّالون للسحت»، قال الحسن وسعيد بن جبير في تفسيره: هو الرشوة، وقال: إذا قبل القاضي الرشوة بلغت به إلى الكفر) (المغني مع الشرح الكبير) 11/ 437 ــ 438.

وقال القاسمي في تفسيره (ونقل في «اللباب» عن ابن مسعود والحسن والنخعي: أن هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة، فكل من ارتشى وبدّل الحكم فحكَم بغير ما أنزل الله، فقد كَفَر وظَلَم وفَسَق، وإليه ذهب السُّدّي لأنه ظاهر الخطاب) (محاسن التأويل) للقاسمي، 6/ 215. وقول السدي رواه ابن جرير بإسناده عنه قال («ومن لم يحكم بما أنزل الله» يقول: ومن لم يحكم بما أنزلتُ فتركه عمداً وجَارَ وهو يعلم فهو من الكافرين) (تفسير الطبري) 6/ 257.

أما ابن عباس رضي الله عنه فنقلت عنه روايتان
ووقع في رواية هشام ابن حجير بعض اللبس فأدرج كلام طاوس في كلام ابن عباس مع أن ابن عباس قال في الآية كما صح عنه هي به كفر
ورواه الطبري من طريق عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سُئل ابن عباس عن قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هى به كفر، قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، اهـ. انظر (تفسير الطبري) 6/ 256.
وقد أشرت إلى رواية هشام هذه قديما:
أما الذي له هشام قد روى
عن ابن عباس فواهٍ قد هوى
فابن حجير عنه قال العلما
دعه فإنه ضعيف وهما
توجيه ذا في الأمراء الفجرة
لا المارقين المجرمين الكفرة
كذلك علة الحديث الواهي
أن خالف الثقة عبد الله

ولو لم يقل بذلك للزم الترجيح والجمع بين الأقوال لا أن نقول بأن من خالف هذه الرواية الضعيفة أو الرأي يكون خارجيا.
وأنتم تعلمون جيدا مذاهب أهل الاصول في رأي الصحابي وعدم حجيته:
قال الشوكاني رحمه الله (اجتهـاد الصحـابي لا يخصص ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين) (السيل الجرار) 4/ 581.
وكذلك قال الشنقيطي رحمه الله (اعلم أن التحقيـق لا يخصـص النص بقول الصحابي إلا إذا كان له حُكم الرفع، لأن النصوص لا تخصص باجتهاد أحد لأنها حجة على كل من خالفها) (مذكرة أصول الفقه) صـ 199،

أقوال العلماء:
١-قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/267) : ( والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء)
٢-قال ابن القيم في أعلام الموقِّعين (1/85) : (ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه , والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع , فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة له)

٣- قال ابن كثير في البداية والنهاية (13/128) بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار : ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر , فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين).

٤- قال الشوكاني بعد كلامه في كفر من يتحاكم إلى غير شرع الله : ( وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية ). ( الدواء العاجل في دفع العدو الصائل) ص: 25.

٥- وقال ابن خويزمنداد : ( ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالاً كانوا مرتدين والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة , وإن لم يكن ذلك منهم استحلالاً جاز للإمام محاربتهم ، ألا ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلك فقال : {فأذنوا بحرب من الله ورسوله } . انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/364 .

٦- الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على ما سبق نقله من كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار : ( أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت , ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه ).
عمدة التفسير 4/ 173-174 ) .

٧- قال عبد القادر عودة:
ومن لم يحكم بما أنزل الله، أو تحاكم إلى غير شريعته، فهو كافر ليس في قلبه ذرة من الإسلام وإن تسمى باسم مسلم، وانتسب إلى أبوين مسلمين، وادعى لنفسه الإسلام، ذلك حكم الله جل شأنه: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
وإذا كان هذا حكم الإسلام الذي عطلته ولا تزال تعطله الحكومات في البلاد الإسلامية، فإن كل ذي عقل يستطيع أن يدرك بسهولة مدى حظ هذه الحكومات من الإسلام، وأن يقول غير متحرج أن هذه الحكومات تدعو المسلمين إلى الكفر وتحملهم عليه [ص١٧ الإسلام وأوضاعنا القانونية ]
٨- وقال قاضي قضاة المملكة العربية السعودية قديما العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : (( لو قال من حكم القانون أنا أعتقد أنه باطل , فهذا لا أثر له , بل هو عزل للشرع كما لو قال أحد : أنا أعبد الأوثان أعتقد أنها باطل )) . ( مجموع الفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ( 6/189)
٩- اللجنـة الدائمـة بالسعوديـة، (ورد فـي جـواب الفتـوى (5226) (أمـا نوع التكفير في قوله تعالى «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، فهو كفر أكبر) إفتاء: عبدالله بن قعود، وعبدالله بن غديان، وعبدالرزاق عفيفي، وعبدالعزيز بن باز، (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) جمع الدويش، 2/ 93.
١٠- قال العلامة القرآني في أضواء البيان:
وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة اولياءه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم
(259/ 3)
وبهذا يعلم المنصف أن القول بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر يخرج من ملة الإسلام ليس قول الخوارج والمعتزلة بل هو قول كبار أئمة السلف من الصحابة والتابعين والعلماء العاملين عبر القرون ولكن اللبس وقع على البعض في استدلال الخوارج بالآية في غير محلها ففتنهم استدلالهم فصدهم عن السبيل وليست آية المائدة بأول آية يتأولها أهل البدع والزيغ على غير معناها لذا فلا داعي للوهم فمن نظر بطرق الإستدلال الشرعية المستقلة بعيدا عن المؤثرات الجانبية سيجد أنها صريحة في دلالتها اللفظية والمعنوية وننظر على سبيل المثال لا الحصر:
قال تعالى:
{{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }}
١- ظاهر الآية دل على الكفر وظاهر القرآن حجة على من خالفه صحابيا كان أو تابعيا قاله في مذكرة الأصول.
٢- سبب النزول تعطيل اليهود حد الرجم أو حد القتل
وصورة سبب النزول قطعية الدخول كما هو معلوم،
قال فيه السيوطي في كوكبه:
قالوا وذا صورته قطعي
دخوله وظناً السبكي
قال في المراقي:
أجزم بإدخال ذوات السبب
وارو عن الإمام ظنا تصب
وإذ اكان هذا لمن ترك حد الرجم وحده فكيف بمن استبدل كل حدود الله بقوانين وضعية لا علاقة لها بالدين.
وليس يصح في الأذهان شيء **إذا احتاج النهار إلى دليل
٣- ورود لفظ الكفر ولا يطلق في عرف الشارع الحكيم إلا على ما يناقض أصل التوحيد ولم يرد في القرآن لغير ذلك إلا في ثلاث آيات أجاب العلماء عنها وعند التحقيق تجدها تدل على الأكبر أيضا وكيف يحمل لفظ الكفر على الإسلام
قال ابن القيم رحمه الله (اللفـظ الـذي اطـّرد استعمالـه في معـنـى هو ظاهر فيه، ولم يُعهد استعماله في المعنى المؤوّل أو عُهِدَ استعماله فيه نادرا، فحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل، فإنه يكون تلبيساً يناقض البيان والهداية، بل إذا أرادوا استعمال مثل هذا في غير معناه المعهود حَفّوا به من القرائن ما يبيّن للسامع مرادهم به لئلا يسبق فهمه إلى معناه المألوف، ومن تأمّل كمال هذه اللغة وحكمة واضعها تبيّن له صحة ذلك) (مختصر الصواعق المرسلة)، صـ 16.

قال ابن حجر رحمه الله (عُرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يُراد به إلا ذلك) (فتح الباري) 1/ 65.

وقال أبو حيـان الأندلـسي في تفسيـره (البحـر المحيـط) (الكفر إذا أطلق انصرف إلى الكفر في الدين) (البحر المحيط) 3/ 493.
ومن أجمل ماخط المداد في دلالات هذه الآية على الكفر ما سطره العالم العلامة والحبر الفهامة الإمام سيد إمام في جامعه الذي لو وصف بجامع الحق والترجيحات لناسبه:
....أن اللـه سبحانـه وتعـالى قـد أكـد الكفر في هذه الآية وبَالغَ في وصفه وتغليظه بأسلوب هو من أقوى أساليب اللغة في إفادة المعنى وهو:

أ ــ مجـيء الكـفـر بلـفـظ الاسم وهـو دال عـلى ثبـوت الكـفــر ولـزومـه، دون الفعــل الـدال على التجــدد والحدوث.

ب ــ تصـديـر الاسم بالألـف واللام المـؤديـة لحصول كمال المسمى (الكافرون) بما يعني أنه الكفر الأكبر كما سبق ذكره في المقدمة الثانية عشرة.

جـ ــ اتيانه سبحانه بجملة جواب الشرط في صورة مبتدأ وخبر معرفتين (أولئك......... الكافرون) وذلك من علامات انحصار الخبر (الكفر) في المبتدأ (أولئك) وهو اسم إشارة يعود على (من لم يحكم بما أنزل الله)، وانحصار الخبر المعرف بأل في المبتدأ فيه مبالغة في حصول كمال معناه في المحكوم عليه (وهو المبتدأ) أي مبالغة في حصول كمال الكفر لأولئك الذين لم يحكموا بما أنزل الله.. انظر (الإيضاح في علوم البلاغة) للقاضي جلال الدين القزويني، صـ 1011.

د ــ و مجـيء المبتـدأ في جملـة جـواب الشـرط في صيغـة اسـم الإشــارة (أولئــك) زيادة في الدلالة على المقصود من اختصاص المذكورين قبله (من لم يحكم.....) باستحقاق الكفر، انظر (الإيضاح) للقزويني صـ 47.

هـ ــ وتقـديم المبتـدأ على الخـبر في جملـة جـواب الشـرط وإن كـان هـو الأصـل في اللغـة إلا أنه يفيد في أن كون المبتدأ (أولئك) متصفاً بالخبر (الكافرون) هو المطلوب بيانه، كمـا أن هــذا التقديم يفيد زيادة تخصيص. انظر (الإيضاح) للقزوني صـ 58.

و ــ وادخـال ضمـير الفصـل (هـم) بين المبتـدأ والخـبر (أولـئك هم الكافرون) يفيد اختصاص المبتدأ بالخبر، أي اختصاص أولئك (الذين لم يحكموا بما أنزل الله) بالكفر. انظر (الإيضاح) للقزويني صـ 57.
والخـلاصـة: أن أسلـوب هـذه الآيـة مـن جهـة بنيـة ألفاظهـا وتركيبها بلغ الغاية في إفادة المعنى، وهو أن أولئك الذين لم يحكموا بما أنزل الله قد بلغوا الغاية في الكفر، وهذا يتفق مع ما ذكرته آنفا عن النسائي في هذه الآية من أنه لاشتم أشد مما ورد بها. هذا من جهة دلالة اللغة العربية.
وبعد هذا تعلم أن قول بعض أعوزته الأدلة ليقرر جواز استبدال الشريعة بالقانون الوضعي قول منكر عظيم تنكره العقول و النقول.
والسمع والفروع و الأصول.
و لا حجة له في ذلك سوى شبه اصطناعية وليدة العبث بالاستدلال ومدار الحجج الواهية يمكن إجمالها فيما يلي:
- نزول الآية في الكفار
- بعض أقوال المفسرين ممن عنده إشكالية حول مسائل الأسماء والأحكام فيشترط الاستحلال والجحود ولا يكفر بمجرد الفعل حتى ينيط الحكم بعمل القلب لإرجائه
-أثر ابن عباس رضي الله عنه كفر دون كفر
-استدلال الخوارج بها
والرد على ذلك
الشبهة الأولى: نزولها في الكفار
أما نزولها في الكفار كغالب القرآن فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكيف يصنع هؤلاء باستدلاله صلى الله عليه وسلم على جدال فاطمة وعلي بآية نزلت في الكفار
قال تعالى:
{{و رءا المجـرمـون النـار فظنـوا أنهـم مواقعـوها ولم يجـدوا عنها مصرِفا، ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا، وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى و يستغفروا}}
فهل سيقول البعض يا رسول الله هذه الآية نزلت في مجادلة الكفار بالباطل لمعارضة دعوة الرسل فكيف تستدل بها على أهل التوحيد كعلي وفاطمة
الشبهة الثانية: أثر ابن عباس
أما أثر ابن عباس فليس حجة لأنه لم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم الله
قال السيوطي في ألفيته:
وليعط حكم الرفع في الصواب
نحو من السنة من صحابي
كذا أمرنا.....
وما أتى ومثله بالرأي لا
يقال إذ عن سالف ما حملا
-لكونه خالف غيره من الصحابة فلزم الجمع والترجيح (إذا اختلف أصحاب محمد فإن منهم مخطئ ومصيب فعليك بالترجيح )
- مخالفة ظاهر القرآن
- لم يصح عنه وخالف ما صح عنه.
فكيف نجعل أثرا هذا حاله عمدة لنا لتبرير تعطيل الشريعة مع أن محمل كلامه أمراء الأمويين وقد كانوا يقيمون الشرع مع أن القضية الواحدة الخاصة قد تعطل دون استبدال لرشوة أو شهوة وهذا الذي حمله عليه أهل العلم ممن مالو لتصحيحه.
الشبهة الثالثة: استدلال الخوارج بها
كل طوائف أهل البدع تعمد إلى بعض الآيات وتحرفها عن مدلولها ليطوعوها لباطلهم فالمعتزلة والشيعة ووووو تجدهم يفعلون الشيء نفسه بل حتى الزنادقة فهل نرد هذه الآيات لأن أهل الضلال استدلوا بها.
وللأمانة فليست ميزة الخوارج تكفير من حكم بغير ما أنزل الله ولكنهم لجهلهم وضلالهم جعلوا دلالة هذه الآية تشمل كل من خالف أمر الله فجعلوا الزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق من الحكم بغير ما أنزل الله المكفر، ولكن هذا لجهلهم من جهتين:
- تسويتهم بين مطلق العمل و الحكم
- تكفيرهم بالذنوب
وأنى لنا تشبيه هؤلاء الضلال الذين يكفرون بالكبائر بمن لا يكفر بمطلق الذنوب مالم تكن شركا أو يستحلها صاحبها
و كيف نجعل استدلال الخوارج الشاذ بالآية على تكفير فاعل الكبيرة كمن حملها على سبب نزلها ونحوه.
وأخيرا نبشر المخالفين بتعدد الأدلة فما هذا إلا دليل واحد.
الوقفة الثالثة:
لاحظت من الأستاذ تهجما على الخوارج المعاصرين ولم أفهم مراده مع أن هذه اللفظة تستعملها فقهاء السلطة القانونية و الإسلاعلمانية وتطلقها.
على الخارجين على قوانينهم الوضعية والمتمسكين بمنهج الوحي لذلك كان من مقتضى العدل ألا نجعل كل مخالف لنا في رأي من الخوارج كحكم المحاكم الظالمة.
وهل يقبل أن نصف ما تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين بالخوارج لمخالفتهم لنا في الحكم إن تصنيف الناس حسب الظن ونسبتهم للطوائف المبتدعة دون توفر الشروط وانتقاء الموانع قد يكون أقرب لفن التحامل من الإستدلال.
لذلك كان على الأستاذ بيان معتقد الخوارج وأصول مذهبهم ويحذر منه ليستفيد القارئ دون رمي المخالف في الإستدلال بآية بالخارجية ومن تأمل ما سبق علم أن الخوارج على حكم القوانين الوضعية هم أتباع الرسل.

الوقفة الرابعة:
الخروج على الحكام المعطلين للشرائع صفة أتباع الرسل لا الخوارج فأولئك خرجوا على من يحكم بالشريعة وأما أتباع الرسل فخرجوا على من يحكم بالطاغوت.
فشتان شتان ما بين اليزيدين في الندى ...
مع أن المناطات اليوم متعددة فليس تبديل الشريعة فقط بل موالاة الكفار ومعاونتهم ضد المسلمين مع تطبيق المبادئ الإلحادية القائمة على حوار الأديان وحرية المعتقد.
فهل من كان هذا حاله تجمع الأدلة لمنع الخروج عليه مع أنه لا يفوت فضيلة الأستاذ جواز الخروج على الظالم وجاز خروج العدل على الفاسق قال خليل: فللعدل قتالهم.
ونحوه ، نعم نوافقكم على منع الخروج على الحاكم المسلم، الذي يحكم بالشريعة وإن جار وظلم لكن إذا استبدل الشريعة بالقانون فلا طاعة له.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه ) وقال:
(ليس للظالمين عهد, وإن عاهدته فانقضه ) ( تفسير ابن كثير 167/1 ).

وفقنا الله و إياكم لمرضاته

وكتبه إيمانا واحتسابا محمد بن محمد الأمين بن الطالب إبراهيم البخاري الشنقيطي

 

9. يوليو 2018 - 18:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا