كثيرة ٌ هي الفرص المتاحة اليوم أمام المعارضة الموريتانية، وذلك على الرغم من المسار الأحادي الذي يسلكه النظام في تسيير الانتخابات. من هذه الفرص أن الموالاة ستخوض الانتخابات في ظل رئيس مغادر للسلطة، هذا فضلا على أنها ستخوضها بعد عشر سنوات
من تراكم الفشل على كافة الأصعدة، فالتعليم منهار، والخدمات الصحية رديئة، ومؤشرات البطالة والفقر والفساد والمديونية في ارتفاع مستمر، والطرق تحصد الأرواح، والجريمة في تصاعد، واللحمة الوطنية مفخخة، وأهل الريف غاضبون بعد سوء تعامل النظام معهم في هذا العام العصيب.
في واقع بائس كهذا ستخوض الموالاة استحقاقات 2018 و2019.
ومما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة للموالاة التي ليست على قلب خليفة واحد للرئيس، هو أن ما نُشر حتى الآن من ترشيحات الحزب الحاكم سيبيِّن للمواطن العادي بأن النظام القائم قد قرر أن يتوقف نهائيا عن سرقة خطاب المعارضة، ففي ترشيحات المفسدين ورموز الأنظمة السابقة والنواب والعمد الذين كان أداؤهم في غاية السوء ما يكفي للقول بموت شعارات خدعت في العام 2009 الكثير من الموريتانيين. لم يعد بإمكان السلطة القائمة أن تخوض الانتخابات القادمة تحت شعارات من قبيل : محاربة الفساد؛ تجديد الطبقة السياسية؛ الانحياز إلى الفقراء ...
في الانتخابات القادمة سيكون بإمكان المعارضة الموريتانية أن تستعيد خطابها الذي سرق منها لعقد من الزمن، وسيكون بإمكانها أن تبعث أملا في نفوس الموريتانيين بإمكانية حدوث التغيير في العام 2019، ولكن كل ذلك يحتاج لخطوات ومواقف شجاعة، يبدو أن المعارضة لم تمتلك حتى الآن القدرة على اتخاذها.
وإذا كان حزبا "التكتل" واتحاد قوى التقدم قد ارتكبا أخطاءً كبيرة قد بينتها في مقال سابق، وتتمثل بالنسبة لاتحاد قوى التقدم في تفجير أزمة داخلية في وقت حساس، وتتمثل بالنسبة للتكتل في تأخير حسم موقفه من المشاركة في الانتخابات، فلا يعني ذلك بأن حزب ؟تواصل" لم يرتكب هو بدوره أخطاء ، حتى وإن كانت أخطاءً من نوع آخر، أي أنه لا علاقة لها بالجاهزية ولا بالاستعداد الجيد للانتخابات القادمة.
صحيح أن حزب "تواصل" هو الحزب المعارض الذي يمتلك الآن القدرات البشرية والمادية الأكبر، والحظوظ السياسية الأوفر، وصحيح أنه بلغة حسابية يستحق في هذا الوقت وفي أي تحالف بين أحزاب المعارضة أن يمنح حصة الأسد في ذلك التحالف. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن "تواصل" قد تحصل على هذه المكانة الكبيرة لأسباب عديدة، كان من بينها أن بعض الأحزاب المعارضة الكبيرة قد قاطعت انتخابات 2013، وبالتأكيد فإنها لم تقاطع تلك الانتخابات لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة، فالمقاطعة بالنسبة للأحزاب السياسية الوازنة تشكل دائما تضحية بمكاسب حزبية شبه مؤكدة.
أخلاقيا، وسياسيا، فإنه على حزب "تواصل" أن يتذكر دائما بأنه إذا كانت هناك أسباب ذاتية مكنته من الوصول إلى هذه المكانة الكبيرة التي يتمتع بها اليوم، فإن هناك أسبابا أخرى ساهمت في تعزيز تلك المكانة، وكان من بينها تضحية أحزاب معارضة بمقاعدها في انتخابات 2013، وذلك بعدما قررت مقاطعة تلك الانتخابات، وتلك حقيقة يجب أن يستحضرها "تواصل" في مثل هذا الوقت، واستحضارها يفترض من الحزب أن لا ينظر إلى التحالفات في الانتخابات الحالية بنظرة حسابية وعددية فقط، أي أن يمنح كل حزب نسبة تتناسب عدديا وحسابيا مع إمكانياته البشرية والمادية في الوقت الحالي.
إن من الأمور التي ستعيد إلى المعارضة مصداقيتها وألقها هو أن تظهر أحزابها الكبرى في هذه المرحلة الحاسمة بأنها ليست تلك الأحزاب المنشغلة بتحقيق مكاسب حزبية ضيقة، وإنما هي أحزاب همها الأول والأخير هو تحقيق مكاسب عامة للمعارضة في مجموعها، الشيء الذي سيزيد من فرص التغيير في العام 2019.
هذا عن "تواصل"، أما عن المنتدى في مجموعه بالإضافة إلى التكتل وغيره من الأحزاب المعارضة خارج المنتدى، فإن كل تلك الأحزاب قد ظهرت هي أيضا بأنها متمسكة بمصالحها الحزبية الضيقة أكثر من سعيها إلى تحقيق مصالح عامة للمعارضة الموريتانية، ومن مظاهر التمسك بالمصالح الحزبية الضيقة أن الأحزاب المعارضة الكبرى ـ وحتى الصغرى ـ رفضت احتضان بعض الأسماء الشبابية المعارضة التي أعلنت مؤخرا عن استعدادها للترشح. إن احتضان تلك الأسماء كان سيضخ دماء جديدة في أحزاب المعارضة، وكان سيمكن تلك الأحزاب من الاستفادة من القدرات الإعلامية والجماهيرية لتلك الأسماء التي عبرت عن استعدادها للانخراط في العملية الانتخابية.
على المعارضة الموريتانية أن تعلم جيدا بأنه لن يكون بمقدورها أن تنافس باستخدام الأسلحة التقليدية التي يجيد النظام استخدامها ويمتلك منها مخزونا أكبر. لن يكون بإمكان المعارضة أن تهزم النظام انتخابيا من خلال الوجهاء التقليديين أو من خلال إنفاق الأموال الطائلة، فما يملكه النظام من مال وما يتبعه له من وجهاء سيحسم المعركة لصالحه إن أديرت المعركة بتلك الأسلحة التقليدية. لا يعني هذا الكلام بأن المعارضة لا يحق لها استخدام المال ولا احتضان من سيولي من الوجهاء المغاضبين وجهه إليها، وإنما يعني بأنه على المعارضة أن تركز على نقاط قوتها، وأن تعمل على تعزيز نقاط القوة تلك، وذلك من خلال :
1 ـ العمل على استعادة خطابها المسروق، والابتعاد عن الدفع بالمغاضبين الذين قد يلتحقون بها إلى الواجهة، وخاصة منهم أولئك الذين سيشوش ظهورهم على استعادة الخطاب المعارض المسروق.
2 ـ الرهان على وعي ونضج الشعب الموريتاني أكثر من أي شيء آخر، فالشعب الموريتاني من حيث الوعي والنضج ليس بذلك السوء الذي تتحدث عنه بعض النخب. إن مشكلة الشعب الموريتاني هي أنه قد فقد ثقته في الكثير من نخبه السياسية المعارضة، وعندما تعمل تلك النخب على استعادة تلك الثقة فلن يكون من المستحيل استعادتها، ولتتذكر النخب السياسية المعارضة بأن الشعب الموريتاني قد قاطع وبشكل ناضج الاستفتاء الماضي، وبأنه كان يحضر بكثرة إلى مهرجانات المعارضة، وبأنه كان في عهد معاوية يصوت في العاصمة وفي المدن الكبرى لمرشحي المعارضة، بل إنه منح ـ في أول انتخابات رئاسية ـ أغلبية أصواته لمرشح المعارضة آنذاك لأنه بعث أملا في النفوس، حتى وإن كانت السلطة قد نجحت في تزوير نتائج تلك الانتخابات.
3 ـ عدم تمسك الأحزاب المعارضة بمصالحها الحزبية الضيقة، والعمل على أن تظهر تلك الأحزاب بمظهر المضحي بالمصالح الحزبية الضيقة من أجل تحقيق المصالح المشتركة للمعارضة، والتي إن تحققت فإنها ستقرب المعارضة من كسب رهان 2019.
4 ـ احتضان كل الأسماء الشبابية المعارضة التي تمتلك حضورا إعلاميا وجماهيريا معتبرا، والعمل على ضخ دماء جديدة في أحزاب المعارضة كلما أتيحت لذلك فرصة. إن مما يؤسف له هو أن الحفاوة التي تستقبل بها الأحزاب المعارضة بعض الشخصيات التقليدية تفوق بكثير الحفاوة التي تستقبل بها بعض الأوجه الشبابية المعارضة التي استطاعت أن تصنع لنفسها ـ رغم تواضع الوسائل ـ مكانة معتبرة في المجتمع. ما على المعارضة أن تعلمه بأن الوزن الانتخابي الحقيقي لأحد أولئك الشباب يفوق بكثير الوزن الانتخابي لكثير من الوجهاء الذين قد تعطيهم المعارضة مكانة تفوق مكانتهم التي يستحقون.
بكلمة واحدة إن أمام المعارضة الموريتانية فرصة ثمينة للتغيير، وبإمكان هذه المعارضة أن تنتصر في المعركة الانتخابية القادمة، ولكن عليها أن لا تعيد استخدام أسلحة فاسدة، ولا أن تكرر نفس الأساليب القديمة التي كانت تستخدمها في إدارة الصراع مع السلطة.
لن تكسب المعارضة المعركة إلا إذا عملت كفريق انتخابي واحد، الشيء الذي يعني العمل على تحقيق مكاسب عامة للفريق، لا العمل لتحقيق مكاسب فردية لهذا اللاعب أو ذاك.
حفظ الله موريتانيا..